"هو مدفون فين؟" سؤال أثاره تعدد الأضرحة لشخص واحد، وذلك لمعرفة مكان دفنه ولماذا تعددت أضرحة لشخص واحد؟، ولماذا إذن هذا التعدد؟، وهو الأمر الذى ينطبق على أضرحة الصحابى الجليل عمار بن ياسر، الذى أعلن التنظيم الإرهابى "داعش" عن تفجيره بمنطقة الرقة السورية فى 3 مايو 2013، فقام السوهاجية بالاحتفال بمولده أمام ضريحه بمدينة البليانة فى سوهاج يوم 19 من نفس الشهر ونفس العام وبعد 16 يوما من تفجير "داعش" لقبره فى سوريا، وبث التفجير على الهواء مباشرة أمام مرأى العالم، وعبر كل وكالات الأنباء وصحف العالم، فى موقف تناقضى لم يمنع، أهالى عزبة (الحمار) التي يوجد بها ضريح "الشيخ عمار" التابعة لقرية ميت غريطة، مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، من باب التبرك بقبر لنفس الصحابى بهذه العزبة الممتدة على ترعة الشون العليا ومزيد من التفاخر بأن عزبتهم "الشيخ عمار" على اسم صحابى لم يقلبه أحد بالشيخ غيرهم هم وأجوارهم.
المشهد المتناقض، عقلا وعيانا، لم يتوقف بل ما زال مستمرا، فمع تعدد القبور والمشاهد المعلنة لم يخرج أحد ويبرر هذا أو يثبت أو ينفى، أو يعلل، أو يوجه، أو يدعم أو يمنع، فى ظل وجود وزارة الأوقاف، التى تشرف على مسجده بالبليانة بسوهاج، والطرق الصوفية التى تشرف على ضريحه بالسنبلاوين، الذى تتخذ عزبة اسمها منه وتؤسس مجتمعها السكنى على أساس وجوده هناك، ومن هنا إلى سوريا يرقد الصحابى المقرب صاحب محنة ابتلاء أهله بالتعذيب، يشهد العالم على تطرف جماعات العنف المسلح، وتنديد وزارة الأوقاف السورية بتعدى الإرهاب على قبر تنسبه لصديق النبى، وتستند بأدلة وروايات تاريخية هى الأكثر ثبوتا لدفنه فى هذا المكان، لمزيد من الإلحاح طلبا للإجابة على سؤال: إذن قبرى سوهاج والسنبلاوين لمن؟.
عبدالغنى هندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وعضو مجلس إدارة مسجد الإمام الحسين، قال: إن الثابت تاريخيا هو دفن الصحابى بالشام وليس بمصر بوضوح، مضيفا تعدد القبور لشخص واحد لا يقدح فى ثبوتها، كون بناء الأقبية والقبور المتعددة لشخص واحد سببها دفنه فى هذا المكان، وقد يكون لوفاته فيها ثم نقله إلى مكان آخر، أو دفنه لبعض الوقت هنا ثم نقله، وقد يكون مكان خلوته التى عاش فيها.
وأضاف هندى، لـ"اليوم السابع"، إن صلاة أو بقاء الصحابة والصالحين والأولياء فى مكان لبعض الوقت أو تمييز هذا المكان بواقعة لهذا الشخص يسمح ببناء ضريح له، كونه شخصا مخصصا بالوالية أو الصحبة وله كرامات، وقد حل فى هذا المكان، مضيفًا أن تمييز المكان بضريح أو قبر قد يأتى بتوثيق تاريخى كحضوره لهذا المكان على مرأى من جموع الناس، أو رؤية لأحد الصالحين بحلوله بهذا المكان أو خصوصية هذا المكان لدى الصحابى أو الولى.
وقال هندى، يوجد أضرحة الموتى، وأضرحة الرؤية، وأضرحة الأسرة بأن يكون أحد أفراد أسرته قد دفن هنا، وضرحة المكوث، بأن حل هنا، أو تعبد هنا، أو كانت له خلوة هنا، أو توفى هنا.
.jpg "ضريح عمار بن ياسر (1)")
شيخ الطريقة الفيضية الشاذلية ومستشار المشيخة العامة للطرق الصوفية، المستشار محمود أبو الفيض، أيد رواية "أضرحة الرؤية" وأنها السبب الرئيسى لبناء أضرحة متعددة لشخص واحد، وذلك بناء على رؤيا صادقة ومتعددة بقرائن لعدد من المشهود لهم، وبتقفى وتقصى صحة الدعاءات والقرائن، من قبل متخصصين فى تقفى وتقصى مثل هذه الأمور حتى تصبح الأمور يقينية.
وأكد الفيضى، لـ"اليوم السابع"، يوجد ما يسمى بأضرحة الرؤية، وهى أضرحة تبنى بعد إخبار شخص عن رؤية جاءته فى المنام بأن أحد الصحابة أو الصالحين موجود بهذا المكان، أو كان له وجود بهذا المكان فيبنى له ضريح بهذا المكان تلبية للرؤية، قائلاً: ومع قلة الموثوق بهم أصدرنا مؤخرًا قرارًا رسميًا بوقف اعتماد أضرحة الرؤية تخوفا من النصب والادعاء بغرض الدجل وجمع الأموال أو المباهاة بأن تطلب أسرة بناء ضريح لشخص يتبعها للمباهاة، حيث رفض بقرية البطالى بأسوان منذ عام، لافتا إلى أن القدامى كانوا مخلصين لله وكانت رؤيتهم خالصة لله وقد بنى أضرحة كثيرة بلا أجساد بموجب رؤى من قبل أشخاص مشهود لهم.
.jpg "ضريح عمار بن ياسر (2)")
والبيت الصوفى، الراعى الرئيسى لقبور البركة والصالحين، يتسع لأصوات تختلف فى الرأى تتفق فى قيمة التصوف وكرامة "المخصوصين بالولاية والصحبة" لكنها تختلف فى قبول الروايات، ودعت هذه الأصوات للتيقن والتثبت بل وإصلاح الحالة وممارسة تقوص التصوف ومنها تلقيب البعض بالولى، وعلى مستوى أبرز قادة التصوف أطلقت دعوات للإصلاح من قبل البارزين "شيخ الأزهر الأسبق عبد الحليم محمود، ورائد التصوف محمد زكى إبراهيم" دعوات لإزالة الشوائب التى لحقت بالمنهج الصوفي، فقد كانت هناك محاولات أخرى جادة ومهمة لإزالة كثير من الرواسب التى علقت بالصوفية وصورتها والمتصوفة وممارساتهم، وقال الراحل شيخ العشيرة المحمدية، العالم الأزهرى محمد زكي إبراهيم، تحت عنوان (التصوف الإسلامي الصحيح.. وتدرج التصوف البدعي في مصر) إن التصوف هو أكمل الطرق وأصحها لعبودية الله وتحقيق المجتمع الإسلامي النموذجي خلقا وعملا.
.jpg "ضريح عمار بن ياسر (3)")
وتقول الوثائق التاريخية، والمحتويات الرقمية الثابتة، إن عمار بن ياسر، من صحابة الرسول والسابقين إلى الإسلام ومن أنصار الإمام على تعرّض هو وأبوه وأمّه وأخوه لأشدّ أنواع التعذيب التي صبّها عليهم المشركون، فراح ضحيتها أبواه شهيدين.
وقد شهد معه معركة الجمل، وقد استشهد في معركة صفين سنة 37 هـ على يد جيش معاوية بن أبي سفيان، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمار: تقتلك الفئة الباغية.
