أصدرت الدائرة الجنائية "ب" بمحكمة النقض، حكماَ في غاية الأهمية بشأن قضايا استعراض القوة والضرب المفضى إلى الموت، أرست فيه لعدة مبادئ قضائية تسد ثغرة من شأنها إلغاء أحكام السجن في قضايا الضرب المفضي للموت، قالت فيه: "جناية الضرب المفضى إلى الموت التي ارتكبت نتيجة لارتكاب جريمة استعراض القوة والتلويح بالعنف المؤثمة بالمادة 236 من قانون العقوبات إنما هي جريمة عمدية يتحقق القصد الجنائى فيها متى تعمد الجانى ارتكاب الفعل المنهى عنه بالصورة التي حددها القانون واتجاه إرادته نحو المساس بجسم المجنى عليه".
وتابع،"وإدراكه أن من شأن نشاطه الوصول إلى تلك النتيجة، وهو ما يقتضى أن يتحدث الحكم عنه استقلالاَ أو أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفى للدلالة على قيامه، وكان الحكم المطعون فيه لم يورد الواقعة بما يحدد عناصر التهمة التي دان بها الطاعنين، كما لم يستظهر توافر القصد الجنائى في جريمة الضرب المفضى إلى الموت، وكانت مدوناته لا تفيد بذاتها توافر هذا القصد فإن الحكم يكون مشوباَ بالقصور في التسبيب بما يعيبه ويوجب نقضه والإعادة".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 21677 لسنة 84 قضائية، لصالح المحامى بالنقض جورج أنطون، برئاسة المستشار أحمد عبد القوى، وعضوية المستشارين حمد عبد اللطيف، ومحمد طاهر، والدكتور أحمد البدرى، وأحمد قزامل، وبحضور رئيس النيابة لدى محكمة النقض تامر عبد القادر، وأمانة سر طارق عبد العزيز.
الوقائع.. الحكم على متهمين بالسجن 10 سنوات
اتهمت النيابة العامة الطاعنين في قضية الجناية رقم 2578 لسنة 2012 قسم الوراق – والمقيدة برقم 2020 لسنة 2012 – بأنهما في يوم 18 مارس سنة 2011، استعرضا القوة واستخدما ضد المجنى عليهما "عطوة. م"، و"محمد. م"، قاصدين ترويعهما وتخويفهما والتأثير على إرادتهما لغرض السطو عليهما محمل الأول – فرد روسى – وحمل الثانى – مسدس – واتحدت إرادتهما على ما انتوه فأطلقا أعيرة نارية كلا من سلاحه نحو الفضاء غير عابئين بنتائج فعلها، وكان من شأن ذلك القاء الرعب في نفس المجنى عليهما وتكدير طمأنينتهما وتعريض حياتهما وسلامتهما للخطر، وقد كان بأن أطلق الثانى عياراَ نارياَ صوب المجنى عليه الأول، فأحدث الإصابة بكتفه الأيسر التي أبانها تقرير الطب الشرعى المرفق بالأوراق.
وقد ارتكبت جناية الضرب المفضي إلى موت المنصوص عليها بالمادة 236/1 من قانون العقوبات بناء على ارتكاب تلك الجريمة بأن جرح المجني عليها الطفلة "حبيبة. أ"، إبان تواجدها مصادفة بشرفة مسكنها بين أن الضربة أفضت إلى موتها بأنه لما أطلق الأعيرة النارية المبينة بالاتهام آنف البيان قاصدين إيذاء المجني عليهما "عطوة. م"، و"محمد. م"، فأصاب الثاني هدفه وحاد الأول عنه، فأصاب عياره رأس المجني عليها، فأحدث إصابتها التي أبانها تقرير دار التشريح بمصلحة الطب الشرعي، وأسندت النيابة العامة للمتهمين ارتكاب جرائم: "المتهم الأول أحرز بغير ترخيص سلاحاَ نارياَ غير مششخن، وأحرز ذخائر مما تستعمل على السلاح النارى أنف البيان دون أن يكون مرخصاَ له في حيازتها أو إحرازها، بينما المتهم الثانى أحرز بغير ترخيص سلاحاَ نارياَ مششخن (مسدس)، وأحرز ذخائر مما تستعمل على السلاح دون أن يكون مرخصاَ في حيازتها أو إحرازها".
وفى تلك الأثناء – قضت المحكمة حضورياَ بمعاقبة كل من المتهمين بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات لكل منهما لما نسب لكل منهما، ومصادرة المضبوطات، وفى الدعوى المدنية بإحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة، فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض.
استعراض القوة والتلويح بالعنف نتج عنها جناية الضرب المفضى إلى موت
ومما نعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجرائم استعراض القوة والتلويح بالعنف التي نتج عنها جناية الضرب المفضى إلى موت وإحراز الطاعن الأول لسلاح نارى غير مششخن "فرد روسى" وذخيرة مما تستعمل فيه بغير ترخيص قد شابه القصور في التسبيب، ذلك بأنه لم يبين واقعة الدعوى بياناَ تتحقق به أركان الجريمة بما يعيبه ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت ان الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله: "أنها تخلص في أنه على إثر مزاح بين المدعو "محمد. م"، والمدعو "أحمد. م" تطور إلى شجار وتشابك بالأيدى تدخلت الأهالى وأبعدت الثانى وأعادته إلى مسكنه وشوهد المتهمان الأول "أحمد. ع"، حاملاَ فرد، والثاني "إيهاب. ع"، حاملاَ طبنجة طلقاَ كلا منهما من سلاحه أعيرة نارية في القضاء، فأصاب عيار المتهم الأول المجني عليها المتوفية إبان تواجدها أسفل العقار مسكنها، وأعقبه المتهم الثاني بإطلاق عيار ناري صوبه، فأحدث إصابته، واستطرد قائلاَ باستعراض المتهمين القوة والعنف كعادتهما.
جريمة الضرب المفضى للموت عمدية يتحقق القصد الجنائي فيها متى تعمد الجاني ارتكاب الفعل المنهى عنه
لما كان ذلك – وكان القانون قد أوجب في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناَ تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها الإدانة حتى يتضح وجه استدلالها بها وسلامة مأخذها وإلا كان قاصرا – وكان المقصود من عبارة بيان الواقعة الواردة بالمادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية هو أن يثبت قاضى الموضوع في حكمه كل الأفعال والمقاصد التي تتكون منها أركان الجريمة.
لما كان ذلك – وكانت جناية الضرب المفضى إلى الموت التي ارتكبت نتيجة لارتكاب جريمة استعراض القوة والتلويح بالعنف المؤثمة بالمادة 236 من قانون العقوبات إنما هي جريمة عمدية يتحقق القصد الجنائى فيها متى تعمد الجانى ارتكاب الفعل المنهى عنه بالصورة التي حددها القانون واتجاه إرادته نحو المساس بجسم المجنى عليه، وإدراكه أن من شأن نشاطه الوصول إلى تلك النتيجة، وهو ما يقتضى أن يتحدث الحكم عنه استقلالاَ أو أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفى للدلالة على قيامه.
وبحسب "المحكمة" - وكان الحكم المطعون فيه لم يورد الواقعة بما يحدد عناصر التهمة التي دان بها الطاعنين، كما لم يستظهر توافر القصد الجنائي في جريمة الضرب المفضي إلى الموت، وكانت مدوناته لا تفيد بذاتها توافر هذا القصد فإن الحكم يكون مشوباَ بالقصور في التسبيب بما يعيبه ويوجب نقضه والإعادة، وفيما تتاح للطاعنين فرصة محاكمتهما من جديد في ضوء أحكام المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى أرقام 196 لسنة 35 بتاريخ 8 نوفمبر 2014 و 87 و 88 لسنة 36 قضائية دستورية بتاريخ 14 فبراير 2015 – باعتبارها قانون أصلح للطاعنين، وذلك بغير حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.
1