تمر اليوم ذكرى قيام القس الألمانى الشهير مارتن لوثر بإحراق مرسوم كنسى بطرده من الرحمة عقابًا له على معارضته لسلطة الكنيسة، واعتبرت هذه الخطوه خطيرة ساهمت بابتعاده عن الكنيسة الكاثوليكية، وهو نفسه يزامن الذكرى 822 على رحيل الفيلسوف المسلم أبى الوليد ابن رشد، إذ قام لوثر بحركته فى مثل هذا اليوم فى سنة 1520، أى منذ 500 عام، وتوفى ابن رشد فى 10 ديسمبر عام 1198.
وكان لابن رشد أثر كبير فى الحضارة الأوروبية، وتبنت بعض الأوساط التنويرية داخل الكنيسة الكاثوليكية حينها أفكاره وفلسفته التى نقلها عن أرسطو فيلسوف اليونان القديم، فهل تأثرت حركة مارتن لوثر بأفكار ابن رشد؟
ترجع أحد الدراسات ذلك إلى تزامن انتقال الفكر الرشدى إلى الغرب مع عاملين: الأول هو الفتح الثقافى الإسلامى والعربى للبلاد الأوروبية، ولم يكن ابن رشد وحده هو الذى يحتل الساحة الثقافية الأوربية بل أعلام كثر. أما الثانى فهو حالة العداء الشديدة التى تزعمتها الكنيسة لكل ما هو عربى وإسلامى إبان الحروب الصليـبية، لذا حاربت الكنيسة الفكر الرشدى وترجمت كتاب "تهافت التهافت" ترجمة محشوة بالتحريف والتناقض والافتراء، ومع أن ابن رشد كان يتبع أرسطو مثل الكنيسة، إلا أن الكنيسة حاربته لكونه مسلما فى الأصل.
وبحسب الباحثة الدكتورة منى أبو سنة، سبق ابن رشد كل من فلاسفة التنوير الأوروبيين، سواء الذين سبقوا أو واكبوا حركة الإصلاح الدينى فى القرن السادس عشر التى قادها الراهب الألمانى مارتن لوثر، حيث دعا الأول صراحة فى مؤلفاته إلى ضرورة تأويل النص الدينى، وفى مقدمة هذه المؤلفات كتابه الشهير بعنوان "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال".
ووفقا لتحليل الدكتور معجب الزهرانى، مهد ابن رشد للثورة المعرفية الأوروبية الكبرى التى تمثلها على وجه أخص الراهب المسيحى مارتن لوثر الأول، وقبله المصلحان سافونارولا وتوما ديلاكوينى.
لوثر هو الذى سار قدماً بالتعليم الرشدى حد المفارقة له، ذلك أن ابن رشد بحث عن نقطة التلاقى بين الشريعة والحقيقة عند تخوم الفضيلة، فيما قال مارتن لوثر الأول بالفصل الإجرائى بين المستويين، فمهد لنظرية العقد الاجتماعى لجان جاك روسو، يتوقف د. الزهرانى أمام فضائل ابن رشد العقلانية، ولا ينسى الإشارة إلى مثابته فى الشريعة، كما يتوقف أمام خصائص النص الرشدى من النواحى اللغوية والصياغية، وصولاً إلى منهجيته الصارمة التى انعكست على النص وجعلته يبدو جافاً، كما رصد فضاءات النص فى الزمن الثقافى المفتوح، وصولاً إلى يومنا هذا، وفى السياق يعرض الباحث للتقاطع بين الغزالى وابن رشد، مما يتصل أساساً بأحكام القيمة الإطلاقية التى أطلقها ابن رشد على الإمام محمد بن محمد حامد الغزالي.