ربما تكون الثقوب السوداء هى أكثر الأشياء غموضًا فى الطبيعة، فهى تشوه المكان والزمان بطرق متطرفة وتحتوى على استحالة رياضية، لكن إذا كانت الثقوب السوداء موجودة وهى سوداء حقًا، فكيف سنكون قادرين على ملاحظتها؟ لذا أعلنت لجنة نوبل صباح أمس الأول منح جائزة نوبل فى الفيزياء لعام 2020 لثلاثة علماء هم السير روجر بنروز ورينهارد جينزل وأندريا جيز، الذين ساعدوا فى اكتشاف الإجابات على مثل هذه الأسئلة الصعبة، كما أن أندريا جيز هى رابع امرأة تفوز بجائزة نوبل فى الفيزياء.
وروبرت بنروز فيزيائى نظرى يعمل على الثقوب السوداء، وقد أثرت أعماله على أجيال بأكملها من خلال سلسلة كتبه المشهورة المليئة برسومه التوضيحية الرائعة المرسومة باليد للمفاهيم المادية العميقة، وفقا لـ "جوراف خانا" أستاذ الفيزياء بجامعة ماساتشوستس.
رسومات روبرت بنروز
النجوم المحتضرة تشكل ثقوبًا سوداء
فاز السير روجر بنروز بنصف الجائزة عن عمله الأساسى فى عام 1965 والذى أثبت باستخدام سلسلة من الحجج الرياضية، أنه فى ظل ظروف عامة جدًا، فإن المادة المنهارة من النجوم تؤدى إلى تكوين ثقب أسود.
وفتحت هذه الاكتشافات إمكانية أن تؤدى العملية الفيزيائية الفلكية لانهيار الجاذبية، -والتى تحدث عندما ينفد النجم من وقوده النووى-، إلى تكوين ثقوب سوداء فى الطبيعة، وكان بنروز قادرًا أيضًا على إظهار أنه فى قلب الثقب الأسود يجب أن يكمن التفرد المادى وهو جسم ذو كثافة لا نهائية، حيث تنهار قوانين الفيزياء ببساطة، وفى حالة التفرد، تتفكك مفاهيمنا عن المكان والزمان والمادة، وربما يكون حل هذه المشكلة أكبر مشكلة مفتوحة فى الفيزياء النظرية اليوم.
وتوصل بنروز لمفاهيم وتقنيات رياضية جديدة أثناء تطوير هذا الدليل، وتلك المعادلات التى اشتقها بنروز عام 1965 استخدمها علماء الفيزياء الذين يدرسون الثقوب السوداء منذ ذلك الحين، ففى الواقع، بعد بضع سنوات فقط، استخدم ستيفن هوكينج، جنبًا إلى جنب مع بنروز، الأدوات الرياضية نفسها لإثبات أن النموذج الكونى للانفجار العظيم - أفضل نموذج حالى لكيفية نشوء الكون بأكمله - كان يتمتع بالتفرد فى اللحظة الأولى، وهذه نتائج من نظرية بينروز-هوكينج الفريدة.
وحقيقة أن الرياضيات أثبتت أن الثقوب السوداء الفيزيائية الفلكية قد تكون موجودة بالضبط فى الطبيعة، وهو ما حفز السعى للبحث عنها باستخدام التقنيات الفلكية، فمنذ عمل بنروز فى الستينيات، تم التعرف على العديد من الثقوب السوداء.
الثقوب السوداء وعلاقتها بالنجوم
تم تقاسم النصف المتبقى من الجائزة بين علماء الفلك رينهارد جينزل وأندريا جيز، اللذين يقود كل منهما فريقًا اكتشف وجود ثقب أسود هائل، أكبر بـ 4 ملايين مرة من الشمس، فى مركز مجرتنا درب التبانة.
الثقب الأسود المكتشف
جينزل عالم فيزياء فلكية فى معهد ماكس بلانك لفيزياء خارج الأرض بألمانيا وجامعة كاليفورنيا فى بيركلى، أما جيز فهى عالمة فلك بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس.
واستخدم جينزل وجيز أكبر تلسكوبات فى العالم (مرصد Keck والتلسكوب الكبير جدًا) ودرسوا حركة النجوم فى منطقة تسمى Sagittarius A * فى مركز مجرتنا، واكتشف كلاهما بشكل مستقل أن جسمًا هائلًا للغاية - أكبر بـ 4 ملايين مرة من شمسنا - غير مرئى يسحب هذه النجوم، مما يجعلها تتحرك بطرق غير عادية للغاية، ويعتبر هذا أكثر الأدلة إقناعاً على وجود ثقب أسود فى مركز مجرتنا.