مسألة تعدد الزوجات وهي من المسائل الشائكة التي أثارت جدلاً كبيراً ومازالت تتعلق بحقوق المرأة في الدول الإسلامية على الخصوص بهدف تسليط الضوء على التطور الذي طرأ على التشريعات الأسرية في تلك الدول بقصد التقييد من هذه الظاهرة بوضعها تحت رقابة القاضي، وقد تبين أن البعض من تلك الدول منعت التعدد أصلاً والبعض أباحته طبقاً للشروط العامة في الشريعة الإسلامية.
بينما أغلب الدول والتشريعات الأكثر تطورا منها ألزم القاضي بعدم إبرام عقد الزواج في حالة التعدد إلا بعد التأكد من تحقق بعض الشروط، وإذا كانت بعض الدول الإسلامية غير العربية قد وسعت من الشروط التي يجب على القاضي التحقق منها غير العدد والعدل والقدرة على النفقة، فإن قانون الأسرة ا اقتصر على الشروط العامة، وأضاف إليها موافقة الزوجة الأولى والمرأة الثانية المراد الزواج بها، والمبرر الشرعي الذي لم يحدد له ضوابط.
تعدد الزوجات في التشريعات العربية
وتعدد الزوجات من جملة المواضيع التي تثير الكثير من المناظرات والجدل الواسع واحتجاج الكثير من المنظمات والجمعيات النسائية، والتي تطالب بالنص صراحة على وضع ضوابط له، ومنها من تنادي بإلغائه من قانون الأسرة بالإرادة المنفردة دون أخذ اذن الزوجة جملة وتفصيلا وتعويضه بقوانين وضعية أخرى، كما بات هذا الموضوع يشغل بال مختلف شرائح المجتمع العربي، وتعددت حوله الانظار على اختلاف الأمصار العربية.
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على مسألة تعدد الزوجات في التشريعات العربية وكيفية مواجهة المشرع العربي لمثل هذه الأزمة التي تطفو على السطح من حين لأخر حيث تتباي هذه القضية إلى درجة أصبحت تشكل هاجسا بالنسبة للكثيرين خاصة النساء، وهذا ما دفع المشرع العربي إلى اختلاف نظرته بخصوص تعدد الزوجات، حسب قوة وتأثير الحركات النسوية المنادية بمنعه أو تقييده من وضع قيود على إرادة الزوج بهذا الشأن، وفرض رقابة قضائية، وهو ما يجعلنا نسأل ما مدى اختلاف نظرة التشريعات العربية لحق تعدد الزوجات في التشريع الإسلامي، وما مدي الصلاحيات الممنوحة للقاضي فيما يخص تقييد تعدد الزوجات – بحسب الخبير القانوني والمحامي سامى البوادى.
العديد من الدول الإسلامية تعيد النظر لقوانينها من وقت لأخر
في البداية - موضوع تعدد الزوجات في مصر وبقية الدول العربية والاسلامية، لا تحكمه النصوص العامة في الشريعة الاسلامية فحسب، بل يخضع كثيرا من حيث الواقع إلى العادات والاعراف والتقاليد، الموروثة عن الإباء والاجداد الضاربة في المجتمعات والممزوجة بتلك الأحكام والنصوص العامة، كما أن مسايرة التطور ومواكبة الحضارة الأوربية بما تفرضه علي المتشبهين بها وانضمام كل الدول الاسلامية إلى الأمم المتحدة وفروعها المتخصصة، والاتفاقيات الدولية المنظمة للزواج، وحقوق الانسان وحقوق المرأة على الخصوص، وتعهدها بالالتزام بتلك المعاهدات والاتفاقيات، دفع البعض منها إلى إعادة النظر في قوانينها الداخلية وخاصة قانون الأسرة ومحاولة ادخال التعديلات اللازمة بدافع من القول منع الاجحاف بحقوق المرأة، ومنها تقييد التعدد ببعض الشروط واخضاعه لرقابة القضاء، وذلك بالنص على ضرورة استصدار رخصة مسبقة من القاضي في حالة تعدد الزوجات – وفقا لـ"البوادى".
ومن الاسباب المساقة لذلك الداعية إلى ضرورة الرقابة القضائية على التعدد كثرة حالات الاساءة والانحراف في استعمال رخصة التعدد دون تحقق الشروط الشرعية اللازمة لذلك، كالتعدد دون القدرة على العدل أو الانفاق على الزوجات والابناء، مما أدى إلى تشويه أحكام الشريعة، والاشكالية التي يطرحها هكذا المقال تتمثل في البحث عن كيفية تعامل تشريعات الدول الاسلامية مع موضوع التعدد ومدى اخضاعه لسلطة القاضي.
القانون المصري وموقفه من تعدد الزوجات
من أهم التشريعات العربية والاسلامية التي أجازت التعدد دون رخصة من القاضي، القانون المصري الذي ظل يجيز التعدد وفق الضوابط العامة للشريعة، ورغم طول الفترة وتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية في مصر فإن الكثير من أساتذة جامعة الازهر وغيرهم يرفضون صدور أي قانون يقيد تعدد الزوجات على أساس أن ذلك يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية، فتعدد الزوجات مسموح به لمسلمي مصر على أساس أن الشريعة الإسلامية تبيح للزوج المسلم أن يتزوّج بأكثر من واحدة في حدود 4 زوجات، وبشرط العدل المستطاع بينهن، وبشرط القدرة على القيام بواجبات التعدد، ولقد جرت محاولات عديدة لتقييد تعدد الزوجات بالقضاء؛ حيث وُضِعَت مقترحات عام 1926 لإضافة شرط موافقة القضاء عليه إلى قانون الأحوال الشخصية؛ وذلك تأثراً بدعوة أطلقها الشيخ محمد عبده لأن تشرف الحكومة على تعدد الزوجات حتى لا يُقدِم عليه من ليس له استطاعة، لكن تم رفض كل تلك المقترحات من قِبل رجال الفقه، حتى صدر القانون رقم 25 لسنة 1929 الذي خلا من تقييد تعدد الزوجات. لكن لم يمنع هذا من تجدد المطالبات بتقييد التعدد، لكنها كانت تفشل في كل مرة – الكلام لـ"البوادى".
وتجددت المناقشات حول نظام تعدد الزوجات؛ فأسفرت عن إصدار القانون رقم 44 لسنة 1979، الخاص بتعديل بعض قوانين الأحوال الشخصية، والذي أوجب على الزوج المسلم أن يقدّم للموثق إقراراً بحالته الاجتماعية، وذكر أسماء زوجاته اللاتي في عصمته "إذا كان متزوجاً" مع قيام الموثق بإخطارهن بهذا الزواج، كما اعتبر القانون أن زواج الرجل على زوجته بغير رضاها أو دون علمها يعدّ إضراراً بها، حتى وإن لم تشترط عليه في عقد زواجها عدم الزواج عليها، وأعطى الزوجة حق طلب التطليق لهذا الضرر، وذلك خلال سنة من تاريخ علمها بالزواج عليها. أي أن هذا القانون اشترط لتعدد الزوجات رضاء الزوجات أنفسهن عليه.
المشرع المصرى طلب من الزوج بياناته كاملة منها عدد مرات الزواج
لكن أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكماً بعدم دستورية هذا القانون في 4 مايو 1985؛ لعيوب شكلية وإجرائية؛ فصدر القانون رقم 100 لسنة 1985 ليحل محله، وقد ألزم القانون الجديد أيضاً الزوج بأن يقرّ في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، وتوضيح زوجاته اللاتي في عصمته ومحال إقامتهن وعلى الموثق إخطارهن بهذا الزواج، وأجاز القانون الجديد للزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها الذي تزوّج عليها، خلال سنة من تاريخ علمها بالزواج بأخرى، إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي بسبب التعدد يتعذّر معه دوام العشرة، حتى ولو لم تكن قد اشترطت عليه في عقد زواجها ألا يتزوّج عليها، ويتجدد حقها في طلب التطليق كلما تزوّج بأخرى. وتأخذ نفس الحكم، الزوجة الجديدة التي لم تكن تعلم بأن زوجها متزوج بسواها؛ فلها أن تطلب التطليق كذلك، وهذا القانون لا يجعل من مجرد التعدد في ذاته ضرراً يوجب التطليق، كما كان الحال في قانون سنة 1979، بل يضع على الزوجة عبئ إثبات وقوع ضرر مادي أو معنوي عليها يدفعها لطلب التطليق من زوجها الذي تزوج عليها – هكذا يقول "البوادى".
وهذا رغم المحاولات الحثيثة لمنظمات المجتمع المدني ولجان الدفاع عن حقوق المرأة المصرية للدفع نحو إدخال تعديلات على قانون الاحوال الشخصية لتقييد حرية التعدد مثلما أكدته مؤخرا رئيسة مركز قضايا المرأة المصرية في المؤتمر الدولي بعنوان:
"الاتجاهات في إصلاح قوانين الاسرة في الدول المسلمة"، داعية إلى ضرورة إصدار قانون يساير التطورات والتغيرات في وظائف الاسرة، ويقيد التعدد بشروط تخضع للرقابة المسبقة للقاضي قبل إبرام عقد الزواج، وهناك من أنصار الشريعة الاسلامية ومن أساتذة الازهر من يؤيد صدور قانون يقيد تعدد الزوجات على سند من القول إنه لا يوجد ما يسمى بتعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية، إنما التعدد الذي أباحته شريعة الاسلام هو تعدد في أمهات اليتامى فقط، اي انه شرع فقط للنساء الأرامل أمهات اليتامى دون الفتيات أو غيرهم من المطلقات.
موقف المشرع الأردني من تعدد الزوجات
كان المشرع الاردني من حزب تشريعات الدول غير المقيدة للتعدد برخصة من القاضي ومن التشريعات التي لم تقيد تعدد الزوجات إلا بالشروط التقليدية دون حاجة إلى رخصة من القاضي طبقا لما جاء بالقانون الاردني لحقوق الأسرة، وهناك غيره من الدول الاسلامية التي لم تقيد التعدد بأكثر من الشروط التي نص عليها فقهاء الشريعة الاسلامية والمتمثلة في:
1-ألا يزيد العدد عن أربع زوجات.
2-القدرة على النفقة.
3-العدل بين الزوجات.
والحجج في ذلك كثيرة أهمها الآيات والأحاديث الصريحة التي تبيح التعدد، وبه قال جمهور فقهاء المسلمين، وأن التعدد كان سائدا ومباحاً في الاديان السابقة والأمم منذ القدم، ويحقق أغراض اجتماعية نفسية وهو ما يطالب به البعض حتى في الدول الاسلامية التي منعته كتونس، حيث أعلن أحد المحامين فيها المدافع عن الحريات والمواطنة عن إطلاق حملة لتعديل قانون الأسرة بما يسمح بالتعدد باعتباره حال لمشاكل اجتماعية: أهمها العنوسة المتفشية، وظاهرة الخليلة أو الصديقة المنتشرة والتخلي عنى الزوجة عند عجزها عن القيام بوظيفتها الأسرية وهي بحاجة إلى رعاية وعناية.
شرط ضرورة موافقة القاضي على الزواج بأخرى
كما أن الدول الغربية وبعض الدول العربية التي منعته، حسب رأي البعض لم تمنع الزنا والمعاشرة خارج إطار الزواج، ولكن التعديل الجديد للقانون الاردني للأحوال الشخصية أعطى للمرأة الحق في أن تشترط في عقد الزواج بأن لها إمكانية طلب التطليق في حالة ما إذا تزوج زوجها امرأة أخرى، فلقد عدل المشرع موقفه من التعدد بعد أن كان من انصار اباحته وفق للشروط والضوابط النصية العامة حتي تم تعديله، وأوجب المشرع على القاضي قبل إجراء العقد التحقق من قدرة الزوج المالية على المهر والنفقة، وهو إجراء تنظيمي يستند إلى سلطة ولي الأمر التقديرية في تنظيم المباح رعاية للمصلحة، ومنعا لوقوع الضرر، إعمالا للقاعدة الفقهية التي نصت على أنه يدفع الضرر بقدر الإمكان، كما أوجبت التعديلات إفهام المخطوبة بأن خاطبها متزوج بأخرى، منعاً لوقوع الضرر، وأوجبت إعلام الزوجة الأولى بعقد الزواج بعد إجرائه - وليس قبل إجراء العقد - كي لا يكون عدم علمها بالزواج سببا في ضياع الحقوق، فلقد ادرك المشرع الاردني أنه يحسن للزوج أن يبين لزوجته وأن يخبرها بالأسباب: لتعينه على أن تستمر معه، ولكن ليس حقًا لها، ولا تملك منعه.
موقف المشرع التونسي من تعدد الزوجات
يعتبر القانون التونسي من التشريعات في الدول الاسلامية التي ألغت التعدد ومنعته أيضا، حيث نصت مجلة الأحوال الشخصية التونسية أن تعدد الزوجات ممنوع، وأن الرجل له زوجة ولا يتزوج بأخرى قبل أن يكون الزواج الأول قد انحل قانوناً، ويعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا خالف ذلك، حيث يعتبر القانون التونسي التزوّج بثانية جريمة، كما يُعاقب عن مجرد التزوّج على خلاف الصيغ القانونية، وقد نصّ الفصل 18 من مجلة الأحوال الشخصية على أن:
1- تعدّد الزوجات ممنوع.
2- كلّ من تزوّج وهو في حالة الزوجية وقبل فكّ عصمة الزواج السابق يعاقب بالسجن لمدّة عام وبخطية قدرها مائتان وأربعون ألف فرنك أو بإحدى العقوبتين، ولو أنّ الزواج الجديد لم يبرم طبق أحكام القانون.
3- ويعاقب بنفس العقوبات كلّ من كان متزوّجا على خلاف الصيغ الواردة بالقانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرّخ في أوّل أوت 1957 المتعلق بتنظيم الحالة المدنية، ويبرم عقد زواج ثان ويستمر على معاشرة زوجته الأولى.
4- ويعاقب بنفس العقوبات الزوج الذي يتعمّد إبرام عقد زواج مع شخص مستهدف للعقوبات المقرّرة بالفقرتين السابقتين.
5- ولا ينطبق الفصل 53 من القانون الجزائي المتعلق بظروف التخفيف على الجرائم المقرّرة بهذا الفصل".
تونس تعاقب متعدد الزيجات بالحبس والغرامة
كما ورد بالفصل 36 بقانون الحالة المدنية ما يلي: "يعتبر الزواج المبرم خلافا لأحكام الفصل 31 أعلاه باطلا ويعاقب الزوجان زيادة على ذلك بالسجن مدة 3 أشهر، وإذا وقعت تتبّعات جزائية بمقتضى أحكام الفقرة السابقة يقع البتّ بحكم واحد في الجريمة وإبطال الزواج، وإذا استأنف أو استمرّ الزوجان على المعاشرة رغم التصريح بإبطال زواجهما يعاقبان بالسجن مدة 6 أشهر، ولا ينطبق الفصل 53 من القانون الجزائي على المخالفات المقرّرة بهذا الفصل"، واستنادا إلى أحكام الفصلين المذكورين، إذا اكتشفت زوجة أنّ زوجها يعاشر امرأة أخرى، فبإمكانها رفع الأمر إلى السلط الأمنية أو إلى وكيل الجمهورية، لأنّ ذلك يمثّل جريمة في القانون التونسي يقع تتبّعها جزائيا مع إبطال الزواج الثاني مدنيا، ومن الاسباب التي ساقها المشرع التونسي إلى حظر التعدد هو أنه طيلة القرون الماضية التي طبق فيها التعدد ثبت أن الشخص لا يمكنه الانصاف بين الزوجات، مهما سعى، ونتيجته دائما فيها إجحاف للمرأة وبخس لحقوقها ، وعدم إمكانية العدل بين الزوجات للرجل الواحد كما دلت الأية القرآنية.
موقف المشرع المغربي من تعدد الزوجات
نظم المشرع المغربي التعدد في الباب الثاني من مدونة الأسرة، وقد خصصت له المواد من 40 إلى 46 من مدونة الأسرة وبقراءتنا لهذه المواد نستخرج الأحكام الأتية: المادة 40 من مدونة الأسرة تنص على أنه: "يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات، كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها"، ثم إن الفقرة الأولى من المادة 42 تنص على ما يلي في حالة عدم وجود شرط الامتناع عن التعدد يقدم الراغب فيه طلب الإذن بدلك إلى المحكمة، وكنتيجة حتمية فإذا اشترطت الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها فإن مسألة التعدد تكون قد حسمت إذ الزوج في هذه الحالة يمنع من التعدد مادام مرتبطا بالزوجة التي وضعت الشرط على زوجها .
أما فيما يخص شروط التعدد في حالة عدم وجود شرط الامتناع من الزوجة يمكن للزوج أن يتزوج بزوجة ثانية بشروط حددها المشرع وهي كما يلي:
1- طلب الإذن من المحكمة على من يريد الزواج بزوجة ثانية أن يقدم طلبا بذلك إلى قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية المختصة مكاتبا للنظر في هذا الطلب، وحسب المادة 65 من مدونة الأسرة، فالإذن بالتعدد عنصرا أساسي من عناصر ملف الزواج يقد طلب الإذن إلى المحكمة وفق الإجراءات العادية التي تحكم الطلبات القضائية كما ينظمها قانون المسطرة المدنية .
2-إثبات المبرر الموضوعي الاستثنائي فقد جاء في الفقرة الأولى من المادة 41 من مدونة الأسرة أنه: "لا تأذن المحكمة بالتعدد: -إذ لم يثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي …" -المشرع لم يقم بتحديد ما المقصود بالمبرر الموضوعي الاستثنائي والزوج هو المكلف بإثبات المبرر الموضوعي الاستثنائي والمحكمة هي التي تكيفه وهل هو فعلا مبرر موضوعي استثنائي أم لا ؟ وهنا يظهر لنا الاجتهاد القضائي مع وجوب التطبيق ما أمكن في ذلك التكييف لأننا أمام رخصة تحمل طابع الاستثناء وسواء قبلت المحكمة المبرر الموضوعي الاستثنائي المدعى به أو رفضته فيجب عليها أن تعلل موقفها أو قرارها سواء بالرفض أو القبول .
3-وجود الموارد الكافية لإعالة الاسرتين فقد جاء في الفقرة الثانية من المادة 41: "لا تأذن المحكمة بالتعدد: -إذا لم تكن الضابطة الموارد الكافية لإعالة الأسرتين وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة، واثبات شرط القدرة على إعالة أسرتين يعتمد على الوضعية الاقتصادية للزوج الراغب في التعدد ويتم الإثبات بشهادة تثبت دخل الفرد أو رقم معاملاته التجارية أو حجم ممتلكاته العقارية وقد قررت المادة 42 من مدونة الأسرة أن يكون طلب الإذن بالتعدد مرفوقا بإقرار عن الوضعية المادية لمن يريد التعدد .
4- وأخيرا فوجود القدرة الكافية لإعالة أسرتين إضافة إلى توفر الشروط الموضوعية للتعدد يستتبعه الدخول في الإجراءات الموالية، فالمادة 43 من مدونة الأسرة تنص على الآتي: " تستدعي المحكمة الزوجة المراد التزوج عليها للحضور، فإذا توصلت شخصيا ولم تحضر أو امتنعت من تسلم الاستدعاء توجه إليها المحكمة عن طريق عون كتابة الضبط إنذارا تشعرها فيه بأنها إذا لم تحضر في الجلسة المحدد تاريخها في الإنذار فسيبت في طلب الزوج في غيابها .
بعد استقصاء الوقائع وتقديم البيانات المطلوبة، للمحكمة أن تأذن بالتعدد ويجب أن يكون الإذن بالتعدد معللا، لا يقبل الإذن بالتعدد أي طعن وبمفهوم المخالفة فإن عدم الإذن بالتعدد يقبل الطعن أمام المجلس الأعلى، وحسب الفقرة الأخيرة من المادة 44 فإنه للمحكمة أن تأذن بالتعدد مع تقييمه بشروط الفائدة الزوجة أو الأطفال كتخصيصهم بسكن مستقل بهم أو تسديد مبالغ النفقة الواجبة على الزوج، وإشعار المرأة المراد التزوج بها بأن من يريد الزواج بها متزوج بغيرها ورضاها بذلك قبل إبرام عقد الزواج معها، تنص المادة 46 من مدونة الأسرة على ما يلي:" في حالة الإذن بالتعدد لا يتم العقد مع المراد التزوج بها إلا بعد إشعارها من طرف القاضي بأن مريد الزواج بها متزوج بغيرها ورضاها بذلك، ويضمن هذا الإشعار والتعبير عن الرضى في محضر رسمي".
موقف العراق وسوريا والجزائر
هي كذلك دول مقيدة للتعدد برخصة من القاضي حيث أن عدد من تشريعات الدول العربية والاسلامية لم تحظر تعدد الزوجات، كما فعل المشرع التونسي، ولم تأخذه على اطلاقه دون قيود أو شروط، مثل ما هو موقف المشرع المصري والاردني مسبقا بل قيدته بشروط على القاضي أن يتحقق منها قبل أن يوافق على تعدد الزوجات.
ومن الجدير أن أول من نادى بضرورة تقييد وضبط مسألة التعدد في العالم الاسلامي هو الفقيه والعالم المصلح محمد عبده عندما اقترح على وزارة العدل آنذاك، بأن توضع مسألة تعدد الزوجات تحت إشراف ورقابة المحكمة، بحيث أن الرجل الذي سبق وأن في عصمته امرأة لا يجوز له أولا يسمح له الزواج بامرأة ثانية إلا بموافقة المحكمة، وأن هذه الامكانية لا تعطى للرجل الذي لا يستطيع العدل بين أكثر من زوجة أو ليست له القدرة المادية على النفقة على أكثر من زوجة.
وقد تم قبول هذا الاقتراح الذ قدمه الشيخ محمد عبده من طرف وزارة العدل التي قدمت بشأنه مذكرة أو مشروعاً غير أن هذا تم رفضه من قبل ملك مصر في ذلك الوقت ويعتبر هذا الرأي والتشريعات التي قيدت التعدد، مع الشروط العامة السالفة الذكر، باستصدار رخصة من القاضي ليتمكن الزوج من التعدد، هي المنادي به حاليا لتعميمها لعدد من الاعتبارات نوردها فيما يلي:
أولا:
أنه الحل والرأي الوسط بين الرأيين السابقين، فلا هو منع التعدد ولا هو أجازه دون رقابة وقيود، وخير الأمور أوسطها كما هو معروف.
ثانيا:
حتي الآراء التي أجازت التعدد اتساقا مع الآيات والاحاديث ذات الصلة، قيدته بشروط عامة كما سبق الذكر، ولا يمكن التأكد من تحقق تلك الشروط الاعن طريق جهة محايدة ونزيهة ومستقلة، وهي بالتأكيد القضاء، وعليه كان لابد من تقييد التعدد ووضعه تحت رقابة القاضي باستصدار رخصة منه ابتداء.
ثالثا:
الأصل في الحياة الاجتماعية في كل الاديان وكل الأزمنة وكل الدول الزوجة الواحدة، وأن التعدد حتى في الاسلام ليس ركنا من أركانه أو واجبا من واجباته ولا حتى سنه من سننه، أن الأصل الغالب "في زواج المسلم: أن يتزوج الرجل بامرأة واحدة تكون سكن نفسه، وأنس قلبه، وربة بيته، وموضع سره، وبذلك ترفرف عليهما السكينة والمودة والرحمة، التي هي أركان الحياة الزوجية في نظر القرآن، ولذا قال العلماء: يكره لمن له زوجة تعفه وتكفيه أن يتزوج عليها، لما فيه من تعريض نفسه للمحرم.
رابعا: أن تقييد التعدد برخصة القاضي يمنع أو يقلل من التلاعب بالتعدد والانحراف به من قبل بعض الرجال وإساءة استعماله تشويها لشرع الله، حيث أقدم عليه البعض وهو غير قادر على العدل أو غير قادر على والانفاق، وكثيرا ما أدى إلى مشاكل اجتماعية داخل الاسرة بين الزوجة وضرتها أو بين الأبناء فيما بينهم. وقد اعترف حتى المدافعين عن التعدد بسوء استخدامه، وكثيرا ما أدى سوء استعمال هذا الحق إلى عواقب ضارة بالأسرة، نتيجة تدليل الزوجة الجديدة، وظلم الزوجة القديمة، التي ينتهي بها ميل الزوج عليها كل الميل، إلى أن يذرها كالمعلقة، مما أدى ذلك إلى تحاسد الأولاد، وهم أبناء أب واحد، إلا أنه لم يعدل بينهم في الحقوق، ولم يسو بينهم في التعامل المادي والأدبي.
السؤال الذي طرأ لنا بين يدي هذا الاتجاه هو: هل يجب على الزوج استئذان زوجته عند رغبته في الزواج بأخرى؟ هل يبيح الشرع أن يتضمن قانون الأحوال الشخصية اشتراط حصول الزوج الذي يريد التعدد على إذن الزوجة الأولى؟
جاء في الأثر إن سيدنا علي - رضي الله عنه - أراد أن يتزوج على فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان علي قد رغب في الزواج من بنت أبي جهل، فلم يرضَ النبي صلى الله عليه وسلم وبيّن النبي السبب وهو ألا يجتمع تحت رجل واحد بنت رسول الله وبنت أبي جهل عدو الله، ولكن عندما توفيت السيدة فاطمة تزوج علي بأكثر من امرأة، وجمع بينهن: لأن المبرر لم يعد قائما، ومن هذه القصة نعلم أن عليا لم يقم بالزواج إلا بعد الاستئذان، ويعلق العلماء على هذه الواقعة بقولهم إن هذا من باب حسن السلوك، وليس واجبًا، ولا فرضًا شرعيًا، ولكن تأسيًا بعلي - رضي الله عنه - ومن مثل هذه الواقعة.
وحول حكم استغلال البعض لإباحية تعدد الزوجات بالزواج والطلاق كل حين، والتفريق بين الزوجات والأبناء في المُعاملة والمُجاهرة بذلك، إن الله عز وجل أباح للرجل أن يتزوج أكثر من واحدة بشرط العدل في القسم والنفقة والمؤانسة وجميع ما تحتاجه المرأة، ثم قال تعالى: "فَإًنْ خًفْتُمْ أَلَّا تَعْدًلُوا فَوَاحًدَةً"، ثم إن القصد من النكاح هو الإعفاف للزوجين والذرية الصالحة، فلا يجوز أن يكون القصد هو قضاء النهمة البهيمية، وقد ورد ذم الذواقين والذواقات وهم الذين يقصدون مجرد قضاء الشهوة مرة ثم يطلب الفراق، فيكثر الزواج والطلاق أو المرأة تقصد الدخول به مرة ثم تطلب الطلاق ، فإن في ذلك ضررا على الزوجة إذا طلقت لأول نكاح وفيه إساءة الظن بها، وإذا تزوج الرجل اثنتين أو أكثر فعليه ان يسوي بين زوجاته في جميع ما يقدر عليه ويحرم عليه التفريق بينهن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة