نبدأ اليوم قراءة كتب المفكر العربى جواد على (1907- 1987) وهو مفكر ومؤرخ عراقى له العديد من الكتب من أشهرها كتاب "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" وستكون البداية مع مفهومه عن "الجاهلية".
يقول الكتاب: "اعتاد الناس أن يسموا تأريخ العرب قبل الإسلام (التأريخ الجاهلى)، أو (تأريخ الجاهلية)، وأن يذهبوا إلى أن العرب كانت تقلب عليهم البداوة، وأنهم كانوا قد تحلفوا عمن حولهم فى الحضارة، فعاش أكثرهم عيشة قبائل رحل، فى جهلة وغفلة، لم تكن لهم صلات بالعالم الخارجى، ولم يكن للعالم الخارجى اتصال بهم، أمّيون عبدة أصنام، ليس لهم تاريخ حافل، لذلك عرفت تلك الحقبة التى سبقت الإسلام عندهم بـ(الجاهلية).
والجاهلية اصطلاح مستحدث، ظهر بظهور الإسلام، وقد أطلق على حال قبل الإسلام تمييزاً وتفريقاً لها عن الحالة التى صار عليها العرب بظهور الرسالة.
واختلف العلماء فى تحديد مبدأ الجاهلية، أو العصر الجاهلى، فذهب بعضهم إلى أن الجاهلية كانت بين نوح وإدريس، وذهب آخرون إلى أنها كانت بين آدم ونوح، أو أنها بين موسى وعيسى، أو الفترة التى كانت ما بين عيسى ومحمد، وأما منتهاها، فظهور الرسول ونزول الوحى عند الأكثرين، أو فتح مكة عند جماعة.
وذهب ابن خالوية إلى أن هذه اللفظة أطلقت فى الإسلام على الزمن الذى كان قبل البعثة، والذى يفهم خاصة من كتب الحديث أن أصحاب الرسول كانوا يعنون بـ(الجاهلية) الزمان الذى عاشوا فيه قبل الإسلام، وقبل نزول الوحي، فكانوا يسألون الرسول عن أحكامها، وعن موقعهم منها بعد إسلامهم، وعن العهود التى قطعوها على أنفسهم فى ذلك العهد. وقد أقر الرسول بعضها، ونهى عن بعض آخر، وذلك يدل على أن هذا المعنى كان قد تخصص منذ ذلك الحين، وأصبح للفظة (الجاهلية) مدلول خاص فى عهد الرسول.
أما بالنسبة لتأريخ الجاهلية فيعد أضعف قسم كتبه المؤرخون العرب فى تاريخ العرب، يعوزه التحقيق والتدقيق والغربلة، وأكثر ما ذكروه على أنه تاريخ هذه الحقبة، هو أساطير، وقصص شعبي، وأخبار أخذت عن أهل الكتاب ولا سيما اليهود، وأشياء وضعها الوضاعون فى الإسلام، لمآرب اقتضتها العواطف والمؤثرات الخاصة. وقد تداول العلماء وغير أصحاب العلم هذه الأخبار على أنها تاريخ الجاهلية حتى القرن التاسع عشر. فلما انتهت إلى المستشرقين، شكوا فى أكثرها، فتناولوها بالنقد، استناداً إلى طرق البحث الحديثة التى دخلت العلوم النظرية، وتفتحت بذلك آفاق وسعة فى عالم التاريخ الجاهلى لم تكن معروفة، ووضعوا الأسس للجادات التى ستوصل عشاق التاريخ إلى البحث فى تاريخ جزيرة العرب. وكان أهم عمل رائع قام به المستشرقون هو البحث عن الكتابات العربية التى دونها العرب قبل الإسلام، وتعليم الناس قراءتها بعد أن جهلوها مدة تنيف على ألف عام.