رغم محاولات تركيا تحسين أوضاعها الاقتصادية بإقالة عدد من المسؤلين على رأسهم محافظ البنك المركزى وآخرين بجانب تقدم وزير المالية باستقالته احتجاجا على الأوضاع فإن الاقتصاد التركى يواصل الانهيار متمثلا فى انهيار العملة وعدم القدرة على سداد الديون، مما ينذر بقفز المزيد من قيادات تركيا من السفينة قبل غرقها.
فالسياسات الخاطئة تسببت فى اقتراب البلاد من الإفلاس جراء انهيار عملتها وعدم قدرتها على سداد الديون الخارجية وتراجع نموها بالسالب مع عدم قدرتها على سداد ديونها الخارجية.
وقالت وكالة ستاندرد اند بورز جلوبال للتصنيفات الائتمانية اليوم الاثنين، إن تداعيات تغيير محافظ البنك المركزي في تركيا واستقالة وزير المالية على السياسة النقدية ما زالت غير واضحة.
وقال ماكسيم ريبنيكوف المدير المساعد في ستاندر اند بورز في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى رويترز، إن السلطات التركية أحجمت في السابق عن تشديد تكلفة الائتمان رغم أنها قررت زيادة قدرها 200 نقطة أساس في سعر فائدة الريبو في نهاية سبتمبر أيلول وأيضا المزيد من الإجراءات غير المباشرة لتضييق الائتمان.
وأضاف قائلا : "ما زلنا ننتظر لنرى ما إذا كانت التغييرات في القيادة التي أُعلنت مؤخرا قد تدعم خطوات أكثر حسما في نفس الاتجاه".
وفى الوقت الذى كانت التوقعات تشير إلى صعود تركيا قبل عدة سنوات فإن الأوضاع تبدلت بشكل كبير وازدادت الأوضاع سوءا تزامنا مع جائحة كورونا ، حيث يعانى الاقتصاد التركى تراجعا كبيرا فى مؤشراته، وسط توقعات بأن يشهد انكماشا بنسبة 5% خلال العام الجاري.
وحذر الرئيس التنفيذى السابق لصندوق النقد الدولى ديزموند لاكمان، من أن تركيا ستكون من بين أولى الدول التى ستتخلف عن سداد ديونها إذا ساءت أوضاع السيولة العالمية.
وقال لاكمان فى مقابلة مع موقع "ليبرال" الإخبارى اليونانى إن الشركات والبنوك التركية سوف تواجه قريبا مشاكل فى سداد حوالى 300 مليار دولار من الديون بسبب ضعف الاقتصاد والعملة فى البلاد.
وشدد لاكمان على أن الاقتصاد التركى "منفصل عن الواقع"، وهو ما يبدو جليا فى "التفاؤل المفرط" الوراد بأحدث برنامج اقتصادى أعلن عنه صهر الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، بيرات ألبيرق أواخر الشهر الماضي، حسبما ذكر موقع "أحوال" المتخصص بالشأن التركي.
ولفت لاكمان إلى أنه بينما تمر تركيا بأزمة اقتصادية خانقة تعمّق جائحة كورونا من تداعياتها، أكد بيرات ألبيرق أن اقتصاد البلاد سيتعافى العام القادم، وينمو بمعدل 6 فى المئة تقريبا، متجاهلا تراجع الليرة التركية بنسبة 25 فى المئة هذا العام، وكذلك تلاشى معظم احتياطيات البنك المركزى من العملات الأجنبية لصالح دعم الليرة.
ويواصل الاقتصاد التركى مسلسل التدهور المستمر، حيث سجلت الليرة أضعف مستوياتها فى نحو أسبوع الثلاثاء بفعل بواعث القلق من احتمال فرض عقوبات بعد أن نشرت "بلومبيرغ" تقريرا أفاد بأن أنقرة ستختبر قريبا منظومة الدفاع الجوى الروسية إس-400 التى اشترتها، وفقدت الليرة حوالى 0.5% لتسجل 7.8 مقابل الدولار، وبلغ سعرها 7.7950 ليرة.
ويرجع محللون السقوط الحر لليرة التركية بحسب ما ذكرته سكاى نيزو إلى العديد من الأسباب، فبجانب التوترات الجيوسياسية فى المنطقة، فإن عدم استقلالية البنك المركزى التركى وسط تدخلات أردوغان ومعارضته لرفع معدلات الفائدة ساهمت فى زعزعة ثقة المستثمرين فى الاقتصاد.
كذلك فإن معدلات التضخم أعلى من معدل الفائدة على الليرة التركية، مما يعنى عدم جدوى الاستثمار فى الأصول التركية، مما يفسر الضغوط التى تتعرض لها الليرة.
وباءت تدخلات المركزى التركى لاحتواء تراجع الليرة بالفشل، خصوصا وسط تآكل الاحتياطى النقدى الأجنبى الذى تراجع بمقدار الثلث تقريبا لدعم قيمة الليرة، وهبوط عائدات السياحة والتصدير بسبب أزمة وباء كورونا.
كما أصبحت تركيا التى كانت لسنوات من أكثر الاقتصادات تسارعا فى النمو على مستوى العالم، تدفع ثمن هذا النمو الذى اعتمد فى المقام الأول على الاقتراض بالعملة الأجنبية من الخارج، وهو ما يعرف اصطلاحا بنموذج النمو المدفوع بالديون، وعملت الشركات والمؤسسات التركية على الاستدانة من الخارج خلال العقد الماضى مستفيدة من تدنى معدلات الفائدة فى الأسواق العالمية لمواجهة الأزمة المالية العالمية التى اشتعل فتيلها فى العام 2008.
وساهم هذا الإجراء فى رفع معدلات النمو فى السنوات الماضية، إلا أنه أدى أيضا إلى تضخم الدين الخارجى لتركيا خصوصا لدى القطاع الخاص الذى يستحوذ على 65% من هذه الديون، وأن كل تراجع لقيمة الليرة يزيد من مخاطر عدم القدرة على سداد الديون الأجنبية فى المدى القصير، وبالتالى المزيد من الضغط على العملة المحلية.
وتصل قيمة الدين الخارجى بالعملة الأجنبية الذى يستحق السداد خلال عام أو أقل إلى 176 مليار دولار، فى حين يصل الاحتياطى من النقد الأجنبى إلى أكثر من 45 مليار دولار، وإذا ما أضيف إلى ذلك الرقم احتياطى الذهب، فقد يصل إلى 90 مليار دولار، مما يشكل أقل معدل لتغطية الديون القصيرة فى الاقتصادات الناشئة.
وإلى جانب كل تلك الضغوط التى تتعرض لها الليرة التركية، فقد جاء وباء كورونا ليعمّق جراح الاقتصاد التركي، حيث يتوقع صندوق النقد الدولى انكماشا بـ5% خلال العام الجارى، وانكمش الاقتصاد التركى بنسبة 9.9%، خلال الربع الثانى من العام الجارى مقارنة بالربع الأول.
وبحسب "الأسوشيتد برس"، فإن هذا التراجع جاء عقب إجراءات الإغلاق التى تم فرضها لاحتواء جائحة فيروس كورونا المستجد، وفى محاولة للإنقاذ رفع البنك المركزى التركي، مؤخرا سعر الفائدة من 8.25 إلى 10.25، فى محاولة لوقف نزيف العملة المحلية المتواصل أمام العملات الأجنبية.
وتعد الزيادة هى الأولى فى عامين بعد أن بلغت الليرة سلسلة من المستويات القياسية المتدنية مقابل العملات الصعبة على مدى الشهر الفائت، وهوت الليرة أكثر من 22% أمام العملة الأمريكية منذ بداية العام، لتأتى بين أسواء العملات أداء فى العالم.
وهبطت أيضا إلى مستوى قياسى منخفض جديد مقابل العملة الأوروبية عند 9 ليرات لليورو، موسعة خسائرها هذا العام إلى حوالى 26 %، وأفادت وكالة رويترز بصعود الليرة إلى 7.5600 مقابل الدولار بعد إعلان أسعار الفائدة، من نحو 7.71 قبل ذلك.
ويواصل الاقتصاد التركى مسلسل التدهور المستمر وذلك بالتزامن مع تعرض السياسة الخارجية التركية لهزات فى أكثر من ملف، حيث كشف تقرير صحفى عن أزمة اقتصادية تواجهها تركيا، رغم مسارعتها لعمليات إنقاذ لدعم القطاع الصناعي، وقال إنه تمت تصفية نحو 10 آلاف شركة.
ومع هذا العدد من الشركات المغلقة الذى حطّم الرقم القياسي، خلال الأشهر الـ9 الأولى من العام الحالي، فإن الشركات التركية تواجه تحديات كبيرة فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد منذ عامين تقريبا، وما زاد فداحة أوضاعها أزمة وباء فيروس كورونا، فكان الملجأ الأخير أمامها إعادة جدولة مديونياتها فى محاولة للهروب من شبح الإفلاس.
وقال تقرير لصحيفة (زمان) إن اتحاد الغرف والبورصات التركى أعلن أن 10 آلاف 453 شركة أغلقت فى الأشهر التسعة الأولى من عام 2020، فى مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، إذ بلغ حينها 9385 شركة، ما يشير إلى ارتفاع بنسبة 11%.
وزاد فى تركيا عدد الشركات التى أغلقت بشكل مضطرد منذ عام 2015، إذ يشار إلى أن 1808 من أصل 10 آلاف 453 شركة، والتى أغلقت فى الفترة من يناير إلى سبتمبر كانت "شركات مساهمة".
وأغلب تلك الشركات المساهمة، كانت تعمل فى قطاع إنتاج الطاقة الكهربائية، وبناء المبانى السكنية وغير السكنية، والاستشارات الفنية للأنشطة الهندسية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة