كثير من المشكلات فى العالم نرجعها إلى اختلاف الأعراق، فهل هذا الكلام حقيقى تمامًا أم أن الأمر يحتوى لعبة ما وسياسة ما؟ هذا ما سيناقشه كتاب "الأعراق البشرية.. هل نحن حقًّا على هذا القدر من الاختلاف؟" تأليف آلان إتش جودمان ويولاندا تى موزِس وجوزيف إل جونز وقدر صدرت ترجمته عن مؤسسة هنداوى ترجمة شيماء طه الريدى وهبة عبد المولى أحمد.
يتحدث الكتاب عن الوقت الذى بدأ فيه العالم يستخدم كلمة العرق فيقول: "يرجع تاريخ العرق إلى بضع مئات فقط من السنين، مقارنةً بالتاريخ البشرى الممتدِّ لفترات طويلة. وعلى الرغم من أن فكرة العرق ليست علمية، فإنها افترضت وجود اختلافات كبيرة بين البشر سمحت بتقسيمهم إلى عددٍ محدود من الفئات أو الأعراق، ومع ذلك، هل نحن مُختلفون بدرجةٍ كبيرة؟ يشترك كل البشر فى أصل مشترك، ولأن كلا منا يمثل مجموعة فريدة من الصفات الموروثة، فإن كل البشر يُظهِرون تباينًا بيولوجيًّا.
وارتبطت فكرة العرق منذ البداية بالسلطة والتدرج الهرمى بين البشر، حيث كان يُنظر إلى مجموعة ما على أنها أعظم شأنًا، ويُنظر إلى الآخرين على أنهم أدنى شأنًا، وعلى الرغم من إثبات بطلان مفاهيم التراتبية الهَرَمية، وإزالة العوائق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فلا تزال فكرة العرق الموروثة تُشكِّل حياة الأفراد وعلاقاتهم فى الولايات المتحدة وفى كل أنحاء العالم.
ربما يردُّ هذا الكتاب على المفاهيم الشائعة عن العرق، ويُثير تساؤلاتٍ، ويُحفِّز التفكير النقدي. ونأمُل أن يسهم المعرض، والموقع الإلكترونى العام، والمواد التعليمية التى أنتجها مشروع "العرق"، فى تعزيز الحوار على مستوى الأُسر والمجتمعات فى كل أنحاء الولايات المتحدة، وأن يساعد فى تحسين العلاقات بيننا جميعًا.
ما الذى نعرفه حقا عن العرق؟
العرق كلمة قصيرة ذات تاريخٍ طويل فى الولايات المتحدة الأمريكية، يمكنكم التفكير فى تاريخ أمريكا وفكر الأمريكيِّين عن العرق على أنهما متصلان، ومتشابكان، ومتغيِّران باستمرار، العرق مُبتكَر كهذه اللوحة الزيتية تمامًا، وهو فكرةٌ قوية ومؤثرة اخترعها المجتمع.
العرق مفهومٌ راسخ شكَّل اقتصاد أمتنا وقوانينها ومؤسساتها الاجتماعية، وهو مفهومٌ معقَّد شكَّل مصير كلٍّ منا. وكثيرٌ من الفِكَر التى نربطها حاليًّا بالعرق نشأت خلال عصر الاستكشاف الأوروبى.
سافر أوروبيون أمثال كريستوفر كولومبوس عبر البحار وقابلوا، ثم استعمروا أو غزوا، شعوبًا فى أفريقيا وآسيا والأمريكيتَين، مُختلفين كثيرًا عنهم فى الشكل واللغة والسلوك. ثم جاء العلماءُ والمنادون بالمذهب الطبيعى بعد ذلك، فصنَّفوا تلك الاختلافات إلى أنظمة أصبحت أساسًا لمفهوم العرق كما نعرفه حاليًّا.
فى المستعمرات الأمريكية، كان العُمَّال الأوائل خدمًا أوروبيين يعملون بنظام التعاقد الطويل الأجل.
عندما تم جلب العمَّال الأفارقة عنوةً إلى فرجينيا فى أوائل عام ١٦١٩، كانت المكانة الاجتماعية تتحدَّد من خلال الثروة والدين، لا الصفات الجسدية مثل لون البشرة.
إلا أن الوضع تغيَّر.
بمرور الوقت، أصبح للاختلافات الجسدية أهميتها، ومع ظهور تجارة الرقيق عبر الأطلنطي، شرع مُلَّاكُ الأراضى الزراعية فى إحلال العبيد الأفارقة الذين استُعبِدوا بموجب صكوك العبودية الدائمة محل العُمَّال الأوروبيين. وسرعان ما ظهرت بنيةٌ اجتماعيةٌ جديدة تستند بصفةٍ أساسية إلى لون البشرة، وهى بُنيةٌ يتصدَّرها الأشخاص ذوو الأصول الإنجليزية ويأتى فى نهايتها العبيدُ الأفارقة والهنود الأمريكيون.
بحلول عام 1776، عندما أوردَ توماس جفرسون — وهو من مالكى العبيد — عبارة "كلُّ البشر خُلِقوا سواسية" فى إعلان الاستقلال، وُلِدت أمةٌ ديمقراطية تنطوى على تناقضٍ كبير فى جوهرها بشأن قضية العرق. وعلى الرغم من تأكيد أمتنا الجديدة على استقلالها من الطغيان والاستبداد الأوروبي، كان يُنظَر إلى السود والهنود الأمريكيِّين على أنهم أقل من البشر، ولا يستحقون الحريات نفسها التى يحظى بها البِيض.
فى القرنين التاسع عشر والعشرين، استمرَّت فكرة العرق فى تشكيل الحياة فى الولايات المتحدة. ودعم ظهورُ «عِلم الأعراق» الاعتقادَ الشائع بأن الأشخاص ذوى البشرة غير البيضاء أدنى درجةً من الناحية البيولوجية. ويُعتبر إخراج الأمريكيِّين الأصليِّين من أراضيهم، وإقرار الفصل العنصري، واعتقال اليابانيين الموجودين فى أمريكا خلال الحرب العالمية الثانية أمثلةً موروثة عن العواقب التى قادنا إليها هذا التفكير.
يخبرنا العِلمُ حاليًّا أن كلَّ البشر يشتركون فى أصلٍ مُشتركٍ واحد. وعلى الرغم من وجود اختلافاتٍ بيننا، فإننا متشابهون أيضًا فى نواحٍ كثيرة للغاية.
تؤدى الديموغرافيات المتغيِّرة فى الولايات المتحدة وفى مختلف أرجاء العالم إلى ظهور أنماطٍ جديدة من الزواج، والإسكان، والتعليم، والتوظيف، وفِكرٍ جديد بشأن العرق.
وعلى الرغم من مظاهر التقدُّم هذه، فلا يزال تراث العرق يؤثر فينا بأساليب شتى.
إنَّ الفرضيات الراسخة، والصور النمطية المتأصِّلة، عن العرق تجعلنا نعتقد أن الاختلافات القائمة من حيث الثروة، أو الصحة، أو الإسكان، أو التعليم، أو التوظيف، أو القدرة البدنية فى المجال الرياضي، هى أمورٌ طبيعية. ونعجز أن نرى الامتيازات التى مُنِحَت للبعض وحُرِم منها آخرون بسبب لون البشرة.
لقد عزَّز هذا الاختراعُ، المُسمَّى العرق، مُمارسات التمييز وعدم المساواة على مدى قرون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة