صدرت تعليمات مصرية يوم 4 نوفمبر 1971 بتشكيل لجنة عسكرية من أربعة ضباط أحدهم ليبى، للتوجه إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية - كان اليمن شطرين، شمالى وعاصمته صنعاء، وجنوبى اليمن الديمقراطية وعاصمته عدن - لدراسة الأوضاع فى البحر الأحمر والنشاط الإسرائيلى فيه. وصل أعضاء اللجنة إلى عدن يوم 7 نوفمبر 1971 «ضمن جهود الجامعة العربية فى التوجه إلى اليمن الجنوبى»، وفقا للدكتور محمد عبدالمؤمن محمد عبدالغني، فى كتابه «مصر والصراع الأفريقى 1945 – 1981».
جاء هذا التحرك فى إطار استعدادات مصر لخوض حربها ضد إسرائيل «أكتوبر 1973»، وكشفت وقائعه عمق التعاون والتنسيق بين إسرائيل وإثيوبيا، فى نفس الوقت الذى تزايد فيه النفوذ المصرى فى البحر الأحمر.يذكر الدكتور عبدالعظيم رمضان فى كتابه «المواجهة المصرية الإسرائيلية فى البحر الأحمر 1949 - 1979»: «أدى قيام جمهورية اليمن الشعبية فى عدن يوم 30 نوفمبر 1967 أى بعد أقل من نصف عام من حرب يونيو 1967، بالإضافة إلى الوضع المصرى فى اليمن الشمالية، إلى توفير عمق استراتيجى لمصر بالغ الأهمية، وأتاح للبحرية المصرية الفرصة للعمل ضد الملاحة الإسرائيلية فى عمق البحر الأحمر من قواعد بعيدة عن مدى الطيران الإسرائيلى، والقيام فى باب المندب بنفس الدور الذى كانت تقوم به فى شرم الشيخ وهو منع الملاحة الإسرائيلية من النفاذ إلى البحر الأحمر».
يذكر «عبدالغنى» أن عام 1971 شهد أحداثا أدت إلى تزايد اهتمام مصر بالبحرالأحمر، ففى 11 يونيو كان هناك ناقلة النفط «كورال سى» التى ترفع علم ليبيريا وتحمل شحنة من نفط الخليج إلى ميناء إيلات، ليتم نقله عبر خط الأنابيب الذى يمتد من إيلات إلى عسقلان على البحر المتوسط، ليعاد تصديره إلى أوروبا، وتعرضت لهجوم من زورق مسلح بقذائف البازوكا، وهى تجتاز مضيق باب المندب قرب جزيرة بريم، إحدى الجزر التابعة لليمن الجنوبى وتتوسط المدخل الجنوبى للبحر الأحمر، وأدى الهجوم إلى إشعال النار فى الناقلة، ولكنه لم يؤد إلى غرقها.. يضيف عبدالغنى: «اعترضت سفينة حربية إسرائيلية الزورق الذى هاجم السفينة وأغرقته قبل وصوله إلى ميناء عدن الذى يبعد 154 كيلومترا عن جزيرة بريم، وكان من الواضح أن السفينة الإسرائيلية انطلقت من قاعدة قريبة، أى أنها انطلقت من قاعدة موجودة على ساحل إريتريا أوالجزر القريبة منه قرب باب المندب».
يؤكد «رمضان»، أنه فيما بعد تبين أن فدائيى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هم الذين نفذوا العملية، لكن الحكومة الإسرائيلية اعتبرت حكومة اليمن الديمقراطية مسؤولة عنه، وأنذرتها عن طريق حكومة ليبيريا ومنظمات دولية.. يضيف: «أعلن العسكريون الإسرائيليون وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية، أنهم يعتبرون هذا الهجوم أخطر ضربة تعرضت لها الملاحة التجارية الإسرائيلية حتى الآن، وأن هذه الضربة لا يعادلها إلا قرار عبدالناصر فى مايو 1967 بإغلاق مضيق تيران».
أدت العملية إلى زيارة سرية لحاييم بارليف رئيس أركان الجيش الإسرائيلى، إلى إثيوبيا فى 29 أغسطس 1971 وفقا لتأكيد عبدالغنى، مضيفا: «قام خلالها بزيارة المدن التى تقع بالقرب من الحدود السودانية الإريترية «كرن وأجوردات وتسنى» برفقة الجنرال تلهون قائد القوات البحرية الإثيوبية، وزار مدينة أسمرة فى 12 سبتمبر 1971«كانت إريتريا تحت الاحتلال الإثيوبى».. ثم قام بجولة بطائرة مروحية على ساحل البحر الأحمر وتفقد جزر دهلك وحالب، وعرض بارليف على إثيوبيا أن تقوم إسرائيل بتزويدها بشبكة الرادار التى تطلبها وتقوم بتركيبها فى جزر دهلك عند مدخل البحر الأحمر، وبعض زوارق الصواريخ والدورية، على أن يقوم ضباط وجنود البحرية الإسرائيلية بتشغيل هذه الأجهزة والأسلحة حتى تتم إسرائيل تدريب القوات الإثيوبية على استخدامها».
تحركت مصر بعد تزايد مخاوفها من زيارة بارليف، ونشرت «الأهرام» خبرا عنها، ووفقا لعبدالغنى: «حدثت ضجة، وأصدرت وزارة الخارجية الإثيوبية بيانا، قالت فيه إن بارليف كان يقضى عطلة نهاية الأسبوع ولم يقابل أى مسؤول إثيوبى».. وسافرت اللجنة العسكرية يوم 7 نوفمبر 1971.
يؤكد «رمضان» أن اللجنة أحيطت مهمتها وسفرها بسرية تامة، وكانت ترتدى ملابس مدنية، وأجرت لقاءات واتصالات مع كبار المسؤولين اليمنيين الجنوبيين، وفى 8 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1971 زارت جزيرة بريم وساحل عدن ومضيق باب المندب، وبعد ذلك استطلعت جزر «الحنيش» و«زفر» و«أبوعبل» و«قمران» و«ساحل الجمهورية العربية اليمنية»، واستطلعت ميناء عدن ومنشآته، وكان رأى على ناصر محمد رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، أن إسرائيل لها نوايا للسيطرة على منطقة جنوب البحر، وأن هذا يهم الدول العربية، ولذا يجب اتخاذ موقف موحد فى هذا الشأن، وضرورة إشراك الصومال والسودان فى الدراسات المشتركة».