حالة من التقارب الكبير تشهده العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والهند، وهو ما ترجمته الزيارة التاريخية التى قام بها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، إلى العاصمة نيودلهى فى فبراير الماضى، والتى بدا فيها ودودا حريصا على إظهار قدر كبير من الاحترام، ليس فقط للزعماء السياسيين، وإنما أيضا للعقائد والثقافة، وهو ما تجلى فى حرصه على الإشادة بتاريخ البلاد فى رياضة "الكريكيت" على سبيل المثال.
بالإضافة إلى حرصه على زيارة بعض المعالم التاريخية، بينما جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكى، مايك بومبيو، إلى الهند، فى إطار جولته الأسيوية الحالية، والتى تعد الأخيرة قبل انطلاق المعترك الرئاسى فى الولايات المتحدة، بمثابة تأكيد للمسار الذى انتهجته واشنطن فى السنوات الماضية، فى القارة الآسيوية، وربما مناطق أخرى فى العالم.
النهج الذى تبنته إدارة ترامب، منذ بداية ولايتها فى يناير 2017، اتخذ مسارين متوازيين، أولهما يقوم على استبدال التحالفات، عبر استحداث حلفاء جدد من شأنهم خدمة الأهداف الأمريكية، فى العديد من مناطق العالم، بينما اعتمدت، فى مسارها الأخر، سياسة تبديل المقاعد بين الخصوم، لتتحول الصين إلى مقعد الخصم الرئيسى لواشنطن على الساحة الدولية، بعد أن كانت مجرد منافس اقتصادى، بينما انتقلت روسيا إلى مقعد المنافس، فى ظل الأولوية التى يعطيها سيد البيت الأبيض لحماية الاقتصاد الأمريكى، وهو ما اتضح فى العديد من القرارات التى اتخذها، والتى لم تقتصر على خصوم أمريكا، وإنما امتدت إلى الحلفاء، سواء فى أوروبا الغربية أو آسيا.
إعادة هيكلة التحالفات فى آسيا.. واشنطن تستعين بالأقوياء
ولعل إدارة التحالفات الأمريكية فى آسيا ربما شهدت إعادة هيكلة، منذ عام 2017، ربما تجسد فى العديد من المواقف الأمريكية التى تبنتها واشنطن، بينما كانت تطورات العلاقة مع الصين بمثابة عامل الحسم فى توجيهها، لتستعين أمريكا بـ"الأقوياء" لمواجهة بكين، وهو الأمر الذى يبدو فى التخلى الأمريكى جزئيا، عن الحلفاء التاريخيين فى القارة الصفراء، وهما كوريا الجنوبية واليابان، لصالح التقارب مع كوريا الشمالية، بينما تقاربت إدارة ترامب مع الهند على حساب الحليف الباكستانى، وهو ما يبدو فى الموقف الذى تبنته واشنطن لدعم نيودلهى فى قضية كشمير، ليصبح الهدف الرئيسى هو تدعيم الموقف الأمريكى بقوى آسيوية من شأنها تقويض الدور الصينى، سياسيا واقتصاديا.
علاقات قوية بين ترامب ومودى
فلو نظرنا إلى التقارب التاريخى بين أمريكا وكوريا الشمالية، فى السنوات الماضية، على الرغم من عدائهما الذى استمر لعقود طويلة من الزمن، نجد أن أحد أهم أهدافه كان تحييد الدور الصينى، عبر تقديم واشنطن لنفسها كحليف محتمل لبيونج يانج حال الالتزام الأخيرة بالشروط الأمريكية، والتى لا تقتصر فقط على التخلى عن طموحاتها النووية، وإنما تمتد إلى إنهاء العلاقة مع بكين، وهو الأمر الذى ساهم فى تجميد المفاوضات مرحليا، فى ضوء الرفض الأمريكى لتقديم أى تنازل فيما يتعلق بالعقوبات الأمريكية المفروضة على كوريا الشمالية، إلا أنها بالرغم من ذلك تبقى احتمالات مواصلتها قائمة بقوة، خاصة إذا ما تمكن الرئيس الأمريكى من الفوز بولاية ثانية.
مسار جديد.. واشنطن تواصل استفزاز بكين عسكريا فى محيطها الإقليمى
العلاقة الأمريكية مع الهند ربما تقدم صورة أكثر وضوحا للارتباط الوثيق بين إدارة التحالفات الأمريكية فى آسيا، من جانب، وتطورات الصراع مع الصين من جانب أخر، حيث تسعى واشنطن إلى دعم نيودلهى، باعتبارها القوى المؤهلة فى القارة لمزاحمة الصين اقتصاديا، فى المستقبل، باعتبارها أحد أكبر القوى الاقتصادية الصاعدة فى العالم فى المرحلة الراهنة.
الدعم الأمريكى للهند ربما اتخذ مسارا جديدا فى الزيارة الأخيرة التى قام بها بومبيو، ووزير الدفاع الأمريكى مارك إسبر، فى ضوء عقد اتفاقية عسكرية، ربما تمثل استفزازا جديدا للصين، خاصة وأنه ليس التحرك الأول من قبل إدارة ترامب، لتطويق الصين، حيث سبق لها وأن قدمت دعما عسكريا لتايوان، والتى تراها بكين جزءً من أراضيها، بينما قدمت دعما سياسيا من شأنه إثارة النزعة الانفصالية فى هونج كونج، فى سلوك يعكس رغبة الرئيس الأمريكى فى استفزاز "التنين"، وممارسة أقصى قدر ممكن من الضغوط عليه، لتقديم تنازلات، فى إطار الحرب الاقتصادية التى اندلعت بين البلدين فى السنوات الماضية.
تطويق الخصوم.. الموقف من بكين بوصلة العلاقة بين واشنطن وموسكو
سياسة "تطويق الخصوم" التى اعتمدتها واشنطن لم تقتصر على الصين، وإنما امتدت إلى قوى أخرى، ومن بينها روسيا، وإن كانت بدرجة أقل، عبر التوجه الأمريكى نحو تقليل التواجد العسكرى فى ألمانيا، ودول أوروبا الغربية، والتوجه شرقا، عبر تأسيس قواعد عسكرية فى بولندا، بهدف الضغط على موسكو، وهو الأمر الذى ربما لا يبتعد كثيرا، هو الأخر، عن الصين، فى ظل رغبة واشنطن فى كسر التحالف بين البلدين فى المرحلة الحالية، عبر ما يمكننا تسميته بسياسة "الترهيب والترغيب"، ففى الوقت الذى تطوق فيه موسكو عسكريا كما أسلفنا، فإنها تقدم لها فرصا مهمة، لتعزيز نفوذها فى العديد من مناطق العالم على حساب بكين، من بينها منطقة الشرق الأوسط، وهو ما تجلى فى الانسحاب الأمريكى من سوريا، لتعزز موسكو وجودها هناك.
وهنا يمكننا القول بأن محاولات ترامب لكسر التحالف بين الصين وروسيا تمثل أولوية مهمة، عبر تقديم الفرصة لموسكو، للقيام بدور أكبر في المستقبل، مقابل التخلي عن بكين، هو الأمر الذى ربما سيكون أولوية كبيرة إذا ما فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يبقى المنافس الروسى، في نظر واشنطن، أسهل احتواءً إذا ما قورن بالقوة الاقتصادية الكبيرة التي تحظى بها الصين، والتي تساهم في وضعها على قمة النظام الدولى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة