هناك العديد من الملفات التى تظل مفتوحة طوال الوقت مهما مرت عليها السنين، ومن ضمن تلك الملفات التى يهتم بها المصريين، هو عودة تمثال نفرتيتى، التى سرقت من مصر بطرق احتياليه، بواسطة مكتشفها لودفيج بورشارت، عام 1912م، فى تل العمارنة على يد، ويعد التمثال أحد أشهر قطع فن النحت المصرى القديم، وهو تمثال نصفى من الحجر الجيرى الملكون، من أعمال الفنان المصرى تحتمس، وهو نحات الملك إخناتون، فهل نستطيع استرداد هذه التحفة الفنية مرة أخرى؟
تعود بداية القصة عندما عثر على تمثال نفرتيتى فى 6 دسيمبر 1912م، فى تل العمارنة بقيادة عالم الآثار الألمانى لودفيج بورشارت، فى ورشة النحات تحتمس، مع العديد من التماثيل النصفية الأخرى لنفرتيتى، وقد وصف بورشارت الاكتشاف فى مذكراته، قائلا: "فجأة، أصبح بين أيدينا أفضل الأعمال الفنية المصرية الباقية، لا يمكن وصف ذلك بالكلمات، لابد أن تراه".
فى عام 1924م عثر فى أرشيف الشركة الشرقية الألمانية على وثيقة حول اجتماع دار فى 20 يناير 1913م، بين لودفيج بورشارت وبين مدير تفتيش آثار مصر الوسطى جوستاف لوفيفر لمناقشة تقسيم الاكتشافات الثرية التى عثر عليها فى عام 1912م، بين ألمانيا ومصر، ووفقا للأمين العام للشركة الشرقية الألمانية (صاحب الوثيقة، الذى كان حاضرًا الاجتماع)، فإن بورشارت كان عاقدًا العزم أن يكون التمثال للألمان. ويشتبه فى أن يكون بورشارت قد أخفى قيمة التمثال النصفى الحقيقية، بالرغم من إنكاره لذلك.
بورشارت عرض على لوفيفر صورة ذات إضاءة سيئة لتمثال نفرتيتى، كما أخفى التمثال فى صندوق عند زيارة "جوستاف لوفيفر"، وكشفت الوثيقة عن أن بورشارت، ادعى أن التمثال مصنوع من الجبس، غير أنه مصنوع من الحجر الجيرى الجيد.
وبعد توقيع لوفيفر على القسمة تم اعتماد ذلك من مدير مصلحة الآثارآنذاك وهو جاستون ماسبيرو، وشحن بعدها مباشرة إلى برلين، ووصل التمثال إلى ألمانيا فى نفس العام 1913م.
ولمحاولة استراد القطعة المصرية، طالبت السلطات المصرية بعودة التمثال إلى مصر، منذ إزاحة الستار عن التمثال وعرض لأول مرة فى متحف برلين عام 1924م، طالب بيير لاكو مدير مصلحة الآثار آنذاك وخليفة ماسبيرو بعودة التمثال لمصر وشكك فى القسمة بانها قد تمت بأسلوب غير أخلاقى، وفى عام 1925م، هددت مصر بحظر التنقيب الألمانى عن الآثار فى مصر، إلا إذا أعيد تمثال نفرتتيى. ومنع بورشارت مكتشف التمثال من الحفر فى مصر، وألقت الشركة الشرقية الألمانية باللوم على إهمال المفتش، وأشارت إلى أن التمثال كان على رأس قائمة التقسيم، وأن الاتفاق كان نويها.
وفى عام 1929م زار بيير لاكو برلين والتقى بمدير متحف برلين آنذاك هينويش شيفر واتفقا على حل المشكلة، حيث عرضت مصر مبادلة التمثال مقابل تمثالين هما رعنفر من الأسرة الخامسة وتمثال جالس لأمنحوتب ابن حابو من الأسرة الثامنة عشرة، وقد وافقت وزارة الفنون والعلوم والتعليم على ذلك أولا، إلا أن الرأى العام كان عكس ذلك حتى رفضت الوزارة عام 1930م تحت غدارة ألفريد جريم.
ويقول كتاب "ملكات مصر" للدكتور ممدوح الدماطى، أستاذ الآثار المصرية بجامعة عين شمس، حاولت مصر مرة أخرى بدء مفاوضات حول التمثال، ولكن دون استجابة من ألمانيا، إلا أنه فى ذكرى جلوس الملك فؤاد الأول على العرش عام 1933، طالب هيرمان جورينج وزير سلاح الجو النازى بإعادة التمثال للملك فؤاد الأول كمبادرة سياسية، وبدعم من المسؤول الإععلامى لهتر والسياسى النازى البارز يوسف رجوبلز وافق هتلر مبدئيًا إلا أن الرأى العام عرض الفكرة، وعندما زار هتلر المتحف ورأى التمثال عارض أيضا الفكرة، وقال للحكومة المصرية أنه سيبنى متحًا مصريًا جديدًا لنفرتيتى.
وحين أصبح التمثال تحت سيطرة الأمريكان بعد الحرب العالمية الثانية، طالبت مصر الولايات المتحدة الأمريكية بتسليمها التمثال، ووافقت الولايات المتحدة الأمريكية أول الأمر على أن يقام معرض لفنون العمارنة وتمثال نفرتيتى فى نيويورك ثم يعود بعدها إلى القاهرة، إلا أنها وبعد أن أطلعت على أوراق خروج التمثال رفضت واعتبرت أن التمثال خرج من مصر بقسمة شرعية، ونصحت مصر ببحث القضية مع السلطات الألمانية الجديدة.
وأوضح كتاب "ملكات مصر" أنه فى عام 1976م طالب الدكتور عبد القادر سليم رئيس هيئة الآثار مجددًا بعودة راس نفرتيتى، إلا أن هيلموت شميت مستشار ألمانيا الغربية شكاه للرئيس أنور السادات فعزله، إذ أن العلاقات المصرية الألمانية كانت قد عادت لتتحسن بعد توترها لعدة سنوات.
ثم أعلن الدكتور زاهى حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن تمثال نفرتيتى ملك مصر، وانه خرج من مصر بطريقة غير شرعية، وبالتالى ينبغى إعادته. وطالب ألمانيا بإثبات صحة حيازتها للتمثال من الناحية القانونية. وفى عام 2005، طالب حواس اليونسكو بالتدخل لإعادة التمثال.
وفى عام 2007، هدد حواس بحظر معارض الآثار المصرية فى ألمانيا، إذا لم تقرض ألمانيا تمثال نفرتيتى لمصر، ولكن دون جدوى. كما طالب حواس بمقاطعة عالمية لإقراض المتاحف الألمانية القطع الأثرية بادئ ما أسماه "الحرب العلمية". وطالب حواس بعنوان "رحلات نفرتيتى" اطلقتها جمعيات تعاون ثقافى، حيث قاموا بتوزيع بطاقات بريدية تحمل صورة تمثال نفرتيتى مع عبارة "العودة إلى المرسل" وكتبوا رسالة مفتوحة إلى وزير الثقافة الألمانى بيرند نيومان، تدعم إعادة التمثال إلى مصر، إلا إن ألمانيا تخشى عدم عودة التمثال، إذا أعير لمصر.
قدم الدكتور زاهى حواس في عام 2010 خطاب رسمى بعد الحصول على موافقة رئيس مجلس الوزراء آنذاك، لإرسال الخطاب، ويقول حواس لـ "اليوم السابع"، كان رئيس الوزراء قرر توقيعى على الجواب، وكنت وقتها أمين عام المجلس الأعلى للآثار، وتم إرسال الخطاب بشكل رسمى لعودة نفرتيتى ويعد هذا أول خطاب رسمى يتم إرساله إلى ألمانيا، حيث كان يوجد طلب من إحدى الحكومات المصرية فى القرن الماضى ولكنه لم يتم.
وبعد ذلك أرسلت الحكومة الألمانية ردًا على خطابى مطالبين توقيعه من وزير الثقافة وقتها، وفى الوقت الذى وصل الخطاب للدكتور زاهى حواس كان قد أصبح وزيرًا للآثار، لم تعط لى الفرصة بالتوقيع على الخطاب من جديد، بصفته الوزارية.
ومن أجل استرداد القطعة الأثرية الفريدة نفرتيتى، يعمل الدكتور زاهى حواس في الوقت الحالي على تشكيل فريق مصرى من المفكرين والمثقفين المصريين والعالميين، بتوقيع خطاب رسمى، وسيتم إرساله إلى ألمانيا بعيدًا عن وزارة السياحة والآثار، بضرورة عودة رأس نفرتيتى، نظرًا للصحوة التي يشهدها العالم صحوة الآن بأن أوروبا وأمريكا سرقوا آثار أفريقيا، ومحاولة لاستعادة الآثار التى سرقت من أفريقيا خلال فترة الاستعمار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة