تلقى الفريق محمد أحمد صادق رئيس أركان حرب القوات المسلحة بلاغا فى الساعة الرابعة صباح 9 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1969 بعودة المدمرتين البحريتين «دمياط» و« الناصر» سالمتين، بعد نجاح مهمتهما ضد العدو الإسرائيلى، فاتصل بالرئيس جمال عبدالناصر، وفقا للكاتب الصحفى عبده مباشر فى كتابه «تاريخ البحرية المصرية»، مؤكدا أن الرئيس سأل «صادق» عن الخسائر، فرد بأنها جرح جندى واحد هو الرقيب أول عبدالغنى عبدالعزيز من الدفاع الجوى.
يذكر أحمد عبدالمنعم زايد فى كتابه «المدمرات المصرية تفتح أبواب الجحيم» على موقع «مجموعة 73 مؤرخين، موقع إلكترونى» أن البطل أصيب فى ذراعه إصابة خطيرة، لكنه تحامل ليواصل القتال حتى انهارت قواه».. كانت العملية واحدة من بطولات البحرية المصرية، حيث قامت بضرب مواقع العدو ومنشآته، فى منطقتى «رمانة» و«بالوظة» الخاضعتين للاحتلال الإسرائيلى منذ 5 يونيو 1967 وعلى مسافة «40 كيلومترا شمال شرق بورفؤاد».
ووفقًا لمباشر، فإن الاحتلال جعل من «رمانة» منطقة شؤون إدارية ومخازن وقود وذخيرة ووحدات مدرعة ومدفعية ومشاة ووحدة رادار، وقوات «ناحال» فى مستعمرة شبه عسكرية، وجعل من «بالوظة» منطقة تضم مطارا وبطارية صواريخ هوك، ومركز قيادة القطاع الشمالى، ووحدات مدرعات ومدفعية ومخازن ووقود وذخيرة، ويؤكد «مباشر» أن قيادة القوات البحرية خططت لعملياتها كجزء من معارك حرب الاستنزاف.
أحيطت العملية بسرية بالغة، وتم التدريب على أن تتم بسرعة وكفاءة لتحقيق أكبر قدر من النتائج، وقدرت قيادة القوات البحرية أن تفاجئ العدو باختيار مكان وتوقيت للعملية لا يتوقعه.. وكانت كل توقعات العدو عن العمليات المصرية أنها تأتى من الجو أو من دوريات العبور، أومن فدائى منظمة سيناء، وكان العدو فى الوقت نفسه يظن أن هذه المنطقة «رمانة وبالوظة» فى مأمن من النيران المصرية».
ويؤكد مباشر: «رأت القيادة البحرية أن تبدأ العملية قبل منتصف الليل، خلافا للمتعارف عليه فى العلوم العسكرية التقليدية وهو أن تبدأ مع أول أوآخر ضوء.. وتلقى المقدم عدلى عطية قائد المدمرة «دمياط»، والمقدم عادل الشراكى قائد المدمرة «الناصر» أمرا بالاستعداد لرحلة تدريبية، يقوم فيها قائد القوات البحرية اللواء محمود عبدالرحمن فهمى بالتفتيش عليهما».. يكشف «مباشر» أن قائدى المدمرتين فوجئا بعدم حضور فهمى، وحضور سكرتيره وسلم كل منهما مظروفين، وأمر بعدم فتحهما إلا أمام دمياط، وهو ما حدث، وعرف القائدان أنهما فى طريقهما لتنفيذ مهمة قتالية ضد العدو الإسرائيلى بضرب «رمانة» و«بالوظة»، وتحدثا إلى رجالهما لأول مرة عن المهمة.
وبدأ القصف فى العاشرة مساء 8 نوفمبر 1969، واستمر 18 دقيقة طبقًا للخطة، حسب تأكيد «مباشر» مضيفا: «كان للمفاجأة أثر بالغ فى إنزال أكبر قدر من الخسائر بالعدو فى المعدات والأجهزة والأفراد، واستمر القصف دون تدخل من العدو وعلى مسافة حوالى 30 ميلا بحريا، وشاهد رجال المدمرات ألسنة اللهب ترتفع من مواقع العدو، واستمرت لساعات بعد انتهاء القصف، وظن العدو أن بالوظة تعرضت لقصف جوى، فبدأ مسح المنطقة، وأرسل 85 طائرة، وهنا جاء دور البطولة للدفاع الجوى فوق المدمرتين، حيث أقامت المدفعية المضادة للطائرات فى المدمرة «الناصر» ساترا نيرانيا حال بين تشكيلات العدو الجوية والاقتراب منها، وبلغ عدد الهجمات فوق هذه المدمرة 23 هجمة جوية، واستمرت 50 دقيقة، تمكنت خلالها نيران المدفعية من إصابة طائرتين «سكاى هوك»، وشوهدت إحداهما وهى تنفجر فى الجو وتسقط فى المياه، ولم تصب «الناصر» إلا بثقب صغير فى مدخنتها، أما المدمرة الثانية «دمياط» فلم تتعرض لأية خسائر».
كانت هناك مفاجأة أخرى يجهزها الفريق صادق للعدو، حسب «مجموعة 73 مؤرخين» نقلا عن مذكراته وهى توقعه برد الفعل السريع للقوات الجوية الإسرائيلية، وقد تستطيع ضرب المدمرتين قبل عودتهما، فأمر القوات الجوية بإخراج إحدى طائرات الميج 21 المقاتلة لتنشغل طائرات العدو بها، وتبتعد أنظارها عن المدمرتين، ونجحت الخطة التى نفذها النقيب سمير عزيز ميخائيل، وكانت طوارئ «حالة أولى» بمطار المنصورة، وتم توجيهه إلى اتجاه دمياط، وفوجئت الطائرات المعادية بالطائرة المصرية وسط التشكيل فتوقفت عن إلقاء المشاعل لتعود المدمرتين وسط الظلام».
ويكشف صادق عن مفاجأة أخرى قائلا: «أمرت بإضاءة كاملة لميناء بورسعيد لخداع العدو حتى يعتقد أن القطعتين تتجهان إلى قاعدة بورسعيد البحرية»، وابتلع العدو هذا الطعم مما أعطى الفرصة لـ«دمياط» و«الناصر» بالتوجه بسرعة كبيرة وفى صمت لاسلكى تام، وفى خط مستقيم إلى الإسكندرية».. ويؤكد «صادق» أنه تلقى بلاغا فى الرابعة صباح 9 نوفمبر 1969 بعودة المدمرتين سالمتين، فاتصل بالرئيس جمال عبدالناصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة