تعد فضيحة قطر باركليز واحدة من أكثر القضايا الكاشفة لفساد الطبقة الحاكمة فى الدوحة، التى تعكس رؤيتها باستخدام الرشوة لتحقيق مصالحها. وبرز فى هذه الفضيحة اسم رئيس وزراء قطر الأسبق حمد بن جاسم، حيث اتهمت السلطات البريطانية، مديرين تنفيذيين سابقين في باركليز، بعقد صفقات زائفة مع بن جاسم، وصندوق الثروة السيادية في قطر، للحصول على إيداعات لرؤوس أموال قطرية.
وفى بداية هذا العام، مثل ثلاثة مسئولين تنفيذيين سابقين فى بنك باركليز أمام هيئة محلفين فى لندن فى محاكمة جنائية حظيت باهتمام واسع فى الصحف البريطانية، وكانت من أهم القضايا الخاصة بمكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة فى بريطانيا، وتعلقت بمدفوعات لم يتم الكشف عنها عندما قام باركليز بجمع أكثر من 11 مليار استرلينى من المستثمرين فى 2008 لتفادى إنقاذ حكومى فى ظل الأزمة المالية العالمية فى هذا العام.
وشملت هذه القضية توجيه الاتهامات لمسئولى باركليز بالاحتيال والتزوير وهم جون فارلى الرئيس التنفيذى السابق للبنك، ورئيس أنشطة تمويل الشركات ريتشارد بوث، و روجر جينيكيز المدير التنفيذى السابق للشرق الأوسط. ورغم تبرئة هيئة المحلفين للمتهمين فى وقت سابق هذا العام، إلا أن شبهات الفساد ظلت تطارد قطر، لاسيما فى ظل الجدل حول الكيفية التى حصلت بها على حق تنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2022، ناهيك عن قضايا فساد أخرى على الساحة الدولية.
واستندت القضية على معلومات قدمها "باركليز" للسوق فى وثائق عامة، مثل نشرات الإصدار واتفاقات الاكتتاب، التى توضح الرسوم والعمولات التى دفعها البنك إلى المستثمرين، ومن بينهم رئيس الوزراء القطرى السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى.
ووجه ممثلو الإدعاء البريطانى وجهوا تهم جديدة لمدراء سابقين فى البنك من بينها محاولة شرعنة التحويلات المالية القطرية التى كان لها دور فى إنقاذ البنك من طوفان الأزمة المالية العالمية عام 2008، إلا أنها كان لها ـ بطبيعة الحال ـ تأثير على استقلالية البنك.
وقال ممثلو الإدعاء فى مكتب الاحتيال الخطير ببريطانيا إن محاولات رؤساء بنك باركليز السابقين لإظهار الخدمات الاستشارية التى قدمتها قطر كانت مجرد "غطاء" لمحاولة إضفاء شرعية على الأموال الاحتيالية التى قدموها إمارة تميم فى عام 2008.
واستمعت هيئة المحلفين فى محكمة أولد بيلى بلندن إلى ما قاله الإدعاء بأن المسئولين التنفيذيين السابقين ببنك باركليز قد حاولوا جمع أدلة لإظهار أن الأموال التى تم دفعها لقطر كانت مجرد مقابل خدمات استشارية حقيقية، وليس وسيلة لإخفاء رسوم غير شرعية بقيمة 322 مليون إسترلينى.
وقال إدوارد براون، ممثل الإدعاء فى مكتب المدعى العام: "من الواضح أنه كانت هناك بعض المحاولات (بعد الحدث) لإظهار أن بعض الخدمات قد تم تقديمها. لم تصل تلك المحاولات إلى حد تبرير الأموال الضخمة التى تم دفعها للقطريين، ولم تكن، كما يمكنك أن تستنج، أكثر من محاولة للسعى لإضفاء الشرعية على ما ذهب من قبل".
وقال ممثل الادعاء إن "باركليز" نحى جانبا الممارسات المصرفية المتعارف عليها والمتمثلة فى قول الحقيقة فى الوثائق العامة بخصوص الشروط التى يدعم المستثمرون البنك على أساسها عندما كانت أزمة الائتمان تهز الأسواق، وذلك بهدف الحصول على استثمار بنحو أربعة مليارات استرلينى من قطر الغنية على مدى عام 2008.
وأشار براون إلى أن ريتشارد بوث، رئيس المؤسسات المالية السابق في أوروبا في بنك باركليز، لفت إلى أن جميع المتهمين كانوا يعلمون أن ما يسمى "باتفاقيات الخدمات الاستشارية" تستخدم لإخفاء رسوم إضافية إلى قطر، وهو ما يعني أنها رشوة.
وأوضح براون أنه في مكالمة هاتفية وقت الأزمة لزيادة رأس المال عام 2008، أعرب بوث عن قلقه من وصول هذه المعلومات للصحفيين، مضيفا أن المدعى عليهم الأربعة أخفوا الرسوم الإضافية التي دفعوها للمستثمرين القطريين عن السوق.
وفى يوليو الماضى، قال ماركوس أجيوس، رئيس مجلس إدارة بنك باركليز السابق، إنه شعر بالصدمة من اتفاق شراء قطر أسهما في البنك في محاولة إنقاذه من الإفلاس وسط الأزمة المالية التي عصفت بالعالم في العام 2008، معتبر الاتفاق "خدعة مشينة
وكان الاتفاق يقضي حينها بأن تتقاضى قطر، عبر جهاز قطر للاستثمار، 280 مليون جنيه إسترليني (351 مليون دولار) من رسوم مبيعات الأسهم لدى البنك، في محاولة لإنقاذ انهياره في ذروة الأزمة المالية.
وقال الرئيس التنفيذي السابق للبنك جون فارلي خلال شهادته أمام هيئة محلفين في محاكمة جنائية العام الماضي، إنه لم يتم إخطاره بالرسوم المدفوعة إلى قطر الغنية، إلا بعد سنوات من ذلك.
وخلال استجواب فارلي، كشفت شركة "بي سي بي كابيتال بارتنرز"، أن أجيوس أخبر المدعين أن الاتفاقية كانت "شائنة"، وكان لا يجب إبرامها بدون مساهمة المجلس.