- صدمة فى تغطيات الجزيرة.. ولجان الجماعة الإلكترونية بين العويل وسباب المصريين
- ميليشيات حسن البنا تخفق فى دعوتها الـ17.. حرب مفتوحة على مصر بدءا من أغسطس 2013.. و25 يناير 2020 شهادة وفاة أخيرة للتنظيم
- تحالفات الجماعة تتصدع وإنذار بتقلّص التمويل
سقط المقاول والكومبارس محمد على، واعترف بالسقوط النهائى بعد أربعة أشهر من ظهوره ضمن أحدث حلقات اللعبة الإخوانية لاختراق الساحة والعودة إلى واجهة المشهد، وبهذا السقوط المدوّى سجّل «على» آخر حلقات الإخفاق الإخوانى، مع اكتمال سلسلة الفشل التى بدأت قبل سبع سنوات تقريبا، واشتملت على نحو 17 دعوة بنكهة إخوانية وأجندات غير وطنية، أحبطها جميعا وعى المصريين الذى كتب السطر الأخير فى قصة الإخوان، ووضع نقطة فاصلة فى آخر حكاية الجماعة الإرهابية.
لم يكن مفاجئا أن يخرج المقاول فى مقطع مصور مساء 25 يناير، قائلا: «النهارده كان يوم فيصل بالنسبة لى... أى كلام هطلع أقوله هيبقى هرى على الفاضى»، مستطردا فى إعلان انتهاء ظاهرته: «مفيش أى حاجة نزلت، أنا بعتذر جدا للشعب المصرى، الإجابة النهارده ظهرت».. فالحقيقة أن الأمر كان مُتوقعا منذ البداية، وكان يُمكن لكل ذى عقل أو بصيرة أن يراه، لكن الإخوان وحدهم، وبعض قطاعات النُخبة السطحية من طابور فيرمونت ومُحلّلى الإخوان بين 2011 و2013، اعتبروا أن محمد على يُمكن أن يكون رهانًا، أو قرروا مُكايدة الدولة والمؤسسات بالأمر حتى مع إيمانهم بسطحيته وتعبيره عن مدى انحطاط الأدوات والوسائل المُعتمدة من جانب خصوم النظام.
بدأت اللعبة الأخيرة خلال سبتمبر الماضى، مع توظيف جماعة الإخوان، ومن ورائها المخابرات التركية والقطرية، لورقة المقاول الهارب فى شحن الشارع، ومحاولة اختراق البنية الاجتماعية والسياسية الصلبة فى مواجهة الجماعة، سعيا إلى تعويض مسار فشلها الذى بدأ منذ خروج نحو 30 مليون مصرى ضد الجماعة فى 30 يونيو 2013، ثم اعتصامها الإرهابى فى رابعة العدوية، وحملة العنف والفوضى والقتل وإحراق الكنائس وأقسام الشرطة، فى موجة إرهاب امتدت عدة سنوات قبل أن تنجح والمؤسسات الأمنية، والتلاحم الشعبى مع الدولة وأجهزتها، فى حصار تلك المخاطر، وإفشال كل مُخططات التنظيم.
خلال الفترة الممتدة من 2013 حتى الآن لم تتوقف الجماعة عن استهداف الدولة، بدأ الأمر بالعنف المباشر، والعمليات الإرهابية المنظمة، وموجة الاغتيالات والتفجيرات التى طالت ضباطا ومواطنين وصولا إلى النائب العام السابق المستشار هشام بركات، وآخرها تفجير محيط معهد الأورام قبل شهور، وبعدما آل مصير الخطط الإخوانية إلى الفشل والإخفاق بفضل الجهود الأمنية والشعبية، ركزت أنشطتها على محاولة شحن الشارع وإطلاق تظاهرات مدفوعة ببعض عناصرها والموالين لها، ليصل العدد طوال تلك الفترة إلى نحو 17 دعوة، فشلت جميعا فى إحراز أى قبول شعبى، بل إن الشعب كان السبب المباشر وراء فشلها، بتعريته للتنظيم وإحجامه عن منح محاولات الجماعة غطاء شرعيا ولو حتى بالصمت والقبول الضمنى.
مسلسل إرهاب الإخوان
مئات العمليات الإرهابية نفذتها الجماعة فى الشهور التالية لثورة 30 يونيو، تبعتها دعوات التظاهر التى امتدت من «ثورة الغلابة» و«اللهم ثورة» وذكرى 25 يناير المتتابعة سنة بعد أخرى، إلى دعوات المقاول والكومبارس الهارب فى سبتمبر الماضى، وصولا إلى السبت 25 يناير 2020، الذى وجه فيه محمد على دعوة جديدة، ساندتها جماعة الإخوان ووجهت عناصرها لاستغلالها، وأفشلها المصريون بالوعى والرفض القاطع لتلك الخطط، ليكتب نهاية الجماعة الإرهابية فى ذكرى اليوم الذى استغلته لركوب الساحة السياسية، واستغلال الأحزاب والتيارات المختلفة، وصولا إلى اختطاف الدولة طوال سنة سوداء فى السلطة، كان الشعب المخرج الوحيد منها أيضا بثورته العارمة منتصف 2013.
تلك الحرب المفتوحة على الدولة المصرية كانت خيارا إخوانيا منحازا إلى دوائر مصالح إقليمية غير وطنية، فالجماعة التى رفضت الإرادة الشعبية فى 30 يونيو، وحاولت البقاء فى السلطة رغما عن ملايين المصريين، قررت عقب إنهاء حُكمها أن تنقل مراكز ثقلها إلى الدول الراعية والممولة لها، لتُعيد تمركزها فى العاصمة القطرية الدوحة، وفى إسطنبول التركية، وكما كان البلدان يوفران للجماعة التدفقات المالية والدعم الاستخباراتى منذ ثورة يناير وحتى وصولهم للسلطة، ظلت خطط الجماعة بعد 2013 وليدة الرؤية التركية القطرية، ومُهندسة بإشراف ضباط الاستخبارات فى البلدين، مع ضخ مالى ضخم وتمويلات مفتوحة تتوزع على منصات إعلامية مباشرة وغير مباشرة، وعلى مجموعات حركية، وتجمعات إرهابية، وعمليات عنيفة، وحملات علاقات عامة ودعاية سوداء فى عدة دول أوروبية وعبر منصات إعلامية وصحف شهيرة.
حينما عثرت الجماعة على محمد على وقررت توظيف ورقته، أو قرّر رُعاتُها توظيفه لصالحها، كانت قد قضت نحو 5 سنوات من الدعوات والتحريض والعمليات الإرهابية بدون مردود فعلى، ما دفعها إلى قبول الرهان التركى القطرى على المقاول الهارب، وإلقاء كل أوراقها على طاولة اللعب التى رعاها ضباط البلدين فى برشلونة الإسبانية، وبعد أسابيع قليلة من إطلاق المقاول أول فيديوهاته نافيا علاقته بالإخوان ودوائرها، دخلت الجماعة على الخط ووظفت كل قدراتها الإعلامية ولجانها الإلكترونية فى تسويق محمد على وترويج دعواته، حتى تطابق الطرفان وباتت الصورة واضحة لدى المصريين، وبات الفشل مقسوما على الجانبين، حتى لو حاولت الجماعة غسل يدها بإجباره على الخروج من المشهد وإغلاق صفحاته وحساباته على مواقع التواصل.
7 سنوات من الفشل
ربما لا تبدو قصة محمد على مهمّة من الأساس، فالأمر لا يتجاوز ورقة عثر عليها سفير الدوحة فى إسبانيا، محمد الكوارى، وفى غضون شهور دخلت المخابرات القطرية على الخط، وبعدها مسؤولون أمنيون أتراك، لتبدأ محاولة ذات طابع دعائى كان مُتوقعا من البداية ألا تُسفر عن شىء، لكن المهم فى تلك الحكاية أنها جففت مستنقع الإخوان إلى آخره، وأسفرت عن الوضعية المشوّهة فى قاعه السحيق، بين صراعات داخلية تتوزع على محاور مالية أو سياسية، وسباق على حيازة الجنسية التركية، واحتراب دامٍ من أجل احتكار كعكعة التمويل القطرية أو اقتطاع أكبر جزء منها، لكن ما يتفوق على كل ذلك أن القصة الساذجة أكدت توقيع الفشل المتكرر على أوراق الإخوان، وفوق ذلك نسفت سردياتها المزعومة والرائجة بين أعضائها، وقضت على آخر روابطها بثورة يناير.
ما حدث فى يناير 2011، سواء اتفق البعض معها أو اختلفوا، أن ملايين المصريين خرجوا ثائرين على نظام مبارك، وقتها أطلت الجماعة الإرهابية برأسها مُدّعية الشراكة فى الحدث، ولاحقا طوّرت الادعاء إلى محاولة احتكار شاملة له، وروّجت فى هذا المسار سرديات مُضلّلة عن حماية الميدان، ومواجهة البلطجة، وإنقاذ المتظاهرين طوال أيام الثورة وفى «موقعة الجمل». لكن ما حدث بعد ذلك أن الجماعة عجزت تماما عن إنتاج سياق 25 يناير، أو مقاربته ولو من بعيد. اعتصمت بعدة آلاف فى إشارة مرورية بمدينة نصر وادّعت أنه اعتصام حاشد، ثم حاولت تنظيم مسيرات فى أنحاء مصر ولم تُسفر عن فعل سياسى أو ثورى، وإنما بضع عشرات ساعدهم السلاح والعنف على النيل من بعض الكنائس والمؤسسات وأقسام الشرطة، ومنذ ذلك التاريخ تستميت الجماعة فى محاولة إنتاج سياق يناير، وتفشل فى كل مرة أكثر من ذى قبل.
فى المقابل فإن الملايين الذين خرجوا فى يناير 2011، استطاعوا بعد نحو 30 شهرا أن يُكرّروا التجربة ويُطيحوا بحُكم الإخوان فى ثورة حاشدة، تفوقت على تظاهرات يناير عددا، وهى مفارقة مفصلية تُمثّل الشهادة الأوضح والأكثر ثباتا على جماعة الإخوان، التى طالما ادّعت البطولة قبل تسع سنوات، لتسقط تلك السرديّة المكذوبة مع تكرار فشل الجماعة فى الحشد، أو تثوير الشارع، أو حتى الحفاظ على هياكلها التنظيمية العتيقة فى منأى عن الصراعات والتلاسن الداخلى والانقسام على الذات. كان محمد على بطلا كما وصفه الإخوان وحفاؤهم، لكنه «البطل الضد» الذى فضح العصابة من داخلها، وكشف تناقضاتها، وأطاح بسردياتها، ودق مسمارا غليظا فى نعشها، حتى لو جرى ذلك من ضفة التحالف معها، وحتى لو لم يقصد هذا «الضد» أن يكون مقاول هدم للتنظيم الذى وظّفه أو اشترى خدماته.
شروخ التحالفات وصدمة الممولين
بعيدا عن كل ما أثاره محمد على، وما عبّرت عنه ظاهرته بشأن الخلل وحالة التداعى التى يعيشها تنظيم الإخوان، وصراعات المال والنفوذ فى أروقة الجماعة بإسطنبول والدوحة ولندن وعدد من المراكز الطرفية الأخرى، فإن الصدمة المتولِّدة عن الإخفاق تلك المرة تتجاوز صدمات المحاولات الأخرى قاطبة، فرغم أن الجماعة اعتادت الفشل والإخفاق منذ 2013 حتى الآن، إلا أن الضربة الأخيرة كانت أشد وطأ لاعتبارات عديدة، أولا حجم الرهان عليها، وثانيا أنها استعانت بوجه من خارج التنظيم ومحسوب على أعداء تقليديين للتنظيم (الوسط الفنى ورجال الأعمال)، وثالثا لأنه استهلك كل طاقات التنظيم فى الحشد والدعاية وتوظيف اللجان الإلكترونية، ورابعا لأنه تمتع بدعم غير محدود من دوائر التمويل والرعاية فى قطر وتركيا.
أمام كل تلك العناصر التفضيلية من وجهة نظر الإخوان، كان الإخفاق قاسيا ومُزعزعا للثقة فى التنظيم، ليس بين القواعد والأفراد العاديين فقط، وإنما بين القادة ومراكز الثقل المالى والدعائى أيضا، وبدا ذلك واضحا فى تعبيرات أيمن نور وعصام الحداد عقب فشل الدعوات وإعلان محمد على خروجه من المشهد، وتردد بكثافة على قناة الجزيرة ومنصاتها التابعة، التى بدت فى حالة صدمة وذهول، وحاولت استنطاق ضيوف الاستوديو والمداخلات بتعبيرات ضد الموقف الشعبى، وتقترب من إهانة الجمهور الذى طالما امتدحته خلال التحضير للدعوات، لكن هذا الاقتراب تحول إلى تورط كامل على صفحات الإخوان أنفسهم، واللجان الإلكترونية المُدارة من خلالهم، بشيوع تدوينات هجائية مباشرة بحق الدولة والمؤسسات والمجتمع والمواطنين، وتوزعت أنشطة أغلب وجوه الجماعة على تويتر مثلا، بين الصدمة، والعويل، وسب المصريين، ومحاولة تثبيت القواعد ومواجهة حالة اليأس المتفشية بينهم.
الصورة الأخيرة التى أسفر عنها المشهد بمكوّناته وتداعياته، أن شروخا عميقة طالت بنية التحالفات الإخوانية التى راهنت بقوة على ظاهرة المقاول، ما يجعل خروج بطلهم المغوار مُعترفا بالهزيمة والانسحاب إعلانا لوفاة تلك التحالفات أو بعضها، فضلا عن صدمة الممولين والرعاة من حكومتى قطر وتركيا، وتلك الأخيرة أخطر من سابقتها، لأنها لا تتوقف فقط على خسارة التوافق مع بعض الأفراد أو المجموعات، وإنما قد يترتب عليها تقلّص فى المنافع المالية، أو الحماية القانونية والسياسية، أو مسارات التجنيس المفتوحة لوجوه الإخوان فى تركيا. ربما تمتلك الجماعة رصيدا مؤقتا لدى البلدين ونظاميهما، خاصة فى ظل تورط تميم بن حمد مع الإخوان حتى النخاع، وارتباط رجب طيب أردوغان التاريخى وحزبه بتنظيمهم الدولى، لكن هذا الرصيد الضئيل الآخذ فى التضاؤل أكثر فأكثر، لن يُحقق للجماعة ما عجزت عن تحقيقه طوال سبع سنوات وقتما كان الدعم مفتوحا والرهانات متضخمة والصورة غير واضحة تماما لدى كل المصريين، وتلك النقطة الأخيرة هى الخسارة الأكبر للإخوان، فقد انكشفوا أمام الشارع، وحرقوا كل المساحات المحتملة مستقبليا لتجديد اللعبة عبر وجه آخر أو حُلفاء غير متورطين مع التنظيم من قبل، ما يعنى أن انتهاء ظاهرة المقاول والكومبارس، هى فى الوقت نفسه كتابة شعبية واضحة المعالم والحروف والتعابير لنهاية الجماعة الإرهابية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة