فى تعنت واضح من الجانب التركى لاتخاذ خطوة غزو ليبيا عسكريا، بدأت عمليات النقل الجوى والبحري، من المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا باتجاه العاصمة الليبية، لعناصر مسلحة تركمانية الأصل، قاتلت فى السنوات الماضية فى صفوف عدة تنظيمات إرهابية قاتلت الجيش السورى خلال هذه الفترة، ومولتها وسلحتها الحكومة التركية.
حسب المعلومات المتوفرة فإن الجزء الأهم والأكبر من العناصر التى تم ويتم نقلها حالياً، ينتمى إلى فرقة (السلطان مراد) وفصيل (سليمان شاه) المسلحين الموالين لتركيا، واللذان قاما بعدد كبير من الانتهاكات فى المناطق التى تسيطر عليها تركيا فى الشمال والشمال الشرقى السورى وعلى رأسها مدينة عفرين. تتواجد أيضا ضمن هذه المجموعات الجارى نقلها إلى ليبيا، عناصر تتبع لفصائل مسلحة سورية أخرى، تم تجنيدها عبر مكاتب تم تخصيصها لاستقبالهم فى مدينة عفرين، وينتمى هؤلاء إلى فصائل مثل فرقة الحمزة والجبهة الشامية ولواء المعتصم، وفقا لتقرير المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية.
وخلال عملية اختيار هؤلاء، حرصت تركيا على أن يكونوا فى غالبيتهم من القومية التركمانية، ووعدتهم بجانب المرتبات الشهرية المجزية (ما بين 1800 إلى 2500 دولار شهرياً)، وخدمات الإعاشة والتسكين التى ستقدمها لهم حكومة الوفاق فى طرابلس، بتجنيسهم بالجنسية التركية، وعلى ما يبدو فإن هذا التوجه يراد منه التنصل من اية محاسبة دولية مستقبلية إذا ما تم التحقيق مع هؤلاء وإكتشاف انهم سوريين، وبالتالى عندما يتم تجنيسهم بالجنسبة التركية يكونوا فى هذه الحالة أشبه بالمقاتلين الأجانب التابعين لتنظيم (داعش)، الذين لم يتم تحميل الدول التى ينتمون إليها أية مسؤولية قانونية. ولهذه السبب بالذات، تشرع السلطات التركية حالياً فى محاولة توفير غطاء قانونى لتواجد هؤلاء على الأراضى التركية، كأن يتم استقبالهم هناك كعمال او موظفين أجانب، أو حتى تحت غطاء عملهم فى شركات أمنية أو بترولية.
وعلى المستوى اللوجستي، فإنه منذ مساء الأمس وحتى لحظة كتابة هذه السطور، وصل إلى مدينتى مصراتة وطرابلس انطلاقاً من مطار أسطنبول 12 رحلة جوية تحمل على متنها أعداد غير محددة من المقاتلين التركمانيين، روعى فى كل رحلة ان يكون فيها عدد قليل منهم وسط الركاب المدنيين. هذه الرحلات كانت بواقع ثلاث رحلات تابعة للخطوط الليبية بطائرات إيرباص ايه 303-202، وأربع رحلات على متن طائرة من طراز إيرباص إيه 319-112 تابعة لشركة الأجنحة الليبية التى يملكها الأمير السابق للجماعة الليبية المقاتلة عبد الكريم بلحاج، ورحلتين لشركة البراق، ورحلتين للخطوط الأفريقية على متن طائرة من طراز ايرباص ايه 320-214، ورحلة واحدة تابعة لشركة "بترو أير" على متن طائرة من طراز امبراير اى 170 أل أر.
ويضاف إلى ما سبق رحلتين منذ مساء أمس وحتى اليوم إلى مصراتة، تابعتين لشركة Aerotrans المولدوفية، بطائرة شحن من نوع بوينغ 474-412 أف، الأولى انطلاقاً من مطار أوستند.
وأشارت التقديرات الأولية إلى ان الأعداد التى وصلت فعلياً من المقاتلين التركمانيين إلى ليبيا هى ما بين مائة إلى 300 مقاتل. وقد ظهر بالفعل تسجيلين مصورين يظهر بضعة مقاتلين منهم فى ليبيا، وعلى الرغم من النفى الرسمى من جانب حكومة الوفاق لتواجد اى مقاتلين سوريين على أراضيها، إلا أنه بتحليل التسجيلات المصورة اتضح انه تم التقاطها قرب معسكر التكبالى فى محور صلاح الدين جنوبى العاصمة، مما يجعل هؤلاء المقاتلين فى تماس مباشر مع قوات الجيش الليبى فى هذا المحور.
وهذا التسجيل يتقاطع مع معلومات أخرى أفادت بإنه تجرى عمليات تجهيز لشقق سكنية موجودة على الساحل، فى منطقة جنزور الواقعة بين مدينة طرابلس ومدينة الزاوية، بغرض تسكين هؤلاء المقاتلين.
إذا ما نحينا جانباً موضوع ما اذا كان هؤلاء سوريين ام ليبيين، الا ان دلائل بدء عمليات نقل المقاتلين من سوريا إلى ليبيا باتت واضحة بشكل لا يجعل من الموضوعى محاولة نفيه. لكن السؤال المهم هنا هو، هل فى ظل التقدم السريع على الأرض، والتفوق الجوى لقوات الجيش الوطني، هل يمكن لعشرات او حتى مئات المقاتلين السوريين ان يحققوا فارقاً ميدانياً على الأرض؟ الأكيد ان هذا على المستوى العسكرى لن يمثل حتى عامل تأخير لتقدم قوات الجيش الليبي، ولذلك الأنظار تتجه إلى جلسة البرلمان التركى الإستثنائية للتصويت على نص قانون سترسله الرئاسة التركية إلى رئاسة البرلمان غداً، وهو خاص بمنح تفويض للحكومة كى ترسل قوات من الجيش التركى إلى ليبيا.
وميدانياً، نفذت مقاتلات الجيش الوطنى اليوم جولة جديدة من عمليات القصف استهدفت قاعدة معيتيقة الجوية فى العاصمة، وهذه الجولة وما سبقها من جولات ظهر تأثيرها واضحاً ى انعدام أى نشاط جوى من جانب سلاح الجو التابع لحكومة الوفاق، وهو ما جعل هذه الأخيرة تلجأ إلى بث بعض الأنباء الكاذبة، مثل خبر إستهداف مقاتلة رافال مصرية، وسقوطها قرب مدينة رأس لانوف فى الهلال النفطي.
وعلى الأرض، بدأت قوات الجيش الوطنى عمليات لتأمين مكتسباتها الميدانية التى تحصلت عليها خلال اليومين الماضيين، خاصة فى محورى صلاح الدين وطريق المطار، حيث قامت اليوم بتمشيط وتأمين منطقة مشروع الهضبة، والمراصد التابعة لقوات حكومة الوفاق فى منطقة صلاح الدين، ومنها موقع قيادة متقدم كان ضباط من رئاسة الأركان التابعة للحكومة يتواجدون فيها بصفة دائمة لقيادة العمليات فى هذا النطاق، وقد صادرت خلال الساعات الماضية مزيداً من العربات المدرعة تركية الصنع من نوع (ڤوران).
من الأنباء اللافتة فى هذا اليوم، نبأ اغتيال قائد محور العزيزية (مجدى الطبطبش) فى مدينة الزاوية غربى العاصمة، وهو من أهم المقربين من قائد المجلس العسكرى لثوار الزنتان (أسامة الجويلي).