بعد المفاجأة المذهلة للجيشين المصرى والسورى ضد العدو الإسرائيلى يوم 6 أكتوبر، 1973، بدأت شدة المعارك فى البر والجو، الأحد 7 أكتوبر، مثل هذا اليوم، لكن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية توقعتها، فواصلت قتالها طبقا للخطة المرسومة، حسبما يذكر المشير محمد عبدالغنى الجمسى، رئيس هيئة العمليات أثناء الحرب ثم رئيس الأركان، ووزير الحربية حتى أكتوبر 1978.
يتذكر الجمسى: «فى هذا الصباح (7 أكتوبر) قامت قوات الجيشين الثانى والثالث بصد هجمات العدو المضادة، وبدأت معركة «القنطرة شرق» لتحرير المدينة، ودارت المعارك الجوية على أشدها، وكانت قوات الصاعقة تشعل النيران فى آبار ومنشآت البترول على الشاطئ الشرقى لخليج السويس».. يؤكد: «تنفيذا للخطة الأمريكية لإسرائيل بتوجيه ضربة قوية ضد شبكة الدفاع الجوى، اقتربت فى الصباح المبكر من هذا اليوم أعداد كبيرة من الطائرات الإسرائيلية، وصل عددها إلى 160 طائرة، تطير على ارتفاعات منخفضة فوق البحر المتوسط فى اتجاه المطارات المصرية فى شمال ووسط الدلتا، وفوق البحر الأحمر فى اتجاه مطاراتنا فى الصحراء الشرقية، كانت إسرائيل ما زالت تعيش فى وهم أن سلاحها الجوى قادر على توجيه ضربة قوية ضد مطاراتنا ووسائل الدفاع الجوى، وظنت أنها يمكنها التغلب على شبكة الرادار المصرية وتحقق المفاجأة أثناء هجومها».
يؤكد الجمسى: «أيقن الطيارون الإسرائيليون بمجرد اقترابهم من الأهداف المحددة لهم أن قواتنا الجوية وقوات الدفاع الجوى تغيرت جذريا عما كانت عليه فى الحروب السابقة، وجدوا المقاتلات الاعتراضية المصرية فى انتظارهم، وتدخل المعركة الجوية ضدهم، ومن نجح منهم فى تجنب المقاتلات المصرية وتسلل على ارتفاع منخفض فى اتجاه هدفه، وجد نفسه فى نيران المدفعية المضادة للطائرات والصواريخ المحمولة على الكتف، ومن حاول الارتفاع هربا من المصير المحتوم تلقفته صواريخ سام بضرباتها، ألقى الطيارون الإسرائيليون حمولاتهم أينما كانوا وعادوا هاربين إذا كتب لهم النجاة من المعارك الجوية، وفى نهاية قتال هذا اليوم كنا أسقطنا للعدو 57 طائرة يومى 6و7 أكتوبر، منها 27 طائرة فى اليوم الأول، وفقدنا 21 طائرة مقاتلة، منها 15 فى اليوم الأول».
يذكر الجمسى، أنه بعد اكتمال صورة الموقف أمام القيادة العسكرية الإسرائيلية فى الساعة الحادية عشرة مساء 7 أكتوبر، اعترف رئيس الأركان الإسرائيلى «إليعازار»: «أقول بمرارة إننا من بعد ظهر هذا اليوم كنا فقدنا سيطرتنا على توجيه قواتنا فى المنطقة الشرقية كلها، كان تقدم القوات العربية على الجبهتين الشمالية (الجولان) والجنوبية (سيناء) يسير بمعدل واحد، كنا أمام خطة محكمة تنفذ على جبهتين عريضتين، وكأنها تنفذ على جبهة واحدة، أما ديان (وزير الدفاع) فكان منهارا ومحطما، لا يدرى ماذا يفعل أو بأى لهجة يتحدث».
وفيما كان هذا التفوق العسكرى يتواصل، فتح السادات قناة اتصال مباشرة مع الإدارة الأمريكية، وفقا لمحمد حسنين فى كتابه «أكتوبر 73.. السلاح والسياسة»، مؤكدا أنه بعث برسالة إلى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية، وقعها باسم حافظ إسماعيل مستشاره للأمن القومى، واحتوت على بنود كان أكثرها إثارة قوله: «لا تعتزم مصر تعميق الاشتباكات أو توسيع المواجهة».. يفسر «إسماعيل» هذا البند فى مذكراته «أمن مصر القومى فى عصر التحديات»: «التزمنا بعدم تعميق الاشتباكات، فلا يقحم المدنيون فى المراكز الآهلة بالسكان فى عمق البلاد أو الأهداف الاقتصادية، وكان هدفنا هو تأمين مراكزنا السكانية والاقتصادية، والتزمنا بعدم توسيع جبهة المواجهة، وذلك بتجنب إقحام المصالح الغربية فى منطقتنا تجنبا للإضرار باقتصاد شعوب اليابان وأوروبا الغربية».
لكن كيسنجر فهمها على نحو مختلف، كما ذكر فى مذكراته التى ينقل «الجمسى» منها قوله: «هذه الجملة الواردة فى المذكرة لا تخلو من التنويه بأن مصر غير راغبة فى متابعة العلميات العسكرية ضد إسرائيل، بعد الأراضى التى كسبتها، أو تُحمل أمريكا كامل مسؤولية ما يحدث كما فعل عبدالناصر 1967»، ويعلق هيكل: «كانت أول مرة ربما فى التاريخ كله يقول فيها طرف محارب لعدوه نواياه كاملة، ويعطيه من التأكيدات ما يمنحه حرية فى الحركة السياسية والعسكرية على النحو الذى يراه ملائما له وعلى كل الجبهات، ذلك أن هذا التعهد بعدم تعميق مدى الاشتباكات أو توسيع مدى المواجهة معناه بالنسبة لإسرائيل - وقد كانت الرسالة فى نهاية المطاف واصلة إليها - أنها تستطيع أن تعيد ترتيب موقفها بأعصاب هادئة، وتستطيع تنظيم أولوياتها، وكان ذلك ما حدث فعلا، واختارت إسرائيل الواثقة من نوايا الجانب المصرى أن تركز كما تشاء على الجبهة السورية، ثم تعود بعد ذلك إلى الجبهة المصرية لتصفية باقى الحسابات، ومن سوء الحظ أن كيسنجر فهم الرسالة بما تعنيه».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة