بات اختراق الحسابات الخاصة والبريد الإلكتروني علي مواقع التواصل الاجتماعي للناس ظاهرة شائعة يلجأ إليها أشخاص خربي الذمة معتلي الضمير لتحقيق مآرب غير مشروعة أهمها الابتزاز أو إيذاء أصحاب الحسابات ببث أمور تؤدي إلي ازدراء الناس لهم واحتقارهم وهو ما يطلق عليه اصطلاحا "الهكر" ولم تنجوا الحسابات أي كان نوعها من الاختراق سواء انستغرام أو توتر أو فيس بوك.
الطرق الشائعة لاختراق حسابات فيس بوك
ومن الطرق الشائعة لاختراق "الفيس بوك" الولوج لموقع - tempmail - ثم يكتب فيه اسم الضحية صاحب الحساب المطلوب اختراقه مثل - nona - ثم حفظه ثم نسخ الميل الذي تم إنشائه ثم نسخه والتوجه به إلى "الفيس بوك" ثم الضغط على نسيان كلمة السر ثم وضع الايميل المنسوخ، وبالتالي أن كان هذا الايميل مربوط بحساب فى "الفيس بوك"، سيظهر لك اسم صاحب الحساب وإن لم يكن مربوط بحساب، فيقوم الجاني بتجربة أسماء أخرى علي وزن اسم صاحب الحساب حتي يجد الايميل مربوط بحساب فى "الفيس بوك".
ثم يضغط علي هذا الايميل لإرسال رمز التأكيد ثم يقوم بتغيير الرقم السري ويضغط متابعة، ثم يعود الجاني لموقع - tempmail - مرة أخرى ويقوم بالضغط على كلمة تحديث أو – refrech - حتي يجد الفيسبوك أرسل رمز التأكيد فى رسالة تأخذه ثم يضعها في خانة التأكيد فى الفيسبوك ويقوم بتغيير الرقم السري للحساب، وبذلك تغل يد صاحب الحساب عنه ويسيطر الجاني عليه ويتحكم فيه، ومن وسائل الاختراق التي كشف عنها العلم كذلك استخدام شبكة - واي فاي – مزيفة عبر بعض التطبيقات كتطبيق Wi-Fi Pumpkin وما أن يقوم المستخدم بالاتصال مع هذه الشبكة، فيتم أخذ معلومات التسجيل الخاصة بالشخص المُراد اختراق حسابه وتسمى هذه الطريقة للاختراق باللغة الإنجليزية Man in the Middle Attack.
مدى خطورة اختراق الحسابات الشخصية على حرية الأشخاص
فى التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية تهم ملايين المستخدمين تتمثل فى اختراق الحسابات الخاصة علي مواقع التواصل الاجتماعي، فلا شك في خطورة هذا الاختراق إذ أنه متي أنشأ الشخص حساب خاص أو بريد إلكتروني علي مواقع التواصل الاجتماعي صار وحده صاحب الحق والسيطرة عليه واستخدامه يبث فيه ما يشاء، ويتراسل من خلاله مع من يشاء دون حرج أو خوف من الاختراق أو التعطيل أو الإتلاف، ولهذا كان الاعتداء على البريد الإلكتروني والحسابات الخاصة ينال من حرمة الحياة الخاصة وحق الملكية المعنوية – بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
هذا الاعتداء ينال من حرية الاتصال عبر وسائل التواصل الاجتماعي المكفولة بمقتض المادة 57 من دستور 2014 التي نصت علي أن للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس، وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين فى استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها بشكل تعسفي وينظم القانون ذلك، هذا وكان قد أثير جدلا فقهيا صاخبا حول العقاب على اختراق الحساب الخاصة والبريد الإلكتروني علي مواقع التواصل الاجتماعي وكان موطن الخلاف عدم وجود نصوص صريحة تجرم هذا الاختراق وتعاقب عليه وعملا بمبدأ الشرعية الجنائية لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص يجرم الفعل ويرصد له العقاب – وفقا لـ"فاروق".
بعض المحاكم الفرنسية أقرت عدم خطورة اختراق الحسابات الشخصية
ولكن نظرا لخطورة فعل الاختراق واعتدائه علي حق الفرد في الخصوصية ومساسه بملكيته للحساب الخاص الذي خلقه من العدم، ليكون سكنا لنفسه يبث فيه أفكاره ويعبر عما يجول بخاطره، لجأ بعض الفقهاء إلي تطبيق نصوص السرقة علي هذا الاختراق بدعوي أنه لا يعدوا أن يكون اختلاس للموقع الخاص - وهذا ما ذهبت إليه بعض المحاكم الفرنسية - ولكن انتقد هذا الاتجاه علي أساس أن الحساب الخاص عبارة عن نبضات اليكترونية، وليس منقول مادي يمكن حيازته حال أن السرقة لا ترد إلا علي منقول مادي يمكن حيازته والاستيلاء عليه، فضلا عن أن السرقة يجب لتحققها توافر نية التملك ومن يخترق الحساب الخاص تكون له مأرب أخري غير التملك كتعطيل الحساب أو التلصص علي ما به من معلومات أو صور أو بيانات.. الخ فلا تتحقق السرقة - وهذا ما اتجه إليه بعض أحكام المحاكم الفرنسية - وإزاء هذا الاضطراب تدخل المشرع الفرنسى وجرم الاختراق والتعطيل للحسابات الخاصة علي شبكة التواصل الاجتماعى بنصوص صريحة – الكلام لـ"الأمير".
وصول الخلاف حول تجريم الاختراق من فرنسا لمصر
ولقد انتقل الخلاف السابق إلي مصر وترنحت الآراء بشأنه ما بين الإباحة والتأثيم حتي تدخل المشرع في عام 2018 وأصدر القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات أسوة بالمشرع الفرنسي، ولقد أضفي هذا القانون ولأول مرة الشرعية علي إنشاء الحسابات الخاصة والبريد الإلكتروني للإفراد علي شبكه الإنترنت - المادة الأولي من القانون - مشيرا إلي أن هذا الإنشاء أحد مظاهر الحق في الحياة الخاصة، أو بالأحري حق الخصوصية - المادة الأولي فقرة ثالثا - ومجرما كل اعتداء علي اختراق الحساب الخاص لآحاد الناس أو تعطيله بعقوبة الحبس الذي لا يقل عن شهر أو غرامة لا تقل عن 50 ألف جنية ولا تجاوز 100 ألف جنية أو بأحدي هاتين العقوبتين، فإذا وقعت الجريمة على بريد إلكتروني أو موقع أو حساب خاص بأحد الأشخاص الاعتبارية الخاصة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تجاوز 200 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين طبقا للمادة 18.
ولكن يلاحظ أنه إذا كان الحساب الخاص محظور الدخول علية أضحت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة، فإن نتج عن الدخول إتلاف أو نسخ أو تغيير أو محو أو إعادة نشر للبيانات أو المعلومات الموجودة علي الحساب أو الموقع كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين، وذلك طبقا للمادة 14 من ذات القانون وهي جريمة أخري، إذ يلاحظ أن المشرع فرق بين اختراق الحساب الخاص بآحاد الناس وبين الدخول علي حساب خاص محظور الولوج إليه فشدد العقوبة عند الدخول علي الحسابات المحظورة عن مجرد اختراق الحساب الخاص، ولكن لا يبين مقصود المشرع من الدخول إلي الحسابات الخاصة المحظورة والتي يتشدد العقاب عند تحققه إذ المفروض أن الدخول إلي أي حساب خاص محظور فلفظ محظور ورد في النص مجمل ومبهم.
الفرق بين جريمتى اختراق الحساب والتعدى على البيانات
وبالتالي اضحا التفرقة بين جريمة الدخول إلي الحسابات الخاصة المحظورة وجريمة اختراقها من الصعوبة بمكان ويمكن أن يثير الجدل والخلاف، ويلحظ ثانيا أن جريمة اختراق الحسابات الخاصة تختلف عن جريمة الاعتداء علي سلامة البيانات والمعلومات الاليكترونية المجرمة بموجب المادة 17 من ذات القانون، إذ محل الجريمة الأخيرة بيانات ومعلومات إليكترونية، أما محل الجريمة التي نحن بصددها هو فحسب البريد الالكتروني أو الحساب دون المساس بالبيانات والمعلومات الواردة إليه أو الصادرة منه أو المخزنة فيه، بحيث أن تناول الاعتداء تلك المعلومات والبيانات ارتكب الجاني الجريمة المنصوص عليها في المادة 17 بالإضافة إلي الجريمة محل البحث والمجرمة بالمادة 18 وقعت عقوبة الجريمة الأولي بحسبانها الأشد.
وجريمة اختراق الحسابات الخاصة قد تكون من جرائم الخطر أو الضرر إذ تعد من جرائم الخطر متي تحققت في صورة الدخول، فحسب إلي الحساب إذ يكفي لتحققها عندئذا مجرد الولوج إلي الحساب ولو لم يلحق صاحب الحساب اي ضرر، وبغض النظر عن الباعث علي الاختراق، فالجريمة تتحق بمجرد الاختراق ولا ترتهن بباعث الجاني من الاختراق، إذ قد يكون التجسس أو إعادة نشر أو بث أو تعطيل أو إتلاف أو تبطيئ الحساب، ولكن أن أعقب الدخول إتلاف للحساب أو تعطيه أو تبطيئه أضحت من جرائم الحدث الضار، وهي من الجرائم ذات القلب الحر التي يتحدد فيها السلوك بأثره وليس بشكله فأي سلوك أو وسيله من شأنها تحقق النتيجة المتمثلة في الدخول إلي الحساب أو تعطيله أو إتلافه أو ابطأه كاف لتحقق الجريمة.
وجريمة اختراق الحسابات الخاصة من جرائم الخطر أو الضرر
وتنهض الجريمة علي ركن مادي وآخر معنوي أما الركن المادي فهو سلوك مادي ذو مضمون نفسي من شأنه أحداث إتلاف للحساب أو البريد الإلكتروني أو تعطيله أو ابطأه أو سلوك مادي بحت يتمثل في مجرد الولوج الي الحساب، ويستوي أن يكون البريد الإلكتروني أو الحساب متعلق بشخص طبيعي أو اعتباري ولكن يلزم في الشخص الاعتباري أن يكون خاصا كشركه خاصة أو جمعية أو نادي، أما إذا كان البريد أو الحساب متعلق بشخص اعتباري عام كوزارة أو هيئة عامه لا تتحق تلك الجريمة بل جريمة أخري، غاية الأمر أنه متي تم اختراق حساب شخص اعتباري خاص رفع الحد الأدنى لعقوبة الحبس من شهر إلي 6 أشهر.
ويلزم أن يتم الاعتداء بدون وجه حق أي دون رضا صاحب الحساب أو البريد أو ترخيص القانون كأذن جهة التحقيق المختصة، أما الركن المعنوي فيتخذ صوره القصد الجنائي بأن تتجه إرادة الجاني إلي اختراق البريد الإلكتروني أو الحساب الخاص أو إتلاف الحساب أو البريد أو تعطيله أو ابطأه مع علمه أن ذلك يتم دون حق، فان أعوزه العلم لم يقم القصد كما لو حدث الإتلاف أو الاختراق بإهمال إذ بالعلم وليس الإهمال تتحق الجريمة، هذا ولقد نص القانون علي سريان أحكامه علي جريمة اختراق الحسابات الخاصة والتي ترتكب في خارج البلاد متي كان من شأن الجريمة الأضرار بأمن المواطن أو أحد المقيمين علي أراضيها طبقا للمادة 3/3 أو إذا كان المجني عليه مصريا طبقا للمادة 1/3 وحالات أخري كثيرة بينها، وذلك استثناء من مبدأ إقليمية قانون العقوبات.