صدر عن مهرجان الأراجوز المصرى الذى نظمته فرقة ومضة بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية وبيت السنارى دراسة الأراجوز ملهما للدكتور نبيل بهجت وسعت الدراسة لتتبع أثر مسرح الأراجوز فى بعض الأنواع الأدبية المختلفة، ووقفت على نماذج من الشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرحية، وتناولت ديوان فؤاد حداد "يضرب على الوجيعة ويلاقى على الطبطاب" (رواية معتمدة من ديوان الأراجوز الأول) ونماذج من "شمروخ الأراجوز" لسمير عبد الباقي، وقصيدة الأراجوز لسيد حجاب.
ووقفت الدراسة على رواية "سفر الأراجوز" لأحمد سمير سعد، والمجموعة القصصية "الأراجوز وقصص أخرى" لخالد الشلقاني، أما المسرح فتناولت الدراسة مسرحية الأراجوز لعلى الراعى ومسرحية شغل أراجوزات لمحسن مصيلحي، وسعت الدراسة لمعرفة مدى تأثير الأراجوز على البنية الفنية لتلك الأعمال ، وهل وقفت عند حدود الصورة الذهنية العامة للأراجوز أم استدعته كأحد تجليات الرفض ومقاومة السلطات الثلاث: السياسية والدينية والاجتماعية، و كثرة الاعتماد على الأراجوز فى الأعمال الأدبية والإبداعية مؤخرًا وذلك جاء أثرا لتجربة الإحياء التى قامت بها فرقة ومضة منذ عشرين عام تقريبا حيث شهد الأراجوز أستعاده فى كفاة المجالات بعد غياب أو تغييب، فاستلهم عدد من الشعراء الشباب الأراجوز فى أعمالهم، فأصدر كل من محمد الغازى ديوان "أنا الأراجوز"، وإبراهيم الرفاعى ديوان " قلب الأراجوز "، وخالد عبد الباقى ديوان "سيرة الأراجوز"، وعماد الدين عبد العليـم ديوان "الأراجوز"، وكما ترك الأراجوز آثاره فى إبداعات عدد من الشعراء الكبار، فترك لنا فؤاد حداد ديوانين هما " يضرب على الوجيعة ويلاقى على الطبطاب" (رواية معتمدة من ديوان الأراجوز الأول) ، وديوان " لست الأراجوز".
وقدم لنا سمير عبد الباقى نشرته الشعرية "شمروخ الأراجوز"، وكتب سيد حجاب قصيدة الأراجوز التى غناها الفنان الكبير عمر الشريف فى فيلم "الأراجوز"، كما قدم أغانى هذا الفيلم. وفى مجال الرواية أصدر أحمد سمير سعد رواية "سفر الأراجوز"، وأصدر خالد الشلقانى مجموعته "الأراجوز".
وفى مجال المسرح ترك الأراجوز آثارًا واضحة على المسرح منذ بداياته، وظهر ذلك واضحًا فى أعمال يعقوب صنوع، وعلى الكسار، ونجيب الريحاني، وأبو السعود الإبياري، وكثر الاعتماد عليه فى الفترة الأخيرة تحديدًا حيث قدم أكثر من عرض يحمل اسم الأراجوز منها: دنيا أراجوزات، وضحكة الأراجوز، وحواديت الأراجوز، ودنيا الأحلام، ويوميات الأراجوز.
وسعى فؤاد حداد من خلال ديوانه "يضرب على الوجيعة.... " لإلقاء الضوء على الأراجوز، وعلى عدد من الفنون الشعبية الأخرى، معرضاً بالنخب التى تستبعد تلك الفنون من حيز الفن، وأكد حداد فى أكثر من موضع على ان فن الأراجوز هو مسرح الشعب، وحرص على أن يضمن قصائده معلومات عن طبيعة الدمى، وأماكن تقديم العروض والطريقة التى يقدم بها الفنان عرضه، كذلك أسلوب تحريك الدمى، واعتمد على عدد من المصطلحات التى يستخدمها لاعبو الأراجوز حتى الآن، كما وقف على عدد من الموضوعات التى تناولها الأراجوز فى مواجهة الآخر النخبوى والسلطة السياسية داخل المجتمع، واستحضر عدداً من نمر الأراجوز داخل قصائده كالأراجوز ومراته والست اللى بتولد والشحاذ، كما كشفت القصائد إلمامه بتفاصيل هذا الفن، وجعل من صوت الأراجوز الصارخ وعصاه مركزًا للدلالة وحلاً لمواجهة الفساد والاستبداد لدى السلطة بمختلف أنواعها داخل المجتمع، لقد جسد الأراجوز لديه رمزًا للمقاومة والوعي، تشكلت فى ثنائية القول والفعل، واتحد صوت الشاعر لدى حداد وسمير عبد الباقى وسيد حجاب مع صوت الأراجوز، ليحمل رؤيتهم وذواتهم الشعري، حيث تتجلى الذات الشعرية من خلال استخدام ضمير المخاطب " أنا " ليصبح صوت الأراجوز هو صوت الشاعر نفسه.
ومثلت حضور فكرة العدالة لدى الشعراء الثلاثة هدفاً للأراجوز وحلما للشعراء أنفسهم الذين أجمعوا على ضرورة حمايتها بالعصا ليصبح الأراجوز لديهم رمزًا لتحقيق العدالة، وهو ما يطرحه سمير عبد الباقى فى شمروح الأراجوز، وسيد حجاب فى الأراجوز، وبالرغم من انحياز سمير عبد الباقى فى معظم قصائده للصورة الإيجابية للأراجوز المستوحاة من عروضه المختلفة والتى أكد عليها فؤاد حداد وسيد حجاب، إلا أن قصيدة "غتيت ... عامل أراجوز" كشفت عن تأثره بالصورة السلبية المتدولة فى الذهنية العامة عنه.
وكان للأراجوز حضور فى بعض الأعمال السردية الحديثة، ولعبت النبوءة دورًا فى تشكيل العملين محل الدراسة إلا أنهما وقفا عند حدود الشكل العام للأراجوز، وأكد لنا ذلك الوصف الذى اثبته فى عرض الأراجوز الذى كشف عن عدم إلمام المؤلفين أحمد سمير وخالد الشلقانى بفن الأراجوز وعدم معايشتهما له، فلم يقدم أحمد سمير المعلومات الصحيحة عن الأراجوز ومكوناته وطريقة نطقه، واكتفى خالد الشلقانى بالوقوف على الأراجوز كرمز لمقاومة السلطة.
وترك الأراجوز آثارًا واضحة فى المسرح العربى الحديث منذ بدايته، ووقفت الدراسة على نصي: "الأراجوز" لعلى الراعي" و" شغل أراجوزات" لمحسن مصيلحي، وقد أسس كل منهما تجربته على إيمانه بما يمتلكه الأراجوز من مقومات يمكن من خلالها إعادته واستغلاله. وربطه على الراعى بالشعب بينما قدمه محسن مصيلحى كنموذج للمخلص الذى لحقت به تحولات وتشوهات الواقع وانطلق كل منهما من خبرة واسعة بفن الأراجوز ظهرت بوضوح فى توظيفهما له.
وتركت نمر الأراجوز أثرها على الحبكة والصراع لديهما حيث تأثر على الراعى بعدد من النمر التى شاهدها وأثبتها فى كتابه: تاريخ الكوميديا من خيال الظل إلى نجيب الريحاني، والتى تتناول زواج الأراجوز وقصة زوجته مع العفريت، و ميلاد ابنه، ومشكلاته الزوجية. ومواقفه مع الشحاذ والفقى والبواب وهى مواقف احتفظت بها نمر جواز بالنبوت والعفريت والست إللى بتولد والشحات والفتوة الغلباوى والبربرى مع وجود اختلافات فى بعض النمر الآن عما قدمه على الراعي. واستفاد محسن مصيلحى من عدد من النمر وهي: والست إللى بتولد، وزواج بالنبوت والفتوة الغلباوى فى بناء فصله الأول كذلك اعتمد على الراعى على الضرب لإنهاء الصراع لصالح الأراجوز، وكذلك اعتمد محسن مصيلحى عليه فى نهاية عرضه لتأتى النهاية فيه لصالح الشخصيات السلبية على عكس عروض الأراجوز. واستدعى كل منهما عددًا من شخصيات الأراجوز، حيث اعتمد على الراعى على الأراجوز، والملاغي، وزوجة الأراجوز، والداية، والشحات، والعفريت، والبواب. فى حين اكتفى محسن مصيلحى بالاعتماد على شخصيتى الخواجة والأراجوز.
واستلهم كل منهما التداخل بين الإنسان والدمى من عروض الأراجوز، كطريقة أساسية لبناء العرض، واعتمد الحوار عند محسن مصيلحى على أساليب صناعة الفكاهة الشعبية التى اعتمد عليها الأراجوز، بينما اكتفى على الراعى باستدعاء النمر الحركية واللفظية وجاءت الدراسة وفقا للعنوان الذى طرحه المهرجان من حيث البحث فى أثر الأراجوز فب الحياة الفنية والأدبية حيث كرم المهرجان عددا من الرموز والنماذج الإبداعية التى تركت أثرا فى حياتنا الثقافية والإبداعية .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة