أصبحنا نستيقظ من يوم لأخر على وقائع تقشعر منها الأبدان وتشيب لها الولدان، مثلما حدث في واقعة المتهمة بجريمة الزنا في كفر الشيخ واعترافها بإقامة علاقة غير شرعية مع مديرها بالخارج، وأن زوجها هو الذى أجبرها على ذلك الفعل الآثم من أجل الأموال، بينما الزوج اعترف هو الأخر من خلال التحقيقات أنه فوجئ بما يقرب من 37 فيديو إباحي ورسائل جنسية على هاتف زوجته المحمول.
الزوجة المتهمة " س.م.ي" 33 سنة، أدلت واعترفت بعقد علاقة غير شرعية مع أحد المصريين المقيمين بدولة عربية، أمام نيابة كفر الشيخ وقد وجهت النيابة لها تهمة إقامة علاقة غير شرعية مع أحد الأشخاص، وسوء استخدام وسائل الاتصالات، وقالت المتهمة أمام النيابة، إنها تعترف بإقامة علاقة غير شرعية مع مديرها المصري بدولة عربية، وهو من منحها إقامة بهذه الدولة، وأن زوجها كان على علم بتلك العلاقة، وكانت ترسل له أموالاً، وأنها سافرت إلى أحدى الدول العربية رغماً عنها، وزوجها من ضغط عليها لتحصل على أموال من مديرها فنشأت علاقة غير شرعية بينهما، وعن رؤية زوجها لها أثناء ممارستها العلاقة، قالت إن زوجها لم يكن معها عند ممارسة العلاقة غير الشرعية، ولكنه كان على علم بها.
مدى قانونية تفتيش هاتف الزوجة وبريدها الإلكتروني؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية قانونية في غاية الأهمية تثار عند تلك الوقائع الغريبة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية وهو مدى الاختصاص القضائي في الواقعة التي وقعت تفاصيلها خارج الحدود، وكيفية اثبات وقائع "الزنا" بالنسبة للشريك، والأهم هنا هل يجوز للزوج أن يخترق البريد الإلكتروني لزوجته لالتقاط الرسالة الخاصة بالتدليل على ارتكابها قمة جرائم أو افعال مشينة، لأن مشروعية الدليل أهم من الدليل نفسه؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمود البدوى.
في البداية – تلك الواقعة حصلت بالخارج كما ورد بالتحقيقات إلا أن الزوج علم بها مؤخرا وله حق تقديم البلاغ ضدها من الزوج من تاريخ علمه بالواقعة، وبناء على هذا الإجراءات يكون الاختصاص للنيابة بمصر حتى ولو كانت واقعة الزنا حدثت خارج القطر المصري، أما مسألة الدليل علي قيام الواقعة فهو موجود ومحقق بموجب ما تلاقه الزوج من محادثات وفيديوهات، وفي حالة ورود شهادة التحركات بسفرها لهذه الدولة العربية في التواريخ المعاصرة للفيديوهات سيتم إثبات الواقعة في حقها وتعاقب عن جريمة ممارسة الزنا – وفقا لـ"البدوى".
ويجوز للقاض أن يثبت زنا الزوجة من خلال الرسائل الاليكترونية المتبادلة عبر شبكة الإنترنت كل ذلك بشرط أن تكون الرسائل الدالة علي واقعة الزنا جازمة في حصول الوطء الغير مشروع، أما بالنسبة لشريك الزوجة الزانية، فإنه لا يجوز إثبات الزنا ضده إلا من خلال أحد الأدلة المحددة حصرا في المادة 276 عقوبات ومن ضمن تلك الأدلة المكاتيب والأوراق الصادرة من الشريك أو اعترافه بالزنا، ويجوز أيضا الاعتداد بالرسالة الاليكترونية الصادرة من الشريك إن تضمنت اعتراف منه بالزنا، إذ أن القانون لا يشترط في الاعتراف أن يكون قضائيا بل يمكن أن يحصل خارج مجلس القضاء بشرط أن يكون نصا على حصول الوطء الغير مشروع، وهذا ما أخذت به محكمة النقض، إذ قضت بأنه:
"لما كانت جريمة زنا الزوجة لا تقوم إلا بحصول وطء في غير حلال بما مفاده أن الجريمة لا تقع بما دون ذلك من أعمال الفحش، وكان من المقرر أن تفسير العبارات ومعرفة مرماها، مما تستقل به محكمة الموضوع ما دام استخلاصها متفقا مع حكم العقل والمنطق، وهو الأمر الذي يجوز اثباته بما ورد بالمحادثات عبر تطبيق - الواتس آب - بين الزوجة والشريك وكذا ما تحت يد الزوج الشاكى من فيديوهات وردت اليه علي هاتفه" – الكلام لـ"البدوى".
مدي مشروعية الدليل الذي يستدل به علي قيام الجريمة
ومن ثم فإن المكاتيب والأوراق الصادرة من الشريك وما في حكمها من محادثات عبر تطبيقات المراسلة مثل "واتس آب" يمكن الاعتداد بعا لإثبات واقعة الزنا، إلا أنها تختلف بعض الشيء عن ما جاء بالنص القانوني بشأن المكاتيب والمراسلات التقليدية والورقية والتي تعتبر حجة في الزنا، وهي في المعني التقليدي تتمتع الأداة المكتوبة بها بالإثبات النسبي، بحيث لا تتلاشى أو تمحوا أو تزول دون ترك أثر ينم عنها وهو ما قد يظلمه واقع الحال بالنسبة للرسائل الاليكترونية ، إذ يسهل محوها علي الفور، وآيا ما كان الأمر فإنه لما كانت تلك المكاتيب والأوراق يجب أن تكون صادرة من الشريك نفسه وجازمة علي حصول الوطء فإنها لابد وأن تتضمن بالضرورة اعتراف منه بالوطء، ولهذا فإننا نري أنه يجوز إثبات زنا الشريك من خلال الرسائل الاليكترونية بوصفها اعترافا بالزنا.
وعن مدي مشروعية الدليل الذي يستدل به علي قيام الجريمة – يقول الخبير القانوني - ومن ثم فإن الاعتداد بالرسالة الاليكترونية الصادرة من الشريك مشروط بأن تكون دلالتها جازمة ونصا في إقرار الشريك بحصول الوطء ، وأن يكون الحصول علي الرسالة أو بالأحرى الاطلاع أو الدخول إلي البريد الإلكتروني للشريك قد تم بطريق مشروع أي بإذن قضائي مسبب ولمدة محددة طبقا للمادة 57 من دستور 2014 ، ولا يكفي في هذا الشأن رضا الزوجة الزانية، لأن الرسالة لا تخصها وحدها بل تخص شريكها، وأن جاز لها أن تطلع الغير علي أسرارها، فإنها لا تملك أن تطلع الغير سواء أكان زوجها أو السلطات العامة علي أسرار شريكها، والحال هنا مختلف لأن الرسائل أرسلت للزوج علي رقمه الشخصي ومن رقم خاص بالدولة العربية التي كانت تقع بها واقعة الزنا، ومن ثم لا يجوز القول بعدم مشروعية الدليل علي ثبوت الزنا في هذه الواقعة علي وجه الخصوص.
مدى جواز اختراق البريد الإلكتروني وتفتيش الهاتف
ومن باب أولى لا يجوز للزوج أن يخترق البريد الإلكتروني لزوجته لالتقاط الرسالة، لأن فعله يعد في هذا الشأن جريمة طبقا لقانون العقوبات والقانون رقم 75 لسنة 2018 بشأن جرائم تقنية المعلومات، ولا يستقيم أن يكون دليل الإدانة مشروعا حال كونه جريمة، فضلا عن بث الثقة والأمانة فيما بين الزوجين وما يجب أن يسود العلاقة بينهما من احترام لا ينسجم مع التجسس بحيث أن شك أحد الزوجين في سلوك الآخر لجأ إلي إتباع الإجراءات القانونية في الإثبات وإلا تحولت الأسرة إلي مسرح مخابرات وعس وهذا ما أخذ به القضاء الأمريكي والفرنسي وأيدهم فيه الفقه.
يأتي هذا كله علي الرغم من أن هاتف الزوجة وبريدها الالكتروني له حماية اسبغها عليه القانون وحرم علي الزوج تفتيشك أو الدخول اليه بأي طريقة غير مشروعه إلى أن محكمة النقض في حكم قديم لها محل نظر أجازت للزوج تفتيش حقيبة زوجته الموجودة بالمنزل إذا ما اقتنع أن بها رسائل من عشيقها، وعللت لذلك بأن الزوج في علاقته بزوجته ليس من الغير في صدد المكاتبات لأن عشرتهما وسكون كل منهما إلي الآخر وما يفرضه عقد الزواج عليهما من تكاليف لصيانة الأسرة في كيانها وسمعتها يخول لكل منهما ما لا يباح للغير من مراقبة زميله في سلوكه وفي سيره وفي غير ذلك، مما يتصل بالحياة الزوجية لكي يكون علي بينه من عشيره، وهذا ما يسمح له عند الاقتضاء أن يتقص ما عساه أن يساوره من ظنون أو شكوك لينفيه فيهدأ باله أو ليتثبت منه فيقرر ما يرتئيه ، وذلك طبقا للطعن رقم 259 جلسة 19 مايو 1941.
من الناحية القانونية لا يجوز للزوج أن يخترق البريد الإلكتروني لزوجته لالتقاط الرسالة الخاصة بالتدليل علي ارتكابها قمة جرائم او افعال مشينة، لأن مشروعية الدليل أهم من الدليل نفسه، استناداً الي نصوص الدستور المصري في ذات التوجه، ذلك لأن فعل الزوج يعد في هذا الشأن جريمة طبقا لقانون العقوبات والقانون رقم 75 لسنة 2018 بشأن جرائم تقنية المعلومات، ولا يستقيم أن يكون دليل الإدانة مشروعا حال كونه هو اصلاً جريمة معاقب عليها، فضلا عن ضرورة السعى نحو بث روح الثقة والأمانة فيما بين الزوجين والمودة والرحمة وهو توجه شرعي، وما يجب أن يسود العلاقة بينهما من احترام لا ينسجم مع التجسس، بحيث أن شك أحد الزوجين في سلوك الآخر لجأ إلي إتباع الإجراءات القانونية في الإثبات وإلا تحولت الأسرة إلي مسرح مخابرات وجاسوسية وهذا ما أخذ به القضاء الأمريكي والفرنسي وأيدهم فيه الفقه الشرعي المصري أيضاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة