تمر اليوم ذكرى ثورة القاهرة الأولى التى اندلعت يوم 20 أكتوبر من عام 1798 بما يعنى أن الجنرال الفرنسى لم يفهم روح الشعب المصرى.
لقد كان المصريون فى بداية الحملة الفرنسية مصدقين لكلام نابليون بونابرت، ومعتقدين أن زمنهم سيختلف عما كان عليه زمن المماليك، لكن رجال الحملة راحوا يفرضون الضرائب وينهبون الناس يفتشون المنازل ويرتكبون الحماقات، وهم ما لم يقبله الشعب المصرى خاصة بعض رجال الأزهر، فخرجوا منددين بالحملة.
وقد كان رد نابليون قاسيا تماما، فضرب القاهرة بـ المدافع وهدم أحياءها، وقبض على الرجال ونفذ في بعضهم حكم الإعدام، وكان منهم الشيخ سليمان الجوسقى، شيخ العميان.
وكان سليمان الجوسقى رجلا أعمى قال عنه الجبرتى فى عجائب الآثار، الجزء الثانى، صفحة 278،" ومات العمدة الشهير الشيخ سليمان الجوسقى شيخ طائفة العميان بزاويتهم المعروفة الآن بالشنوانى، تولى شيخا على العميان المذكورين بعد وفاة الشيخ الشبراوى، وسار فيهم بشهامة وصرامة وجبروت وجمع بجاههم أموالا عظيمة وعقارات فكان يشترى غلال المستحقين المعطلة بالأبعاد بدون الطفيف ويخرج كشوفاتها وتحاويلها على الملتزمين ويطالبهم بها كيلا وعينا ومن عصى عليه أرسل إليه الجيوش الكثيرة من العميان فلا يجد بدا من الدفع، وإن كانت غلاله معطلة صالحة بما أحب من الثمن، وله أعوان يرسلهم إلى الملتزمين بالجهة القبلية يأتون إليه بالسفن المشحونة بالغلال والمعاوضات من السمن والعسل والسكر والزيت وغير ذلك ويبيعها فى سنى الغلوات بالسواحل والرقع بأقصى القيمة ويطحن منها على طواحينه دقيقا ويبيع خلاصته فى البطط بحارة اليهود ويعجن نخالته خبزا لفقراء العميان يتقوتون به مع ما يجمعونه من الشحاذة فى طوافهم آناء الليل وأطراف النهار بالأسواق والأزقة وتغنيهم بالمدائح الخرافات وقراءة القرآن فى البيوت ومساطب الشوارع وغير ذلك ومن مات منهم ورثة الشيخ المترجم المذكور وأحرز لنفسه ما جمعه ذلك الميت وفيهم من وجد له الموجود العظيم ولا يجد له معارضا فى ذلك".
بينما يقول عنه كتاب المقاومة الحضارية: دراسة فى عوامل البعث فى قرون الانحدار "كان شيخا لطائفة العميان، وقد أحسن تنظيم العميان وتفانى فى خدمتهم ورعايتهم واستخلاص حقوقهم، وتفنن فى وسائل توفير الموارد لكفايتهم حتى صار للعميان فى عهده صولة بحيث يخشى منهم ولم يقتصر عطاء الشيخ على طائفة العميان، بل كان يقرض أكابر البلاد الأموال الكثيرة".
وعندما قامت الثورة ضد الفرنسيين، عرف نابليون أن الشيخ الجوسقى ورجاله العميان من صناع هذه الثورة، لذا أمر نابليون بالقبض عليه، وحاول استمالة الشيخ، قدم له العديد من العروض التى رفضها وقابلها بالاستهزاء، إلى أن قدم له العرض الأكبر، وهو أن يجعله سلطانا على مصر، فأظهر الشيخ قبولا للعرض، ومد نابليون يده إليه متنفسا الصعداء، ومد الشيخ يده اليمنى مصافحا إياه، وكانت المفاجأة أن رفع يده اليسرى ليصفع الأوروبى العظيم صفعة قوية على وجهه، وسجل الأديب الكبير على أحمد باكثير هذا الموقف فى مسرحيته "الدودة والثعبان"، وأورد على لسان هذا البطل قوله: " معذرة يا بونابرته هذه ليست يدى .. هذه يد الشعب"، فجن جنون نابليون وأمر بقتل الرجل وإلقاء جثته فى النيل.
تم اقتياده بواسطة عساكر الفرنسيين الى سجن القلعة لاستجوابه ومحاكمته وإعدامه، ورغم إدانته لم يتم إعدامه مع قادة الثورة الذين أعدمهم الفرنسيون لكونه كفيفاً وظل فى السجن عدة شهور حتى لقى ربه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة