أصدرت الدائرة الثانية - بمحكمة مصر الجديدة لشئون الأسرة للولاية على النفس – حكماَ فريداَ من نوعه – بشأن زواج الأجانب بمصريين واشهار إسلامهن ومدى أحقيتهم في التركة حال وفاة الزوج ولو ثبت عودتهم للإسلام بعد ارتدادهن، رسخت فيه لعدة مبادئ قضائية، قالت فيه: " الارث لا يستحق إلا عند الوفاة، فان العبرة في التقرير باتحاد الديانة أو اختلافها هو تحديد ديانة الوارث عند الوفاة، وأن العبرة في إثبات إسلام الوارث هو النطق بالشهادة وإثبات ذلك حتى لو لم يتم تغيير الديانة في الاوراق والمستندات، كما أن الزواج الصحيح الذي يستحق به الميراث هو الزواج الذي تحققت اركانه وشروطه الشرعية مهما كان وضع هذا الزواج قانونيا وفقا للإجراءات والقوانين المختلفة".
صدر الحكم في الدعوى المقيدة برقم 1664 لسنة 2019 أسرة مصر الجديدة، لصالح المحامى محسن السبع، برئاسة المستشار تاج الفار، وعضوية المستشارين صلاح الشاهد، والمصطفى العابد، وبحضور وكيل النيابة خالد سعد الدين، وأمانة سر حسن أحمد.
الوقائع.. ابن الزوج يشكك في زواج والده المتوفى لمنع الزوجة الأجنبية من الحصول على الإرث
تتلخص الوقائع في أن المدعى "ك.ط"، قد قدم الطلب رقم 294 لسنة 2019 وراثات مصر الجديدة والمقيد بتاريخ 18 فبراير 2019 لضبط وتحقيق وفاة والده "ط" المتوفى بتاريخ 11 فبراير 2019، وترك ورثه شرعيين هم: "ه"، والدته، وأبناءه البلغ "ك، س"، والقاصرتين "ف، ل"، اوكسانا "زوجة غير مسلمة"، ولا يوجد ورثة شرعيين غيرهم ولا أصحاب وصية واجبة سوى من ذكر، وقدم حافظة مستندات طويت على قيد وفاة "ط"، وذلك بتاريخ 11 فبراير 2019، وحيث مثل مقدم الطلب بوكيل عنه وقدم اعلان منفذ لباقى الورثة.
وحضرت "اوكسانا" بشخصها وبوكيل عنها وقدمت حوافظ مستندات طويت من بينها "قيد زواجها من مورث مقدم الطلب مقيدة 15 أبريل 2019 ثابت بها زواجها منه بتاريخ 11 نوفمبر 2016، وأنها مسلمة الديانة، قيد ميلاد صغيرتهما "ليلى" مواليد 26 يناير 2017 ثابت بها أنها مواليد الخارج مسلمة الديانة لأبوين مسلمين الديانة، وأصل إشهار إسلامها صادر من الإدارة الدينية لمسلمى أوكرانيا مؤرخ 7 ديسمبر 2018 مصدق عليه من سفارة جمهورية مصر العربية بكييف بتاريخ 3 يناير 2019 ومصدق عليه من وزارة الخارجية المصرية بتاريخ 3 فبراير 2019، ومصدق عليه من الأزهر الشريف بتاريخ 13 مارس 2019، وثابت به أنها اعتنقت الإسلام بتاريخ 14 أغسطس 2015، وصورة رسمية من القرار الصادر بتعينها وصية بلا أجر على ابنتها القاصرة "ليلى" قاصرة المرحوم "ط"، وطالعتها المحكمة.
وبجلسة 9 ديسمبر 2019، قررت المحكمة بإحالة الطلب إلى المحكمة لنظر الموضوع لوجود نزاع، وقيدت برقم 1664 لسنة 2019 أسرة مصر الجديدة، وحيث تداولت تلك الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها حيث مثل المدعى بوكيل عنه، وقدم حوافظ مستندات طويت من بينها – صورة ضوئية من القرار الصادر بتعيينه وصياَ بلا أجر على القاصرة "فاطمة" قاصرة الرحوم "ط"، وصورة ضوئية من عقد زواج مورثه عرفياَ من "أوكسانا" وغيرها من المستندات التي طالعتها المحكمة – وبجلسة المرافعة الأخيرة مثل المدعى بوكيل عنه ودفع ببطلان عقد الزواج لمخالفته النظام العام، وطالب بوقف الدعوى تعليقياَ لحين الفصل في دعوى محو القيد وبطلان الزواج، وحضرت المدعى عليها بشخصها وبوكيل عنها، وطالب بحجز الدعوى للحكم.
المحكمة تؤكد: إذا كان أحد الزوجين مصرياَ وقت انعقاد الزواج يسرى القانون المصرى وحده
المحكمة في حيثيات الحكم، قالت أن المادة 14 من القانون المدنى تنص على أن: "في الأحوال المنصوص عليها في المادتين السابقتين إذا كان أحد الزوجين مصرياَ وقت انعقاد الزواج، يسرى القانون المصرى وحده، فيما عدا شرط الأهلية للزواج"، ونصت المادة 17/1 من ذات القانون أن: "يسرى على الميراث والوصية وسائر التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت قانون المورث أو الموصى أو من صدر منه التصرف وقت موته"، ولما كان الثابت أن المورث في الدعوى الماثلة يحمل الجنسية المصرية، ومن ثم يكون القانون المصرى وهو الواجب التطبيق في مجال الدعوى الراهنة.
ووفقا لـ"المحكمة" – وعن الدفع المبدى من المدعى عليه ببطلان عقد الزواج، فمن المقرر فقهاَ أنه: "وقد اشترط القانون لمباشرة عقد الزواج رسمياَ لدى الموظف المختص إتمام الزواج للثمانية عشر عاماَ والزوجة ستة عشر سنة وقت العقد، وذلك لسماع دعوى الزوجية، إلا أن هذه الشروط القانونية التي يجب توافرها لسماع دعوى الزواج لا آثر لها في صحة عقد الزواج، ونفاذه ولزومه شرعاَ لأن عقد الزواج متى كان مستكملاَ لأركانه وشروطه الشرعية من ايجاب وقبول وشاهدين ومهر فهو صحيح نافذ لازم يترتب عليه اثاره وأحكامه ولو لم يبلغ الزوجان أو أحدهما الحد الأدنى لسن الزواج قانوناَ وإن لم توجد أي أوراق رسمية، وذلك لأن صحة عقود الزواج لا تتوقف شرعاَ على بلوغ الزوجين السن القانونية للزواج ولا على كتابتها في ورقة رسمية أو عرفية، والزواج العرفى شرعاَ هو عقد يفيد حل استمتاع كل من العاقدين بالأخر إذا اكتملت له أركانه وشروطه الشرعية من ولى للمرأة والشهود على العقد، وتبادل الايجاب والقبول واتفاق على المهر، ولا فرق بين الزواج الرسمي والزواج العرفى من النواحى الشرعية، وذلك لأن عقد الزواج هو عقد رضائى وليس من العقود الشكلية التي تستلزم التوثيق لشرعيتها، وإنما استلزم القانون بالإضافة إلى ذلك الإشهار والتوثيق.
محامى الزوجة يثبت بالمستندات والتواريخ أحقية الزوجة في الميراث
وبإنزال ما تقدم وهديا به – ولما كان الثابت للمحكمة أن مورث المدعى قد تزوج من "اوكسانا" بموجب العقد العرفى المؤرخ 8 أغسطس 2015 وتم توثيق الزواج مدنياَ خارج البلاد بتاريخ 11 نوفمبر 2016، وتم توثيق ذلك الزواج داخل جمهورية مصر العربية وتم قيده وإسباغ الصفة الرسمية له، وحيث ثبت للمحكمة أن ذلك الزواج قد اكتملت له أركانه وشروطه الشرعية من إيجاب وقبول وشاهدين ومهر مسمى بينهما، ومن ثم يكون الدفع المبدى من المدعى عليه في غير محله، وتقضى برفضه مكتفياَ بذلك بالأسباب دون المنطوق، وحيث أنه عن موضوع الدعوى: وحيث أن المحكمة تمهد لقضائها بما روى البخارى ومسلم وغيرهما عن أبن عباس أن النبى، قال: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فهو لأولى رجل ذكر".
وبحسب "المحكمة" – لما كانت المادة 24 من القانون رقم 1 لسنة 2000 الخاص ببعض أوضاع وإجراءات التقاضى في مسائل الأحوال الشخصية، قد نصت على أنه: "على طالب اشهاد الوفاة أو الورثة أو الوصية الواجبة أن يقدم طلباَ بذلك إلى المحكمة المختصة مرفقاَ به ورقة رسمية تثبت الوفاة وإلا كان الطلب غير مقبول ويجب أن يشتمل الطلب على بيان أخر موطن للمتوفى وأسماء الورثة والموصى لهم وصية واجبة وموطنهم إن جدوا، وعلى الطالب أن يلعنهم بالحضور أمام المحكمة في الميعاد المحدد لنظر الطلب، ويحقق القاضي الطلب بشهادة من يوثق به وله أن يضيف إليها التحريات الإدارية حسبما يراه، فإذا ما أنكر أحد الورثة أو الموصى لهم وصية واجبة، ورأى القاضي أن الانكار جدى، كان عليه أن يحيل الطلب إلى المحكمة الابتدائية المختصة للفصل فيه".
لأول مرة المحكمة تثبت أحقية الأجنبية ولو كان سبق ارتدادها
ولما كان الثابت للمحكمة وفاة "ط" بتاريخ 11 فبراير 2019، وترك ورثة شرعيين هم: "ه"، والدته، وأبناءه البلغ "ك، س"، والقاصرتين "ف، ل"، أوكسانا "زوجة غير مسلمة"، ولا يوجد ورثة شرعيين غيرهم ولا أصحاب وصية واجبة سوى من ذكر، ولا ينال من ذلك ما أثير في الأوراق من أن زوجته غير مسلمة حيث ثبت للمحكمة من خلال المستندات المرفقة بالأوراق أنها مسلمة وقت الوفاة، كما هو ثابت بشهادة إشهار إسلامها المؤرخة 7 ديسمبر 2018 بإقرارها باعتناق الإسلام بتاريخ 14 أغسطس 2015، وأن ما قدمه المدعى عليه من إقرار منسوب صدوره لها مؤرخ 7 يونيو 2017 من كونها تابعة للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية – أن كان صحيحاَ – يفيد أنها ارتدت عن الإسلام، وبعودتها إلى إسلامها في 7 ديسمبر 2018 بموجب شهادة إشهار الإسلام مفاده أنها تابت وعادت إلى الإسلام وهى أمور تتصل بالعقيدة الدينية والتي تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان، ولا يجوز لقاضى الدعوى أن يبحث في بواعثها ودواعيها، ومن ثم يكون قد عاد ملكها إلى مالها بعد أن كان قد زال عنها بردتها زوالاَ موقوفاَ، ومن ثم تقضى المحكمة بضبط اعلام الوراثة .