فى كثير من الأحيان تستخدم العريضة المشهرة كأداة احتيال حيث يلجأ بعض المحتالين وعصابات النصب إلى رفع عرائض دعاوى باستعمال البيانات المساحية لعقارات الغير، ويؤشر بتلك العرائض على هامش المحررات المسجلة، ويحصلون على أحكام صحة تعاقد ضد بعضهم البعض دون اختصام المالك الأصلي بالعقد المسجل، فعادة تنتهي المنازعة صلحاً فيما بينهم، ثم يقومون بابتزاز المشترى بعقد ابتدائى غير مسجل بالشهر العقارى، ويطالبوه بمبالغ كبيرة مقابل التنازل عن تلك الدعاوى.
والغريب أيضاَ أن البعض يعتقد على سبيل الخطأ الشائع أن - العريضة المشهرة - تُعد "سند ملكية"، لأنها تتخذ شكل المحررات المشهرة، الأمر الذي يؤدى بدوره لضرورة التعرف على إشكالية "شهر عريضة الدعوى" وما هي شهر عريضة الدعوى والهدف منها؟ والآثار المترتبة عليها؟ وكذا الإجابة على السؤال ما هي القيمة الحقيقية لتلك الإجراءات سالفة الذكر إذا وجد الشخص نفسه قد وقع في شراكها من خلال عصابات العقارات؟
كيف تستخدم العريضة المشهرة كأداة احتيال؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية تهم ملايين المتعاملين في سوق العقارات والأراضي من خلال العريضة المشهرة كأداة احتيال، وذلك فى محاولة لمواجهة عصابات النصب واغتصاب العقارات بعد أن اختط المشرع خطة قائمة على إضافة فقرة أخيرة إلى المادة "23" من قانون الشهر العقاري مقتضاها عدم الاعتداد في بحث الملكية أو الحقوق العينية بالمحررات المشهرة، إذا كانت تتعارض مع مستندات المالك الحقيقي أو صاحب الحق ذلك أنه لا يكفي في نظام التسجيل الشخصي أن يكون المحرر مشهراً حتي ينتقل الحق الوارد به، وإنما يجب أن يكون التصرف صادراً من صاحب الحق لأن الإشهار لا يصحح التصرف الباطل – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمود البدوى.
أولاً: ماهية شهر عريضة الدعوى
يشترط المشرع لقبول الدعاوى المتعلقة بالحقوق العقارية شهر صحيفتها، طبقاً للمادة "65" من قانون المرافعات، والمقصود بتسجيل وشهر صحيفة الدعوى بالشهر العقاري، هو التأشير ببيانات العريضة "المتضمنة كشف التحديد المساحي" على هامش المحرر المشهر سند ملكية المالك الأصلي، وبمعني آخر هو توثيق كشف التحديد المساحي الذي تضمنته هذه الصحيفة، وكشف التحديد عبارة عن تصوير للعين من واقع الطبيعة وإبراز حدود ومعالم العقار – وفقا لـ"البدوى".
ثانياً: الغاية من شهر العريضة
وشهر العريضة شرط لقبول الدعاوى المتعلقة بالحقوق العقارية، وهذا من حيث الشكل، ومن حيث المضمون فإن الغاية من شهر صحيفة الدعوى بالشهر العقاري هو تمكين القاضي من تحديد معالم العقار محل العقد تحديداً نافياً للجهالة، وتلك الغاية الأولى المبتغاة من توثيق كشف التحديد المساحي بالعريضة المشهرة.
الغاية الثانية: إعلام للغير حسن النية بوجود دعوى ضد "صاحب الحق العيني الأصلي أو الغير" قد يسفر عنها انتقال الملكية أو ترتيب حق عيني آخر على هذا العقار مثل الرهن، ويُفهم ذلك من اشتراط التأشير ببيانات العريضة على هامش العقد المسجل، فإذا ما تقدم مشتري آخر لتسجيل مشتراه من نفس المالك بالعقد المسجل فسوف يتبين له من هامش العقد وجود منازعة تتعلق بالحقوق العينية لذات العقار فينتبه لما هو مقدم عليه من التعامل على عقار متنازع حول ملكيته، ويستشف مما سبق أن العريضة المشهرة ليست سنداً للملكية ولا تكشف لأي شخص حقوق على العين محل التعامل، وليس لها أثر في تحديد صاحب الملك" – الكلام لـ"البدوى".
ثالثاً: أثر شهر عريضة الدعوى
تاريخ شهر عريضة الدعوى يعطي أسبقية للطالب وله أثر رجعي في ثبوت الملكية، فإذا تم الحصول على حكم نهائي في الدعوى المرفوعة بموجب تلك العريضة؛ وحال تسجيل هذا الحكم ثبتت ملكية الصادر لصالحه الحكم من تاريخ شهر عريضة الدعوى وليس من تاريخ صدور الحكم أو تسجيله، وبناء على أسبقية للصادر لصالحه الحكم، فإذا ما ظهرت طلبات تسجيل تتعلق بذات العقار في الفترة من تاريخ شهر العريضة حتى تاريخ تسجيل الحكم تكون لصاحب العريضة المشهرة الأسبقية في التسجيل طبقًا لنص المادة "17" من قانون الشهر العقاري بشرط تسجيل هذا الحكم خلال خمس سنوات من صيرورته نهائيًا وإلا سقطت أسبقيته، وإذا سُجلت طلبات في هذه الفترة تسحب الملكية، وتؤول للصادر لصالحه الحكم، ومفاد ذلك أن التأشير أو تسجيل العريضة يعطي للحكم أثر رجعي في الاحتجاج به على الغير من تاريخ شهر العريضة إذا تم تسجيله والتأشير به خلال 5 سنوات من وقت صيرورة الحكم نهائي.
القيمة الحقيقية لتلك الإجراءات التي تستخدم فى العريضة المشهرة كأداة احتيال
وللإجابة على هذا السؤال نستعرض ما جاء بهذا الشأن في تقرير اللجنة التشريعية، والمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 26 لسنة 1976 وننقل منهما بالحرف: "أضاف القانون فقرة أخيرة إلى المادة (23) من مقتضاها عدم الاعتداد في بحث الملكية أو الحقوق العينية بالمحررات المشهرة، إذا كانت تتعارض مع مستندات المالك الحقيقي أو صاحب الحق ذلك أنه لا يكفي في نظام التسجيل الشخصي أن يكون المحرر مشهراً حتي ينتقل الحق الوارد به، وإنما يجب أن يكون التصرف صادراً من صاحب الحق لأن الإشهار لا يصحح التصرف الباطل.
وذلك حماية للملاك وغيرهم من أصحاب الحقوق العينية من عصابات اغتصاب الأراضي التي توصلت إلى شهر المحررات على الرغم من صدورها من غير أصحاب الحقوق، ومعنى تلك الإضافة أنه أصبح لمصلحة الشهر العقاري المفاضلة بين المحررات والاعتداد بالمحرر الصادر من صاحب الحق الحقيقي دون غيره من المحررات ولو كانت مشهرة، وتصحيحاً لهذه الأوضاع والتزاماً بالمبادئ المتقدمة فقد جرى العمل بمكاتب الشهر العقاري، بناءً على ما أفتى به مجلس الدولة على عدم الاعتداد في بحث الملكية أو الحقوق العينية بالمحررات المشهرة إذا كانت تتعارض مع مستندات المالك الحقيقي أو صاحب الحق"، وذلك وفقا لتقرير اللجنة التشريعية، والمذكرة الإيضاحية، لمشروع القانون رقم 25 لسنة 1976.
كيف تصدت محكمة النقض للأزمة؟
لما كان ما سبق وكانت العريضة المشهرة – أداة النصب - سالفة البيان فضلاً عن أنها صادرة ضد غير مالك، ولم يختصم فيها أصحاب التكليف الأصليين، فإن الحكم الصادر بموجبها ليست له قوة الأحكام، وذلك لأن الحكم المنتهي صلحاً، ليس له من حجية الأحكام سوى الشكل، وفى ذلك قضت محكمة النقض عدة أحكام كالتالى:
أن مناط توثيق المحكمة لعقد الصلح عدم مخالفته للنظام العام، طبقا للطعن رقم 463 لسنة 54 ق. أن تصديق القاضي على الصلح أساسه سلطته الولائية مؤدى ذلك ما حصل أمامه من اتفاق وتوثيقه ليس له حجية الشئ المحكوم فيه وإن أعطى شكل الأحكام عند إثباته، وذلك طبقاَ للطعن رقم 3075 لسنة 60 ق.من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه لا يقبل فيما يتعلق بإثبات أصل الملكية أو الحق العيني إلإ المحررات التي سبق شهرها، فإذا توصل المشتري إلى تسجيل عقده أو تسجيل الحكم الصادر بصحته ونفاذه رغماً عن أن سند البائع لم يكن قد تم شهره، فإنه لا يكون من شأن التسجيل على هذه الصورة إعتبار المشترى مالكاً، إذ من غير الممكن أن يكون له من الحقوق أكثر مما هو للبائع له الذي لم ينتقل إليه الملكية بسبب عدم تسجيل سنده، وذلك طبقا للطعن317 لسنة 47 ق.
الخلاصة:
وخلاصة ما تقدم فأن العريضة رغم شهرها، وذلك الحكم رغم أنه يأخذ شكل الأحكام هما، والعدم سواء ولا يسريان إلا في مواجهة طرفيهما، ولا يعتد بهما كقيد على التصرفات، ومن ثم فلا حجية لهما فى مواجهة المالك الأصلى ولا المشترين منه.