كانت الساعة الحادية عشرة مساء 15 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1991، حين أبلغ القبطان حسن مورو، ربان السفينة «سالم إكسبريس»، ميناء سفاجا بأنه سيدخل منطقة «الشمندورات» خلال نصف ساعة، وبعد نحو خمس دقائق من الاتصال أبلغ الميناء أنه يعانى من جنوح السفينة نتيجة اصطدامها بالشعاب المرجانية الموجودة فى جنوب الميناء على بعد 16 كيلومترا من الميناء، وأنه يتعرض للغرق حيث تندفع المياه داخل السفينة، ما أدى إلى ميلها 14 درجة، وفى أقل من ربع ساعة غرقت السفينة التى كانت تحمل 624 شخصا قادما من السعودية.
لم تبدأ عملية إنقاذ السفينة التى ترفع علم بنما إلا فى الساعة الثامنة صباح اليوم التالى، أى بعد 9 ساعات، وحينها كانت المأساة سجلت نفسها فى سجل الكوارث الإنسانية، فمن بين 624 راكبا لقى 467 مصرعهم فى ظروف بالغة القسوة، ومع الفاجعة انسابت الأسئلة: لماذا حدث ما حدث؟.. هل كانت السفينة آمنة؟.. من يتحمل مسؤولية الإهمال الذى أدى إلى هذه الكارثة؟.. هل قامت الحكومة بواجبها ؟.. هل يستقيل مسؤول منها؟
كانت الإجابات التى نقلتها الصحف لأيام بعد الحادث أشكالا وألوانا من الحكايات الفاجعة، التى لا يملك من يقرأها أو يسمعها أن يحبس دموعه حزنا على ناس ابتلعهم البحر، ومعهم حكاياتهم عن الأمل والعمل، حكايات عن شقاء الغربة لمن كانوا فى طريق العودة إما لقضاء إجازة، أو للاستقرار فى وطنهم بعد أن تركوه سنوات سعيا للرزق الحلال، وحكايات لعائدين من تأدية العمرة يقبلون على الحياة وكأنهم فى لحظة ميلادهم الأولى.
هى مأساة أصدق من يتحدث عنها هؤلاء الذين كانوا فى قلبها بين الحياة والموت، وأنقذتهم العناية الإلهية فمضوا أيامهم بعد ذلك والفاجعة حية فى ذاكرتهم، وآثارها عليهم، وعبر عن ذلك تحقيق صحفى موجع بعنوان «ناجون من عبارة سالم يروون تفاصيل القضية التى طرمخها النظام»، نشره موقع «مصراوى، 23 يناير 2016»، وأجراه الزميلتان «يسرا سلامة ودعاء الفولى»، مع اثنين ممن كانوا على السفينة وأنقذتهما الأقدار، هما محمود إسماعيل ابن محافظة سوهاج، وحنان عوض الممرضة التى كانت حديثة الالتحاق بالطاقم الطبى على السفينة، وكانت هذه الرحلة الأولى لها فى عملها الجديد.
قبل روايتهما للمأساة، يذكر التحقيق أن السفينة «سالم» بنيت عام 1966 وتم تشييدها بفرنسا تحت إشراف هيئة التسجيل الفرنسية، وأن «سالم» صاحبة نقل أول فوج من الجيش المصرى فى حرب تحرير الكويت، فيما صُنفت كارثة الغرق - حينها - كأسوأ كارثة بحرية فى القرن العشرين، وهى من أكبر ثلاث فواجع بحرية مصرية فى سجل الحوادث العالمية بحكم عدد الضحايا بعد حادث باترا وحادث السفينة النيلية 10 رمضان، حيث سقط فى سالم قرابة 450 ضحية، فيما ضمت الحادثة ضحايا من جنسيات أخرى مثل زائير كـ«سعيد المرسازى» الذى كان ذاهبا لأداء العمرة.
كان محمود إسماعيل شابا فى أواخر العشرينيات من عمره، وعائدا بعد أن أدى عمرة تمناها برفقة صديقه شعبان وابنى عمومته أحمد وعلاء.. يتذكر مشاهد غرق السفينة بالكامل منذ أن ترنحت حتى غاصت نحو 30 قدما أسفل المياه فى ست دقائق.. يذكر: انشطرت نصفين، حاملة معها أحمد وعلاء وشعبان، إذ كانوا فى طابق منخفض قبيل الغرق.. لا ينسى شكل وصوت المياه وهى تتدفق من الغرفة التى يمكثون فيها: «لسه صورتها وصوتها وهى بتغرق فى ودنى.. زى ما يكون خشب قديم بيتكسر».
لا يعرف محمود إلى الآن كيف خرج حيا، كل ما يذكره: «لقيت نفسى بقب على وش الميه وقدامى لانش إنقاذ».. أما حنان فأنقذها «لانش» به ثلاثة أجانب سحبوها بعد أن تجمد جسدها بالمياه على أثر صراعها بين الحياة والموت على سطح المياه طوال ما يقرب من تسع ساعات.. لا تنس راكبا بعد أن تم إنقاذه وهو يفرد ذراعيه، يقول لها: «كانت بنتى على إيد وزوجتى على إيد، وماتوا».
عرفت حنان من الجرائد أن القبطان حسن مورو توفى غرقا أثناء احتضانه البوصلة.. تنفى ما نشر وقتها عن تعويض هائل: «أخدت 100 جنيه والمحافظ زارنى، وبعدها أخدت 5 آلاف جنيه تعويضا من الشركة»، أما محمود فالتعويضات آخر ما جال بعقله: «ضاع منى حاجات بـ20 ألف جنيه فمكنش فارق معايا الـ5 آلاف بتوع الحكومة»، لم يصدق حين جاءه جواب عقب الحادث بـ8 أشهر، يخبره بضرورة التوجه إلى الإسكندرية للحصول على مستحقاته، علم فيما بعد أن بعض الناجين رفعوا قضايا للحصول على تعويضات أخرى لكنه لم يفكر فى ذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة