صدر حديثًا عن دار الثقافة الجديدة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية من رواية "القانون الفرنسى"، للروائى الكبير صنع الله إبراهيم.
القانون الفرنسى
ومن أجواء الرواية : "بدأ رفيق حديثه بنبرة تهكمية: لم يخطر ببال أحد من البيوقراطيين المصريين عندما قرروا المشاركة فى الاحتفال بمرور 200 سنة على حملة نابليون بونابرت على مصر سنة 1798 أنهم بذلك قد نخسوا عش الزنابير. كان يشير إلى الاحتفال الذى جرى منذ سبع سنوات فى كل من القاهرة وباريس.
استطرد: وفيما يبدو أن أحدًا منهم لم يفكر فى الأمر بجدية وأنهم كانوا واقعين تحت تأثير ما لقنته لهم المدارس من أن النهضة المصرية الحديثة بدأت بالصدمة الحضارية التى أحدثتها الحملة الفرنسية وأن هذه الحملة أخرجت مصر من العصور المظلمة وكانت بداية تاريخها الحديث.
وعندما استنكر بعض المثقفين المصريين على استحياء أن يفرض عليهم الاحتفال بغزاتهم، وأسرعوا إلى كتب التاريخ يستخرجون منها وقائع الحملة من مثال عدد القتلى من المصريين الذين بلغوا 300 ألف قتيل، سارع أنصار الاحتفال (وجلهم من المرتبطين بمراسيمه شخصيًا أى المشتركين فى نشاطاته كمنظمين رسميين أو مدعوين – إلى فرنسا بالطبع!) إلى القول بأن للحملة جانبين وأن المدفع ذهب وبقيت المطبعة، مشيرين إلى أنها كانت أول مطبعة باللغة العربية فى تاريخ البلاد.
كان رفيق يقرأ من أوراق صغيرة فى يده. وأنصت الحاضرون فى انتباه بينما كان صاحب السامسونايت يسجل كلمات رفيق بسرعة.
قال: وعاد المعارضون إلى كتب التاريخ فتبينوا أن المطبعة هى التى ذهبت والمدفع هو الذى بقى ذلك أن نابليون عندما غادر مصر أخذ معه المطبعة التى أحضرها واقتصر دورها على أية حال على طبع المنشورات التى حاول فيها بسذاجة تامة إقناع المصريين بسلامة وحسن نواياه وبأنه لم يقم بغزو مصر إلا ليحمل إليها الحرية والنور.
أما المدفع فقد دوت طلقاته عدة مرات بعد خروج نابليون، إذ لم تنته الأطماع الاستعمارية لفرنسا حتى عهد قريب: فبعد مئة سنة بالضبط من المحاولة الأولى كان الكابتن جان بابتست مارشان على رأس عدد من الضباط الفرنسيين والجنود السنغاليين يقوم بحملة جديدة من الجنوب، قادمًا من الكونغو برازافيل ليلتحم فى مدينة فاشودة على النيل بحملة أخرى قادمة من البحر الأحمر وصلت قبله بعدة أسابيع.
وبعد قرابة نصف قرن شاركت الدولة الفرنسية سنة 1956 فى تنظيم العدوان الثلاثى مع بريطانيا وإسرائيل على مصر."