من الروايات البديعة التى صاغها الكاتب السكندرى الكبير محمد جبريل (1938) رواية رباعية بحرى التى ظهرت فى نهاية التسعينيات من القرن العشرين، وتتخذ من أولياء الإسكندرية فى منطقة بحرى عناوين لأجزائها الأربعة (أبو العباس، ياقوت العرش، البوصيري، على تمراز).
رباعية محمد جبريل عمل ليس سهلا، ولم يكتب للتسلية والمزاح، ولكنه عمل صعب، يحتاج إلى أكثر من قراءة، فهو يجمع بين خبرات طويلة ومتعددة فى الحياة وفى الأدب وفى الفن وفى الفكر، وأيضا فى التصوف وفى الجنس، وأعتقد أنهما أى التصوف والجنس فى هذه الرباعية وجهان لعملة واحدة، هى الحياة البشرية فى سموها وانجذابها نحو فك الأسر ومحاولة الانطلاق خارج حدود الزمان والمكان.
رباعية بحرى
وقال الكاتب "أحمد شبلول" عن الرواية: بين شخصيتى الراكشى، وأنسية أبدع محمد جبريل فى نسج مئات الشخصيات فى رباعيته -التى قد تحتاج إلى معجم لرصدها بدقة- بعضها شخصيات رئيسية أو فاعلة مثل الجد السخاوى صاحب الخبرة الطويلة فى عالم البحر والصيد - والذى حزنتُ كثيرا عندما مات قرب نهاية الرباعية، وكانت جنازته جنازة أسطورية أجاد الكاتب تصويرها بما يشعر القارئ بحزن المدينة كلها على وفاة هذه الجد الذى عمَّرَ فى البحر طويلا- ولعل شخصية الجد السخاوى تقترب فى بعض ملامحها من عجوز بحر أرنست هيمنجواى، وهناك أيضا سيد الفران الذى تزوج من أنسية رغم معرفته بأنها كانت تمارس البغاء قبل الزواج، ولكنه القلب وما يهوى.
أيضا هناك عبد الله الكاشف الذى يبدأ ظهوره فى الجزء الثالث من الرباعية –البوصيري- وهو ذلك الموظف الذى كان يعمل بسراى الحقانية ثم أحيل على المعاش القانونى لبلوغه سن الستين دون أن يتزوج، واكتفى بأن زوَّج أختيه، وظل يعانى الوحدة والقلق، ومن ثم يبدأ فى خوض التجربة الروحية، لكنه لا يرقى إلى مرتبة على الراكشى الذى اعتقد البعض أنه ولى من أولياء الله الصالحين، غير أنه غير ذلك فى نظر أولاده وخاصة ابنه محمد الذى اتـهم أباه بأنه كان يتركهم نـهب الجوع والقلق، ويمضى فى خزعبلاته، وتجاربه الروحية، ويتوهم أنه يستطيع أن يمد يده ويأتى لهم بالطعام من الهواء. وموقف محمد الراكشى هذا هو موقف الإدانة لعالم التصوف الذى أراد المؤلف أن يبثه من خلال إحدى الشخصيات غير الأساسية فى الرباعية، وهناك الشيخ عبد الحفيظ، وأمين عزب، وغيرهما من أصحاب النظرة الإسلامية المعتدلة فى الدين وفى الحياة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة