على الرغم من تفشي فيروس كورونا منذ الربع الأول من العام الجاري، ما أثّر على السفر والتنقلات واللقاءات الدبلوماسية بين قادة ومسؤولي الدول، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حرّص على السفر إلى الدوحة مرتين، وكانت الزيارة الأولى في يوليو الماضي، وتلتها الزيارة الثانية الأربعاء الماضي، ما لفت الأنظار إليها كونها تأتي في خضّم أحداث وتطورات سياسية واقتصادية سلبية تمُر بها كُلًا من تركيا وقطر.
التنسيق التركي القطري ليس وليد الأحداث الأخيرة فقط، فقد امتد على مدار سنوات، وخاصة بعد إعلان دول الرباعي العربي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) مقاطعة قطر دبلوماسيًا وتجاريًا في يونيو من عام 2017. واستغل الرئيس التركي ما تُعانيه قطر من تراجع المؤشرات الاقتصادية بها لإنقاذ بلاده من إنهيار عملتها الوطنية - الليرة التركية – جراء سياسته التي ورطت بلاده شرقًا وغربًا في حروب ومعارك لا دخل له بها، ولكنها جاءت فقط في سياق أساليب نظام أردوغان المُتعارف عليها لإلهاء الرأي العام التركي عما تُعانيه أنقرة من الداخل من مشكلات اقتصادية وسياسية، حيث ازدياد وتيرة الاعتقالات والقمع للأصوات المُعارذة أو حتى التي تُفكّر في انتقاد بعض من السياسات التركية.
وأعلنت الوسائل الإعلامية الرسمية التركية والقطرية عن لقاء أردوغان وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني مع الإشارة إلى أن هدف الزيارة هو بحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسُبل تطويرها، هذه العبارة الدبلوماسية الفضفاضة التي تُذكر مع كل لقاء يجمع بينهما، فيما يعلم القاصي والداني أهداف الرئيس التركي الحقيقية من توطيد العلاقات مع الجانب القطري، الذي أصبح بمثابة صراف آلي لتركيا لحلّ أزماتها الداخلية مُقابل توفير الحماية للدوحة وخاصة القصر الأميري الذي تتردد الأنباء حول صراع وشيك بداخله في ظل اشتداد مرض الأمير الوالد خليفة بن حمد آل ثاني والحديث وتدهور صحته بشكل يُشير إلى احتمالات وفاته قريبًا، ما يُتيح الفرصة لرئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم ليحاول مُجددًا استعادة نفوذه بشكل علني، ويُعقد الأوضاع بالنسبة لتميم فهو في إطار تلك الظروف أصبح في مواجهة مع مشاكل على المستويين الداخلي والخارجي وخاصة في محيطه الخليجي حيث استمرار سياسات الدوحة في مُعاداة أشقاءها من دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية تلك الشقيقة الكُبرى لها والتي يُحاول النظام القطري الإضرار بها استغلالًا لقضية الكاتب السعودي الراحل جمال خاشقجي الذي لقى مصرعه في أنقرة، من خلال توظيف كل أذرعها لإعلامية بمساندة الوسائل الإعلامية التركية الرسمية في تصعيد الأمر وتوجيه الإتهامات هنا وهناك تجاه المملكة على الرغم من تنفيذها أحكام القضاء العادل، ما يُعد تدخلًا سافرًا في شؤونها الداخلية.
هذا ويستمر الطرفان في دعم أذرع جماعة الإخوان الإرهابية في المنطقة لاسيما السعودية ومصر والكويت، في مُحاولة لشقّ الصفّ بالداخل، وهو ما فشلا فيه على مدار السنوات الماضية نظرًا لوعي الشعوب وحكمة القادة.
الجديد في زيارة الرئيس التركي هذه المرة هو تصريحات أدلى بها إلى صحيفة "ذا بينينسولا" القطرية الناطقة بالإنجليزية، والتي بدت وكأنها رسائل مُبطنة سواء لدول الخليج أو الولايات المتحدة الأمريكية تحمل التهديد لدول الخليج وربما مُحاولة المُقاضية مع واشنطن، والتي تتواجد بدورها في الدوحة من خلال قاعدة العديد؛ وهو ما بدا في حديثه حول التواجد العسكري التركي في الدوحة، زاعمًا أن القاعدة التركية بقطر يخدم الاستقرار والسلام في منطقة الخليج. هذا ولفت إلى مُواصلة التعاون مع أمريكا في مجالات مكافحة الإرهاب ودعم الديمقراطية وإنهاء حالات عدم الاستقرار، وهو الأمر الذي يُثير السخرية إلى حد كبير؛ فقد أصبحت تركيا خلال السنوات الأخيرة بمساندة الدوحة ماليًا وإعلاميًا أكبر المتسببين في عدم الإسقرار بالشرق الأوسط، فهما من يدعم الإرهاب والتطرف والعناصر المُسلحة سواء في ليبيا أو سوريا أو العراق، إضافة إلى محاولة إقحام نفسها في مشاريع شرق المتوسط، ومُعاداتها على الرغم أن قطر ضمن هذه المعادلة، وأخيرًا التدخل التركي في خط الأزمة بين أرمينيا وأذربيجان وإشعال الاحتدام بينهما.
هذا وحاول أردوغان تشتيت انتباه الرأي العام من خلال التشكيك فيما تُدلي به التقارير العالمية والعربية حول طبيعة العلاقات القطرية والتركية وأنها قائمة على استغلال الجانب القطري، وذلك عبر الحديث عن استثمارات تركية في قطر، وصادرات أنقرة التي وصلت إلى حوالي 10% مقارنة بالعام الماضي، وأن هناك 500 شركة تركية تعمل في قطر حاليًا، مُعلنًا عن استحواذ شركات تركية لتنفيذ مشروعات بقطر، والتعاون في إتمام مشااريع فعاليات مونديال 2022 المُقرر إقامته بالدوحة. وفي واقع الأمر تأتي هذه التصريحات التركية لتؤكد على سيطرة الجانب التركي على قطر بشكل كامل؛ ليس فقط على المستوى العسكري وإنما أيضًا على المستوى الاقتصادي، حيث توغلت تركيا بالداخل القطري بشكل غير مسبوق وهو ما أصبح يُهدد الدوحة؛ فقد أصبحت واقعه بما يُشبه الاحتلال التركي بشكل غير مُباشر وهو ما يضُر بها وشعبها إن عاجلًا أو آجلًا.