للإنسان الحق في اعتناق أحد الأديان السماوية سواء أكان الإسلام أم المسيحية أم اليهودية وتنبع تلك الحرية من حرية الاعتقاد المكفولة دستوريا، كما أن من حقه باعتباره أحد أفراد المجتمع ألا يتهكم أحد أو يسخر مما يعتنقه من دين أو يحط من شأن وقدر الرسل والانبياء الذين بلغوا الدين الذي يعتنقه للبشرية، إذ يعد التهكم والانكار والسخرية من الرسل طعن في الدين ذاته.
غير أن كل ذلك لا يستدعي استعداء القانون لفرض جزاء جنائي علي المخالف، إذ لا ينشط القانون لفرض ذلك الجزاء إلا إذا ترتب علي الإنكار والتهكم والسخرية زعزعة استقرار المجتمع من خلال ترويج الجاني أو تحبيذه لمثل هذا الطعن في الأديان، ولو تحت ستار مموه أو مضلل من الدين وقصد الجاني من الطعن إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي بغض النظر عن وسيلة هذا الطعن، ولو كان من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، غاية الأمر أن المشرع قد يجرم الطعن بوجه عام في الأسس التي تنهض عليها الأسر المصرية أن حدث من خلال هذه المواقع بما يشمل ازدراء ما تعتنقه تلك الأسر من أديان سماوية وهو ما نحاه المشرع في قانون جرائم تقنية المعلومات.
ازدراء الأديان من خلال مواقع التواصل الاجتماعي
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تشغل الملايين تتمثل في ازدراء الأديان من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وكيفية تصدى المشرع لمثل هذه الأفعال، حيث أنه لا يعترض علي التجريم والعقاب بالتمسح بحرية الاعتقاد المكفولة بمقتضى الدستور، إذ تلك الحرية تكون بين الإنسان ونفسه ولا تخول لصاحبها إيذاء الناس فيما يعتقدوه أو يأمنوا به من أديان سماوية، فالإنسان حر مالم يضر، ولهذا قضت محكمة النقض بأنه حرية الاعتقاد لا تبيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه ، فإذا ما تبين أنه كان يبتغي بالجدل الذي أثاره المساس بحرمة الدين والسخرية منه، فليس له أن يحتمي من ذلك بحرية الاعتقاد، طبقا للطعن رقم 21602 لسنة 84 – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
ولهذا وضع المشرع جريمة ازدراء الأديان في الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات تحت عنوان - الجرائم المضرة بأمن الدولة من جهة الداخل - إذ نصت المادة 98 "و" على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز 5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه، ولا تجاوز 1000 جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية" – وفقا لـ"فاروق".
المشرع وضع قانونى العقوبات وتقنية المعلومات لمواجهة ازدراء الأديان
كما نصت المادة 25 من قانون جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 علي أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الاسرية فى المجتمع المصرى"، وهذا النص يتسع في تاويله لمن ينتهك قيم الأسر المصرية التي يسود فيها الإسلام والمسيحية بل واليهودية من خلال ما يعتنقوه من إحدى هذه الأديان.
وجريمة ازدراء الأديان أو بالأحرى استغلال الدين في الترويج لأفكار متطرفة المنصوص عليها في المادة 98 " و " من قانون العقوبات تتطلب لتوافرها ركناً مادياً هو الترويج أو التحبيذ بأية وسيلة لأفكار متطرفة تحت ستار مموه أو مضلل من الدين آخر معنوياً بأن تتجه إرادة الجاني لا إلى مباشرة النشاط الإجرامي وهو الترويج أو التحبيذ فحسب، وإنما أيضا أن تتوافر لديه إرادة تحقيق واقعة غير مشروعة وهى إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي، وذلك طبقا للطعن رقم 41774 لسنة 59 قضائية – الكلام لـ"فاروق".
غير أنه ينبغي أن يلاحظ في هذا الشأن أن المشرع الجنائي لم يشرع بالمادة 98 "و" للعقاب على من يفكر في الدين ويجتهد برأيه ولو أسلمه التفكير إلى الخطأ، وإنما وضعت المادة 98 لعقاب من يستغل الدين في الترويج لأفكار متطرفة بقصد تحقير الدين وازدراءه مثل قتل من يخالف الدين أو يعتنق دين آخر أو من يومن بمذهب معين وإحلال العنف محل المجادلة بالحسنى والتصفية الجسدية، ولكنها لم تشرع لعقاب من يخالف رأي فقيه أو أمام مهما بلغ قدره وعلي شأنه علم، ليس هذا فحسب بل يجب أن تكون غايه الجاني آثاره الفتنة أو تحقير الدين أو الإضرار بالوحدة الوطنية، ويجب التفرقة بين النص الديني وتأويله، فالاعتراف بالنص مع الشذوذ في تأويله لا غبار عليه.
والمشرع اعتبر الجريمة من جرائم "أمن الدولة"
ولهذا فإن الطعن في صواب رأي آئمة السلف بشأن بعض المسائل الدينية وانتقادهم أو ما نقلوه من أحاديث نبوية شريفة ولو كان بالتجريح ليس محل عقاب سواء تحت نصوص القذف والسب، لأنه لا قذف في حق الأموات ولا تحت نص ازدراء الأديان لأنه لا يستغل الدين في الترويج لازدرائه، ولكن الأمر يختلف بالنسبة للرسل والانبياء، إذ التجريح فيهم بما يؤثر علي ما حملوه من رسالة رب العالمين إلي البشرية يعد طعن في الدين ذاته من خلال احتقاره، كمن يطعن في أن المصطفي صلي الله عليه وسلم دجال أو لم يتلق القرآن من السماء، وإنما اصطنعه من عنده أو نقله من بشر مثله.
ولكن إنكار بعض الأحاديث النبوية التي وردت في كتب السلف والجهر بذلك لا ينطوي على استغلال الدين ولا ازدراءه ذلك أن أئمة المسلمين ذاتهم اختلفوا في تلقى السنة حقاً أننا جميعاً كمسلمين متفقون على أن السنة هي الأصل الثاني للدين، وما كان لمسلم أن يرفضه بعد قوله تعالى " من يطع الرسول فقد أطاع الله " ولكن الخلاف بين الأئمة نشأ من أن بعضهم قد يصل إليه حديث لا يصل إلى غيره، كما أنهم يختلفون في شروط قبول الحديث، فالشيعة الأمامية - مثلاً - لم يقبلوا إلا الأخبار التي تعود بإسنادها إلى آل البيت ولم يقبل الخوارج إلا الأحاديث التي رويت قبل الفتنة في عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أما جمهور أهل السنة، فإنهم يقبلون الأحاديث الصحيحة كلها لكنهم اشترطوا شروطاً، فمنهم من قبل روايات الآحاد، ومنهم من اشترط موافقة الحديث لعمل أهل المدينة، ومنهم من اشترط شروطاً في الرواة أو شروطاً في المتن "نص الحديث"، وكما وقع الخلاف في قبول الأحاديث وقع الخلاف في فهم معناه.
ويلاحظ أنه إذا وقعت جريمة ازدراء الأديان من خلال مواقع التواصل الاجتماعي كان نص المادة 98 "و" عقوبات هو المرشح للتطبيق دون نص المادة 25 من قانون جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنه 2018 علي اعتبار أن نص المادة 98 وعقوبات من النصوص الخاصة، إذ صرح المشرع في تلك المادة بأنه لا اعتداد بالوسيلة التي لجأ اليها الجنائي في ازدراء الدين محدد نمط محدد في الانتهاك وهو الاعتداء علي أحد الأديان السماوية في حين أن نص المادة 25 من قانون جرائم تقنية المعلومات جاء عام في انتهاك قيم المجتمع دون تحديد نمط انتهاك بعينه ومن المعلوم أن الخاص يقيد العام.