أكد البنك الدولى أن بلدان جنوب الصحراء الأفريقية منيت بخسائر فادحة جراء وباء فيروس كورونا المستجد، قُدرت بنحو 115 مليار دولار، ما ألقى بتلك المنطقة في هوة ركود اقتصادى إذ انكمشت اقتصاداتها بنسبة قدرت بسالب 3.3%، بعد أن كانت تلك المنطقة من بين أكثر أقاليم العالم نموا خلال العقدين الأخيرين، فيما توقع تصاعد أعداد الفقراء في المنطقة بأكثر من 40 مليون إنسان سيسقطون في دوامة الفقر المدقع بنهاية العام 2020.
وذكر البنك الدولي، في أحدث تحليلاته أصدرها اليوم الأحد، أن وباء كورونا، الذي أصاب أكثر من مليون شخص في قارة أفريقيا، لايزال خارج السيطرة في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية، مشيراً إلى أنه رغم مسارعة بعض حكومات تلك المنطقة، مثل السنغال وموريشيوس، باتخاذ تدابير احترازية وسياسات إغلاق صارمة للحيلولة دون تفشي الوباء وانتشار حالات الإصابة، فإن نجاح تلك المحاولات والإجراءات جاء بكلفة اقتصادية باهظة تكبدتها هذه الدول، مثلما حدث في دول كثيرة في أنحاء العالم.
ويقول كبير خبراء الاقتصاد لقسم أقاليم قارة أفريقيا في البنك الدولي ألبرت زيوفاك: إن "الطريق نحو التعافي قد يكون طويلا، وقد يكون صعبا، بيد أن انتقاء السياسات العملية والاستثمارات التي تتعاطى مع تحديات خلق مزيد من الوظائف المناسبة والشاملة، سيُعبد الطريق أمام تحقيق انتعاش أسرع وأقوى وأشمل للبلدان الأفريقية".
وبرهن التقرير على الأضرار الاقتصادية التي منيت بها منطقة جنوب الصحراء الأفريقية، مستعرضا ما حدث لنيجيريا التي انكمش ناتجها المحلي الإجمالي الحقيقي المحتسب على أساس سنوي بنسبة 1ر6% خلال الربع الثاني من العام الجاري 2020، وهي أسوأ نتيجة يسجلها الاقتصاد النيجيري منذ أكثر من 10 سنوات.
وكان الأمر أكثر فداحة بالنسبة لدولة جنوب أفريقيا، التي انتهجت معايير إغلاق وتدابير احترازية صارمة، إذ انكمش ناتجها المحلي الإجمالي الحقيقي على أساس سنوي بنسبة 17,1% خلال الربع الثاني من عام 2020.. وفي أنجولا، ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في المنطقة بعد نيجيريا، كان الأمر أخف وطأة إذ انكمش اقتصادها بنسبة 1,8% على أساس سنوي خلال الربع الأول من العام الجاري.
ويرصد التقرير تأثر الدول المصدرة للمعادن بصورة أكبر من غيرها، حيث يتوقع أن تنكمش نواتجها المحلية الإجمالية بنسبة 6%، وهو ما يعزى جزئيا للخسائر الكبيرة التي مني بها الإنتاج في دولة جنوب أفريقيا.
وفي مجموعة الدول المنتجة للنفط في المنطقة، وبعد أن تنامت اقتصاداتها بنسبة 1,5% في عام 2019، فإن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من المتوقع انكماشه بنسبة تربو على 4% في عام 2020 في ضوء التراجع الذي أصيبت به أنجولا ونيجيريا.
وعلى النقيض، فإن التراجع والانكماش المتوقع سيكون متوسطاً في بلدان جنوب الصحراء، التي لا تعتمد بكثافة على الموارد الطبيعية، فالعديد من تلك الدول، بما فيها كوت ديفوار وإثيوبيا وكينيا، يتوقع أن يتباطأ نموها بصورة مشهودة، غير أنها ستبقى في منطقة النمو الإيجابي دون الانزلاق إلى الانكماش نتيجة لتنوع اقتصاداتها.
أما بالنسبة للاقتصادات المعتمدة على السياحة، ولاسيما كاب فيردي وموريشيوس وسيشيل، فقد سجلت انكماشاً حاداً متأثرة بالوهن الاستثنائي الذي منيت به أسواق السياحة العالمية جراء وباء كورونا، الذي أضر بقطاعات الخدمات بصورة صارخة.
ويكشف البنك الدولي النقاب عن تقديراته للخسائر المتوقعة للأنشطة الاقتصادية في دول جنوب الصحراء الأفريقية، مبيناً أنها تقدر بنحو 115 مليار دولار في صورة خسائر في الإنتاج خلال العام الجاري، فيما يتوقع انكماش نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في تلك المنطقة بما يقرب من 6%، وهو ما أرجعه خبراء البنك إلى الانخفاض في الاستهلاك والاستثمار المحليين الناجم بسبب تبني إجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي أملا في إبطاء تفشي وباء كورونا.
ومن جانبه، قال نائب رئيس البنك الدولي لمنطقتي شرق وجنوب أفريقيا حافظ غانم "رغم أن الوباء لم ينته بعد كما أن تفشي الوباء أو انحساره ليس من الأمور المؤكدة، فإن الحكومات الأفريقية شرعت في اتخاذ سياسات ووضع برامج لدعم تعاف اقتصادي مستدام وشامل في مرحلة ما بعد الوباء، على أمل خلق وظائف تسرع من وتيرة التحول الاقتصادي وتقلل من الأثر الاقتصادي للوباء، وبناء القدرات المطلوبة للتأكيد على حدوث نمو اقتصادي شامل في المستقبل".
وتطرق إلى المتطلبات التي يتعين على الدول الالتفات إليها خلال المرحلة الراهنة والمقبلة، داعياً إلى ضرورة ضخ استثمارات في أرجاء القارة، علاوة على توفير الدعم المالي الكافي من المجتمع الدولي، موصياً بضرورة تبني أجندة إصلاح جريئة تتضمن سياسات للإصلاح النقدي إلى جانب السياسات التي تسرع من خلق الوظائف.
وأشار إلى أن العديد من الدول، كجنوب أفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا، شرعت فعلياً تحت وطأة الأزمة الراهنة في تنفيذ إصلاحات طال انتظارها في قطاعي الطاقة والاتصالات، كما بادرت شريحة نسبتها 25% من الشركات الأفريقية في الإسراع من استخدام التكنولوجيا الرقمية وزيادة استثماراتها في الحلول الرقمية.
وبحلول منتصف سبتمبر الماضي، حسبما يقول التقرير، طبقت 46 دولة في منطقة جنوب الصحراء 166 معيارا وبرنامجا للحماية الاجتماعية؛ كانت نسبة 84% من تلك المعايير في صورة مساعدات اجتماعية، إذ برهنت برامج الحماية الاجتماعية أنها تعد أداة فعالة وحيوية للتقليل من الأثر الاجتماعي للوباء.
وبالنسبة للاقتصادات في غرب القارة ووسطها، قال نائب رئيس البنك الدولي لتلك المنطقة عثماني دياجانا "مع استمرار الضغوط الثقيلة التي ألقاها وباء كورونا على اقتصادات غرب القارة ووسطها، فإنه من المهم لصانعي القرار خلق بنية تحتية لازمة لإحداث التعافي السريع، فالسياسات القوية هي حجر الزاوية الرئيسي لحدوث تعاف مستدام وشامل، ويسهم في تحسين القدرة على الصمود في وجه الصدمات".
وقد تبنت مجموعة البنك الدولي، التي تعد من أكبر مصادر التمويل والمعرفة للبلدان النامية، إجراءات سريعة لمساعدة الدول النامية على تقوية قدرتها الاستجابة للوباء من خلال تقديم الدعم للقطاع الصحي العام، والعمل على ضمان توفير الإمدادات والمعدات الصحية والطبية اللازمة، ومساعدة القطاع الخاص على مواصلة أنشطته، وتدعيم التشغيل والوظائف.
وقال البنك الدولي إن "حجم ما وفره من دعم مالي خلال الأشهر الـ15 سيربو على 160 مليار دولار، تخصص لدعم أكثر من 100 دولة في جهودها لحماية الفقراء والمهمشين ودعم الشركات وتعزيز سياسات التعافي الاقتصادي"، لافتا إلى أن تلك المبالغ تضمنت 50 مليارا من موارد مساعدات دولية في صورة منح وقروض ميسرة للغاية.