عبد الله شلقم: من قتل الأستاذ الفرنسى؟
قال الكاتب فى مقاله المنشور بصحيفة الشرق الأوسط: "لا يتوقف دخان الانفجارات الإعلامية عن الارتفاع من فرنسا حول الإسلام والعنف الإسلاموي كما تسميه الأصوات الرسمية والإعلامية الفرنسية. قال الأولون: «الإنسان يلوم ويعذر». لقد شهدت فرنسا في السنوات الماضية أحداث عنف مروعة راح ضحيتها أفراد وجماعات، نُسبت إلى من أطلق عليهم صفة «الإسلامويين»، بمعنى أنهم ينتسبون إلى دين الإسلام ولكن بمواصفات خاصة، وهي التطرف والعنف الإرهابي المبني على كراهية الآخر وإباحة دمه.
ما شهده العالم من تلك الأعمال الدامية، هز الجميع - بمن فيهم المسلمون - في مشارق الأرض ومغاربها. وجود جالية إسلامية كبيرة في فرنسا جعل منها ظاهرة اجتماعية خاصة في القارة الأوروبية. هذه الجالية تتكون من تركيبات مختلفة، من بينهم العامل البسيط، والفقير شبه المعدم، والأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة، ولكن كثيرين منهم تفوقوا في مجال العمل العام، وبينهم من حقق ثروة كبيرة. وهناك المفكرون المسلمون الذين درسوا في الجامعات الفرنسية ودرّسوا بها. المثقفون الفرنسيون يعرفون محمد أركون المفكر الجزائري المسلم، وقبله مالك بن نبي، والدكتور الفيلسوف المصري عبد الرحمن بدوي، وغيرهم كُثر أثروا المكتبة الفرنسية بكتب عن الحضارة العربية والفكر والتاريخ الإسلامي.
اختزال الوجود العربي والإسلامي بفرنسا في جماعة طالها التهميش والتقوقع في حارات شبه مغلقة، به كثير من التبسيط؛ بل التسطيح.
بلا شك، هناك مشكلة اجتماعية في فرنسا مثلما توجد مثيلاتها في بلدان عدة يعيش فيها سكان تختلف أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم، ولكنهم تمكنوا من ترسيخ قواعد التعايش والاندماج في كيان تحميه الدولة على قاعدة المواطنة التي تسوِّي بين الجميع في الحقوق والواجبات. عاشت أوروبا نفسها ردحاً من الزمن حروباً بين البروتستانت والكاثوليك؛ لكن مأسسة الدولة الوطنية خلقت إنساناً جديداً بعقل وسلوك حضاري، عبأ فيه جميع الناس قدراتهم للعلم والإنتاج والإبداع.
على أبو الريش
على أبو الريش: تربص
قال الكاتب فى مقاله المنشور بصحيفة الاتحاد الإماراتية: "تشعر بالرجفة عندما تشعر بأن عيناً ما تتربص بك، وتحفر لك لكي تقع. الآن وفي ظروف الجائحة هناك ما هو مخلب، يشمر عن عدوانية بغيضة، ويتربص بالطفل الصغير كما يتقصى أنفاس الكهل، ما يجعل الخروج من المنزل، كما الوقوع من فوق مبنى شاهق، إنها المجازفة المؤلمة، إنها القفزة من فرق حبال زلقة، إنها ورطة القلب وهو يدفعك لأن تغادر مكانك، وتذهب إلى حيث تنفتح آفاق، وتتسع أحداق، ويلتقي عشاق، وتزدهر الأشواق، ولكن كيف يحدث هذا والفضاء مدلهم بسعار وباء أشبه بالضواري بل وأنكأ وأشرس.
كن حصاة الصبر، بل كن الصبر، وتأزر بدماثة العقول الرزينة، وضع ظهرك على أريكة المخمل، وتوارى خلف جدران، وأشجان، وانتمِ إلى عزلتك، إنها أكثر ضياء من أماكن تبدو في واقعها مثل الصور المقلوبة، مثل احتمالين في آن واحد، الموت أم الحياة، وطالما أنت في المجهول عليك أن تختار طريقك، وعليك أن تلبس القميص الذي تريد، المهم أن تنجو من القلق، نعم القلق، ففي حقيقة الأمر، فالوباء قد زال أو لنقل ضعف إلى حد ما، ولكن ما بقي عالقاً في قماشة الذاكرة هو الأخطر، هو ذلك الخيال المخيف لشكل المرضى الذين سجوا على الأسرة البيضاء، هي تلك الصورة المفزعة، لوجوه تغذت، ثم توارت. ولكنك وأنت تتخيل ذلك المشهد، عليك أن تستحضر الوجه الآخر، وجه وطنك الذي واجه الموت بالحياة، وقارع المرض بالشفاء، واستطاع أن يقف بجسارة في مقابل الألم، وأن ينجز مشروعه
الحضاري بوعي من سهروا، وضحوا، وتفانوا من أجل أن تبقى راية الوطن بيضاء ناصعة من غير سوء.
هكذا أنت الآن، تجلس في مكانك، وتتهجى حروف الجائحة، وتتأمل المشهد برؤية العاشق الذي استهواه وجه الحبيبة، فأعطى وجهه للسماء شاكراً، حامداً بأن منّ الله عليه بوطن مهما اكفهرت دروب العالم، يبقى هذا الوطن يسير بمصابيح الحب زاهياً مزدهراً، زاهراً، مبهراً، مثمراً، تدفع عربته امرأة مطمئنة، ورجل جسور، والاثنان باتجاه الغد المشرق، يحتفلان بالحياة، ويدعان ماضي الجائحة في مكبات التاريخ، ولا ينسيان أنهما من سلالة صحراوية، تظلل أرضها غافة الجمائل، وتعطر سماءها وردة برية، انبثقت عن لقاء النخلة بساعد أسمر.
فهد البسام
فهد البسام: كل مواطن مباحث
قال الكاتب فى مقالة المنشور بجريدة القبس الكويتية: " فى الثمانينيات من القرن الماضى، وبسبب الظروف الأمنية المضطربة، انتشر في الكويت شعار "كل مواطن خفير"، ثم اختفى عن الساحة فترة طويلة، إلى أن عاد الآن بفعل وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، التي حركت الرغبة المتأصلة لدى الكثيرين منذ الطفولة في الالتحاق بسلك الشرطة ولبس الزي العسكري، متحوراً بشكل أكثر عملية إلى "كل مواطن مباحث"، فإن لم تتحقق أحلام الصغر فلتتحقق الرغبة في التسلط والتجسس والوصاية على الأقل، وهذا أضعف الإيمان.
مثل هذه الرغبات "الأمنية" لدى الأفراد العاديين في مراقبة الآخرين والوصاية عليهم والتحكم فيهم، ما كان يجب لها أن تجد صدى مسموعاً لدى أجهزة الأمن الحقيقية التي يفترض بها أن تكون منشغلة بما هو أهم لأمن البلد لا بتوافه الأمور، وبلا أي أسانيد قانونية أو معايير واضحة ومحددة وشفافة، اللهم إلا من سند استغلال خوف الناس من الفضيحة لا خشيتهم من حكم القانون في دولة القانون والمؤسسات، كما نحب أن نردد دائماً.
ومن ثم كان عليها أن تترك الناس المنزعجة تتحمل مسؤولية أنفسها و"فرصة" تربية أبنائها ومتابعتهم، وأما من ينخدش حياؤه الرهيف من انحناءة هنا أو تضريس هناك، فعليه أن يتوقف ببساطة عن متابعة ما يخدش حياءه، ويراقب أبناءه جيداً من باب أولى، عوضاً عن الرغبة المريضة في مراقبة الآخرين والتحكم فيهم وفي ملابسهم وانحناءاتهم.
بفضل هذه الممارسات في بلد الإنسانية صار المحظوظ من يصل إلى القضاء ليحاكمه محاكمة عادلة، بدلاً من الحبس الاحتياطي التأديبي أو الإبعاد الإداري، الذي لا أظن أحداً يعرف معايير وقواعد إصداره، كما أن الإبعاد في هذا الزمن السريع، الذي لصق العالم ببعضه - كما أتوقع أنهم يدركون - لا يمنع التأثير، وقرب المسافة لا يعني الشيء الكثير، ومن كان لا تعجبكم ملابسه وهو بالكويت سيستكمل "مسيرته" وهو خارجها، وسيظل المتابعون يتابعونه لدينا هنا، أما من كان فعلاً يخشى أن ينخدش حياؤه فيعرف جيداً كيف يحفظ نفسه، والأجهزة التي بين الأيادي تنقل لنا الصلاة بالحرم، وآخر أنشطة آل كارداشيان الكرام، و"اللي بقلبه الصلاة ما تفوته".