كشفت دراسة أعدها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، الأسباب التى دفعت الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اتخاذ قرار باغتيال قاسم سليمانى، رئيس فليق القدس، قائلة إنه رغم تردد ترامب خلال الشهور الأخيرة في اتخاذ موقف قوي وحاسم تجاه الممارسات والاستفزازات الإيرانية في المنطقة؛ إلا أنه اتخذ يوم الخميس الماضى قرارًا بتوجيه وزارة الدفاع الأمريكية للقيام بعملية عسكرية محدودة لاغتيال "قاسم سليماني"، قائد قوات فيلق القدس الإيراني.
الدراسة أشارت إلى أن هذا القرار ستكون له تداعيات كثيرة، سواء على المستوى الإقليمي أو على مستوى السياسة الأمريكية تجاه المنطقة؛ حيث يُعتبر أكثر القرارات المهمة التي اتّخذها ترامب خلال فترة رئاسته، واستندت حسابات الرئيس "ترامب" في اتخاذ هذا القرار على المحدِّدات المرتبطة بإدراكه وتصوره حول عددٍ من المتغيرات المرتبطة بتاريخ العلاقات الأمريكية الإيرانية، والتهديدات التي تواجه مصالح بلاده في المنطقة، وتأثيرات ضغوط الوضع الداخلي عليه.
ولفتت الدراسة ، إلى أن توقيت قرار الرئيس "ترامب" مرتبط بشكل رئيسي بتطورات الأحداث التي جرت داخل الأراضي العراقية خلال الأيام الستة في الفترة من ديسمبر 2019 إلى 2 يناير 2020 وهو توقيت تنفيذ العملية، فخلال هذه الفترة كان العراق ساحة لتوتر أمريكي إيراني، وبدأ التوتر بين الطرفين بقيام ميليشيات "حزب الله" العراقي بتنفيذ هجوم صاروخي على قاعدة عسكرية أمريكية معسكر K1 تقع في كركوك شمال العراق يوم السبت 28 ديسمبر، أسفر عن مقتل متعاقد أمريكي، وإصابة أربعة عسكريين أمريكيين.
وتابعت الدراسة: أعقب ذلك قيام الولايات المتحدة، يوم الأحد 29 ديسمبر، بتنفيذ ضربات جوية استهدفت خمس قواعد لحزب الله في غرب العراق وشرق سوريا، تضم منشآت قيادة وسيطرة ومخازن أسلحة، وأدت تلك الضربات إلى مقتل خمسة عشر مقاتلًا من مقاتلي الحزب في العراق بينهم شخصية قيادية وآخرون من سوريا، وبلغت ذروة الأحداث بين الجانبين بقيام متظاهرين تابعين لميليشيا "حزب الله" العراقي، يوم الاثنين 31 ديسمبر، باقتحام السفارة الأمريكية في بغداد، وقاموا بإحراق العلم الأمريكي، وتحطيم كاميرات المراقبة، وتكسير البوابات الأمنية في محيط السفارة، وَمَنَعَ تدخل قوات الأمن تطور اقتحام السفارة إلى احتلالها، فيما يشبه تكرارًا لسيناريو احتلال السفارة الأمريكية في طهران يوم 4 نوفمبر 1979 بعد الثورة الإيرانية.
وأوضحت الدراسة أن: "ترامب اتخذ قراره باغتيال "قاسم سليماني" بعد لقاء عقده، يوم الخميس 2 يناير، بمقر إقامته الخاص في منتجع "مارالاغو" بولاية فلوريدا، مع فريق الأمن القومي ومسؤولين أمريكيين، والذين عرضوا عليه خططًا للتعامل مع الموقف بعد حادث اقتحام السفارة في بغداد، فقد أجرى ترامب مشاورات مع "روبرت أورين" مستشار الأمن القومي، و"مايك بومبيو" وزير الخارجية، و"مارك إسبر" وزير الدفاع، و"جينا هاسبل" مديرة وكالة الاستخبارات المركزية، و"ميك مولفاني" القائم بأعمال رئيس طاقم موظفي البيت الأبيض، و"إريك أولاند" مسؤول الاتصال التشريعي للرئيس، وخلال المشاورات عُرِضَتْ على "ترامب" معلومات استخباراتية بشأن عمليات خطط "قاسم سليماني" لتنفيذها ضد المصالح الأمريكية في المنطقة، وتحديدًا في سوريا ولبنان والعراق، يتم خلالها استهداف أهداف ومصالح ومدنيين أمريكيين، وقدمت له بدائل للتعامل مع الموقف من بينها الهجمات على السفن الإيرانية، أو بطاريات الصواريخ، أو الميليشيات الإيرانية في العراق وأحد البدائل التي طُرحت يتعلق بتنفيذ عملية عسكرية لاغتيال "قاسم سليماني".
واستطردت الدراسة: وكانت هناك وجهتا نظر وجهة النظر الأولى تشكك في الأسس المنطقية للقيام بعملية لاغتيال "سليماني"، خاصةً وأن المعلومات الاستخباراتية كانت تشير إلى أن "سليماني" لم يحصل بعد على موافقة المرشد الإيراني على العمليات التي خطط لها ضد المصالح الأمريكية، فقد طلب المرشد حضور "سليماني" لطهران لإجراء المزيد من المناقشات حول الموضوع، وذلك قبل أسبوع من عملية الاغتيال، و وجهة النظر الثانية تؤكد ضرورة القيام بالعملية، لأن عدم القيام برد فعل قوي في مواجهة التصعيد الإيراني قد يُفسَّر بأنه ضعف أمريكي، ودعم وجهة النظر تلك مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية، وفي ضوء ذلك خَلُص "ترامب" إلى تبني وجهة النظر الثانية، واتخاذ القرار بتنفيذ العملية.
ولفتت الدراسة إلى أن المحددات التي دفعت الرئيس "ترامب" لاتخاذ قرار اغتيال "سليماني"، تتمثل في العوامل النفسية والسلوكية، حيث يُعرَف عن الرئيس "ترامب" أنه قائد يتأثر بالمشاهد والصور التلفزيونية، ومن هذا المنطلق أدت الصور التي شاهدها للمتظاهرين من ميليشيات "حزب الله" العراقي وهم يقتحمون السفارة الأمريكية في بغداد، إلى ترسيخ قناعة شخصية لديه بأن سيناريو اقتحام السفارة الأمريكية في طهران عام 1979 يمكن أن يتكرر مرة أخرى. فقد أدت العوامل النفسية ومدركات "ترامب" لتاريخ هذه الحادثة التي تعد لحظة مفصلية في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، لأن يتحرك لمنع تكرار هذا السيناريو، والقضاء على "سليماني" باعتباره الشخص الذي يقود الأحداث من وراء الستار داخل الأراضي العراقية.
واشارت الدراسة إلى أن الجانب الثانى تمثل فى تجاوز إيران خطوط "ترامب" الحمراء، حيث إنه رغم كافة الاستفزازات التي قام بها الحرس الثوري الإيراني بعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتصنيفه منظمةً إرهابية في أبريل عام 2019، وتحديدًا قيامه بالاعتداء على ناقلات النفط والمنشآت النفطية في المنطقة؛ إلا أن الرئيس "ترامب" لم يتخذ قرارًا بموقف قوي أو حاسم للرد على الاستفزازات الإيرانية، بل إنه عطل في اللحظات الأخيرة أية خطط للقيام بعمل عسكري ضد أهداف إيرانية بعد الهجمات على منشآت النفط في بقيق وهجرة خريص بالسعودية يوم 18 سبتمبر.
وتابعت الدراسة: يعود عدم قيام "ترامب" بأي تحرك قوي، إلى أنه أعلن في السابق أنه لن يتحرك إلا إذا تعرضت حياة الأمريكيين للخطر، ومن ثم فإن الاعتداء على "معسكرK1 " في كركوك ومقتل متعاقد أمريكي وإصابة جنود أمريكيين، مثّل بداية التحدي لـ"ترامب"، فالرئيس الذي أكد أنه سيتحرك إذا تم الهجوم على أهداف أو مواطنين أمريكيين، اعتبر أن ما حدث في كركوك وبغداد تطور لا يمكن التغاضي عنه.
وأوضحت الدراسة أن الجانب الثالث يتمثل فى تحرك استباقيّ لإحباط عمليات خطط لها "سليماني" ضد المصالح الأمريكية، فبعد تنفيذ عملية اغتيال "قاسم سليماني"، تصاعدت الانتقادات داخل الدوائر الأمريكية ضد قرار الرئيس "ترامب"، سواء من مرشحي الرئاسة الديمقراطيين، أو الأعضاء البارزين في الكونجرس من الديمقراطيين أيضًا، أو من وسائل إعلام ومراكز فكر أمريكية مؤثرة. وركزت تلك الانتقادات على أن "قاسم سليماني" ربما هو المسؤول عن موت الآلاف من الأبرياء في المنطقة، وربما يستحق مصيره، لكن اغتياله قد يفتح الباب أمام تهديدات خطيرة للأمن القومي الأمريكي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة