أعمال درامية وروايات متداولة وقصص يتحاكى بها البعض عن أكل السيدة هند بنت عتبة "كبد" الصحابى الجليل سيدنا حمزة بن عبد المطلب، رضى الله عنهما، فهل تلك القصة صحيحة؟ في البداية السيدة هند بن عتبة هي إحدى نساء العرب اللاتي كانت لهن شهرة عالية قبل الإسلام وبعدهُ، وهى زوجة أبي سفيان بن حرب، وأم الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، وكانت هند من النسوة الأربع اللواتي أهدر الرسول دماءهن يوم فتح مكة، ولكنه عفا وصفح عنها حينما جاءته مسلمة تائبة حيث أسلمت يوم فتح مكة بعد إسلام زوجها أبي سفيان بليلة.
قصة أكل السيدة هند بنت عتبة كبد الصحابي الجليل حمزة رضي الله عنهما
توجهنا بسؤال إلى مرصد الفتاوى بدار الإفتاء حول صحة قصة أكل السيدة هند بنت عتبة لكبد الصحابى الجليل حمزة بن عبد المطلب، حيث أجاب المرصد : انه لا يكاد يخلو كتاب من كتب السيرة أو التاريخ عن قصة أكل السيدة هند بنت عتبة رضي الله عنها من كبد الصحابي الجليل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه في غزوة أحد، وهذه القصة رغم شهرتها إلا أنها تحتاج لأن تخضع للنقد الحديثي للنظر في مدى ثبوتها؛ أولاً تخريج القصة: هذه القصة قد رويت مسندة ومرسلة.
أولًا: المسند:
عن ابن مسعود رضي الله عنه بقصة غزوة أحد، وفيها: «فنظروا فإذا حمزة قد بقر بطنه، وأخذت هند كبده فلاكتها، فلم تستطع أن تأكلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأكلت منه شيئا؟ قالوا: لا. قال: ما كان الله ليدخل شيئا من حمزة النار.أخرجه ابن سعد، وابن أبي شيبة، وأحمد من طريق حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن الشعبي، عن ابن مسعود.
قال ابن كثير: «وهذا إسناد فيه ضعف أيضًا من جهة عطاء بن السائب». يعني: لأنه قد اختلط؛ ولذا قال الهيثمي في المجمع: «فيه عطاء بن السائب وقد اختلط.
والراوي عن عطاء في هذا الإسناد هو حماد بن سلمة، وقد اختلف في سماعه من عطاء، هل سمع منه قديمًا قبل أن يختلط، أو بعد اختلاطه، ورجَّح الحافظ ابن حجر رحمه الله أنه قد سمع منه على الحالين، والله أعلم.
مع ذلك فالإسناد فيه علتان أخريان بخلاف اختلاط عطاء بن السائب:
أولهما: أن عامرًا الشعبي لم يسمع من ابن مسعود. قاله أبو حاتم، وكذا قال الدارقطني والحاكم.
ثانيهما: أن في المتن نكارة هي: «ما كان الله ليدخل شيئًا من حمزة في النار»؛ لأن هندًا أسلمت وحسن إسلامها، والإسلام يجب ما قبله.
ثانيًا: المرسل:
- أخرج البيهقي في الدلائل من طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير بقصة أحد، وفيها: «ووجدوا حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بقر بطنه، واحتملت كبده، حملها وحشي، وهو قتله وشق بطنه، فذهب بكبده إلى هند بنت عتبة في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر)
وهذا إسناد مرسل ضعيف؛ فعروة بن الزبير من مشاهير التابعين، وابن لهيعة كان قد اختلط بعد احتراق كتبه.
- وذكر القصة أيضًا ابن إسحاق في السيرة، قال: «قد وقفت هند بنت عتبة -كما حدثني صالح بن كيسان- والنسوة الآتون معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد عن الآذان والآناف حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنافهم خذمًا وقلائد، وأعطت خذمها وقلائدها وقرطيها وحشيًّا غلام جبير بن مطعم، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطيع أن تسيغها.
وصالح بن كيسان رغم كونه ثقة، إلا أنه لم يدرك تلك القصة قطعًا، فهو من صغار التابعين، وقد عاش في زمن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، وكان مؤدبًا لولده، فالقصة مرسلة.
- وقال ابن كثير: «وذكر موسى بن عقبة أن الذي بقر كبد حمزة، وحشي فحملها إلى هند فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها.
وهذا أيضًا مرسل؛ فموسى بن عقبة صاحب المغازي من صغار التابعين.
- وأما ما ذكره الواقدي في مغازيه على لسان وحشي قوله: «فشققت بطنه فأخرجت كبده، فجئت بها إلى هند بنت عتبة، فقلت: ماذا لي إن قتلت قاتل أبيك؟ قالت: سلبي! فقلت: هذه كبد حمزة. فمضغتها ثم لفظتها، فلا أدري لم تسغها أو قذرتها.
فالواقدي نفسه متهم متروك، وقد كذَّبه الشافعي، وأحمد، والنسائي وغيرهم.
الخلاصة:
قصة أكل السيدة هند من كبد سيدنا حمزة بن عبد المطلب غير ثابتة، بل وحتى قصة تأجيرها وحشيًّا لقتله لم تثبت أيضًا، بل الثابت هو الذي رواه البخاري في الصحيح؛ أن الذي أمر وحشيًّا بقتل حمزة هو جبير بن مطعم انتقامًا لقتل عمه ببدر؛ فعن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، قال: «خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار، فلما قدمنا حمص، قال لي عبيد الله بن عدي: هل لك في وحشي، نسأله عن قتل حمزة؟ قلت: نعم...» ثم قال على لسان وحشي: «إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر، فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر...» إلى آخر القصة.
وكيل الأزهر الأسبق: جميع الروايات ضعيفة
من جانبه قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الأسبق، في تصريحات لليوم السابع، اختلف أهل العلم في مسألة هند -رضي الله عنها-فذكرها ابن اسحاق في سيره وأحمد في مسنده وتتابع على نقلها كتب السير والتاريخ ولا تخلو طرق نقلها عن ضعف، وسواء صح ذلك أولا فقد أسلمت بعدها.
أحمد المالكى: لم تثبت أحاديث فيها على الاطلاق
إلى ذلك قال الداعية الأزهرى أحمد المالكى، في تصريحات خاصة، أن بعض الروايات ذكرت في كتب السيرة وعندما نضعها بقواعد المحدثين لا يثبت منها رواية على الاطلاق، وما يذكره أهل السير من ان السيدة هند أكلت لم تثبت أحاديث فيها على الاطلاق الا عند احمد وهو ضعيف، مضيفا أن قتل سيدنا حمزة ثابت وهل بطنه شقت نعم؛ اما انها اكلت كبده لم يثبت فيه شيئا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة