يستمر تحذير الهيئة العامة للأرصاد الجوية من حالة عدم الاستقرار للطقس التى بدأت من يوم الثلاثاء الماضى، وتستمر حتى الأحد المقبل، وأكدت الأرصاد أن بداية من الخميس 22 أكتوبر إلى الأحد 25 أكتوبر تكون الأمطار متوسطة إلى غزيرة ورعدية أحيانا على مناطق من السواحل الشمالية.
وكان الطقس والتغيرات المناخية قديما سببا فى انهيار الحضارات القديمة، والتى ازدهرت فى الأساس على الزراعة وهطول الأمطار، لكن بسبب الجفاف والتصحر، اختفت بعض الحضارات العظيمة التى لا يزال بعضا من آثارها الرائعة باقية إلى اليوم.
مصر القديمة
"خلال فترة امتدت من أربعين إلى خمسين سنة، وبحلول نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الثانى عشر قبل الميلاد، تدمرت تقريبا كل المدن ذات الأهمية الجوهرية فى منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، ولم يتم إعمار معظم تلك المدن بعد ذلك.
وبحسب دراسة أعدها المؤرخ روبرت دريويس، في الفصل الأول من كتابه "نهاية العصر البرونزي"، كان كهنة مصر على علم سابق بأن هناك خطرا يقترب، ربما لأنهم قد طوروا منظومة معرفية صلبة تعمل على فهم ارتفاعات وانخفاضات منسوب مياه النيل وتتوقع المستقبل من خلالها، فى تلك الفترة قرر رمسيس الثانى، فرعون مصر الثالث من حكام الأسرة التاسعة عشرة، أن ينتج ويجمع من الحبوب والغذاء والمياه أكبر قدر ممكن ويقوم بتخزينها كى يتجهز للجفاف القادم، شهدت مصر فى تلك الفترة نشاطا غير مسبوق فى زراعة الحبوب، حتّى إنهم قاموا بتهجين أنواع من الأبقار، وبقية الحيوانات المستأنسة، أكثر تحملا للجفاف، ثم جاء الزائر المنتظر، وصدقت التنبؤات، حضر الجفاف.
تقول الدراسة إن الفراعنة فقط، فى تلك الفترة الأخيرة من العصر البرونزي، هم من تجهزوا للجفاف القادم، بينما ضربت المجاعات المناطق المجاورة لمصر بلا رحمة، كانت مصر فى أمان نسبي، وعملت الإدارة الحاكمة وقتها على تقوية حدودها خشية أى هجوم قريب، وساعدت بعض الجيران فى الشمال، والذين كانوا يوما ما من الأعداء (الحيثيين)، بعد استغاثات عدة، ربما لأن الإدارة فى مصر خشيت من أن يحيل الجفاف عليهم جيوش الجيران فى هجوم عظيم بسبب انتشار الجوع والفقر، لكن مصر للأسف لم تتمكن من الاستمرار لفترة طويلة، فقد كان الجفاف أقوى وأكثر طولا من قدراتها، تصدعت المملكة فى مصر، وانهار العصر البرونزى كاملا.
الآشورية
توصلت دراسة حديثة إلى أن ازدهار وانهيار الإمبراطورية الأشورية التى ظهرت فى سنة 912 قبل الميلاد فى بلاد ما بين النهرين، كان بسبب التقلبات المناخية، وامتدت الحضارة الآشورية من البحر الأبيض المتوسط فى الغرب إلى الخليج وغرب إيران فى الشرق، حيث سيطرت على الشرق الأدنى لمدة 300 عام.
وبحسب ما نشرته جريدة "جارديان" البريطانية، يقول العلماء إن التقلبات فى ثروات الإمبراطورية، تزامنت مع تحول دراماتيكى فى مناخها من الرطب إلى الجاف، وهو تغيير مهم فى الإمبراطورية التى تعتمد على المحاصيل.
وكتب العلماء فى دراسة: "إن نحو قرنين من هطول الأمطار وارتفاع المحاصيل الزراعية، شجعا التحضر عالى الكثافة والتوسع الإمبراطورى الذى لم يكن مستداما عندما تحول المناخ إلى ظروف الجفاف الشديد خلال القرن السابع قبل الميلاد".
وبعبارة أخرى، بينما لعبت الحرب الأهلية والتوسع المفرط والهزيمة العسكرية دورا فى انهيار الإمبراطورية، فمن الممكن أن يكون الدافع الأساسى لحدوث ذلك، هو انحسار المحاصيل التى أدت إلى الانهيار الاقتصادى وتفاقم الاضطرابات السياسية والصراعات.
المايا
فى إطار بحث الآثار المحتملة لتغير المناخ على المجتمع المعاصر اقترحت إحدى الدراسات النظر إلى الوراء حين اندثرت حضارة المايا القديمة بسبب المجاعة والحرب والانهيار مع تغير الطقس من طقس رطب طويل الأمد إلى جفاف.
جمع فريق دولى من الباحثين سجلات الطقس التى ترصد 2000 عام من الطقس الرطب والجاف فيما يعرف الآن ببليز، حيث كانت توجد مدن المايا من عام 300 إلى عام 1000 ميلادى، ودرس الفريق بيانات محفوظة فى الرواسب الكلسية وهى الرواسب المعدنية الهابطة المتخلفة من المياه المتساقطة من أسقف الكهف وآثار المايا القديمة ونشروا دراستهم فى دورية العلوم أمس الخميس.
وعلى خلاف نمط ارتفاع درجة حرارة الأرض السائد حاليا نتيجة أنشطة الإنسان ومنها الانبعاثات الغازية التى تسبب ما يعرف باسم ظاهرة البيوت الزجاجية أو الاحتباس الحرارى كان التغير الذى حدث فى مناخ أمريكا الوسطى خلال انهيار حضارة المايا هو نتاج نمط طقسى طبيعى هائل ومتقلب.
ويقول دوجلاس كينيت أستاذ علم الإنسان بجامعة "بن" إنه حين تبدلت هذه الفترة المطيرة وحل محلها طقس جاف عام 660 تقريبا بدأت سلطة الملوك ونفوذهم تنهار وتزامن ذلك مع زيادة فى الحروب على الموارد الشحيحة.
وجاء انهيار ملوك المايا نحو عام 900م حين قوض حلول الجفاف لفترات طويلة من سلطتهم. لكن سكان المايا ظلوا لقرن آخر من الزمان تقريبا حين أجبر جفاف شديد دام من عام 1000 إلى عام 1100 المايا إلى النزوح من مراكزهم السكانية الكبرى.