صدر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، كتاب جديد بعنوان "ظل الوردة: جدل الحداثة والقصيدة" من تأليف رضا ياسين، وهو إبحار في قصيدة النثر وصراعاتها ومحاولة إثبات ذاتها بجانب الكيانات الإبداعية الأخرى، وعن الحداثة وأثرها على المجتمعات العربية وأثرها على الإبداع العربي بصفة عامة والشعر بصفة خاصة، وكيف دخلث القصيدة العربية مضمار سباق الحداثة، ولم تستطع أنْ تُغمضَ عينيها عن الانقلابات المعرفية والوجدانية لدى الشعوب التي خرجت منها، فتطورت عبر تاريخ طويل من التغيرات الجذرية والتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية، ومرت في منحنيات الوعي الثقافي العربي، وقابلت صدودا ونفيا من المتلقى، الذي نظر بريبة إلى الشكل الجديد للقصيد المتمرد.
ويرصد الكتاب المشهد الإبداعى من خلال مسيرة عدد من الشعراء الكبار والموهوبين، موضحا أن لكل منهم رؤيته الخاصة وأسلوبه المتفرد الخاص، ويرى أن بعضهم أصبح فارقا في المشهد الشعرى المصرى.
ويقدم المؤلف في كتابه رؤية تنظيرية وتطبيقية للحداثة وآثارها وتجلياتها على المستوى الإبداعى، وقد قام الباحث بالمزج بين ما هو تطبيق، في قراءة تأويلية كاشفة لنصوص الشعراء محل الدراسة، قراءة تأويلية محكومة بأليات النص ذاته.
ويتعرض الفصل الأول من الكتاب لمفهوم الحداثة، حيث يتناول سؤال الحداثة ومرجعياتها وآلياتها، كما تناول الفصل الثانى قصيدة النثر في نسختها الحداثية العربية، وتحولات المشهد الشعرى فيها، وإشكاليات قصيدة النثر والجدل والصراع الدائر حولها.
كما تعرض الفصل الثالث من الكتاب لبنية قصيدة النثر وما تراءى لنا من تشابهات وسمات في بنية القصيدة النثرية عبر الزخم الإبداعى المتراكم في الدراسات النقدية السابقة، إذ لم يغفل الباحث قدر تلك المساحات وأهميتها، وأهمية الاستناد إليها في تكوين الرؤية والبحث عن الجذور.
وقد اختار الباحث أن يتحاور مع المنجز الشعرى لعدد من الشعراء، هم: إيمان مرسال، محمود الزيات، محمد سالم، بهية طلب، أمل جمال، عزمى عبد الوهاب، حاتم الجوهرى، كريم عبد السلام، عماد أبو صالح، عبد الغفار العوضى، أشرف يوسف.
ولا يدعى الباحث هنا أن هؤلاء الشعراء يمثلون وحدهم المشهد الشعرى، إذ أن هذا المشهد يحتوى ويضم الكثير من زهور الشعر ووروده، ومن الصعب عمليا رصد الجميع والكتابة عنهم وتلك إحدى صعوبات الدراسة.
ويرى المؤلف أن الشاعر كريم عبد السلام أنجز الكثير من الإبداعات والدواوين الشعرية منذ بداية انطلاقه عبر النشر المحدود في مدينة المنصورة، لينتقل بعدها إلى القاهرة ليعمل في مجال الصحافة والإشراف على الدوريات الثقافية، لكنه مع ذلك استطاع أن ينجز العديد من الدواوين الشعرية المصاحبه لعمله.
الدراسة تشير إلى أن التشكيل البصرى للنص، ينجح في تشكيل دلالة للنص وتوجيهها، لتقوم الصورة بالتكثيف والمباغتة داخل النص النثرى حيث تعمل على ثرائه، وتعدد دلالاته، وقدم كريم عبد السلام صورا مكثفة سريعة في مقاطع صغيرة، كما في ديوانه "استئناس الفراغ" حيث يرسم صورة عن اللغة ذاتها فيقول:
اللغة،
أرض ذات تعاريج وأحراش
ودروب سريعة ممهدة
غابات من الأحلام والطعوم والروائع
موضحا أن هذه الصورة التجريدية والتي اعتمدت على الذهنية في تشكيل صور الديوان في مواطن كثيرة خلال الديوان، وهو ديوان مبكر للشاعر، سنتجدها تتناثر أيضا على مستوى منجزه الشعرى الآخر.
ويوضح الباحث أن التناص مع المقدس الدينى في تجلياته جذبت الكثير من الشعراء في استلهامه، والكتابة على منواله، أو التجاذب مع نصوص أخرى لكبار الشعراء، وفى ديوانه الشعرى "مراثى الملائكة في حلب" تظهر نصوص أدبية أخرى في شعر كريم عبد السلام، فنجد رواية العجوز والبحر في تناص يتقاطع مع النص الحاضر للشاعر، وما بين النص الغائب "العجوز والبحر" للروائى هيمنجواى، والنص الحاضر، يشتبك النصان في جدلية صراع، ليأخذ النص الشعرى كاملا إلى مستوى من الصراع الوجودى مع الآخر، حيث يقول الشاعر:
لم يظهر القمر
لاحت نجوم صغيرة
تحولت إلى ومضات سجائر تقترب
لست عجوز هيمنجواى يا أوغاد
ولن تنهشوا سمكتى
المياه تجف تدريجيا، ويظهر القاع الذى نهبط إليه
والنجوم عيون وحوش تشعر بأنفاسها وزمجراتها
الطريق، أين الطريق في هذا الدغل الطينى
وفى النهاية شدد المؤلف على أن الإبداع يظل منفتح التأويل، ويظل المنتج الإبداعر "قصيدة، رواية، قصة" كالوردة التى تفوح بشذاها في الهواء الطلق، ولها ظلال كثيرة، ويظل التأويل المصاحب لتلك الوردة وظلالها هو جهد بشرى قاصر حتى يصيب أو يخطئ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة