كان الوقت صباح الأربعاء 21 ديسمبر 1921، حين رُفعت الراية السوداء على سارية سجن الحضرة فى الإسكندرية، إعلانا بأن حكما بالإعدام سيتم تنفيذه، حسبما يذكر الكاتب الصحفى صلاح عيسى فى كتابه «رجال ريا وسكينة».
كانت الإعدامات ستبدأ فى ستة من أفراد عصابة «ريا وسكينة» التى ارتكبت جريمة قتل 17 سيدة، وتم الكشف عنها فى أواسط نوفمبر 1920، يذكر «عيسى»، أنه قبل الساعة السابعة بقليل بدأ أعضاء هيئة تنفيذ حكم الإعدام يتوافدون على السجن، وكان تشكيل الهيئة استثنائيا، كما ينبغى لجريمة استثنائية، فلم يقتصر على سلطات السجن المحلية، بل ضم حضرة صاحب السعادة محمد حداية باشا، محافظ الإسكندرية، والأميرالاى جرانت بك، حكمدار البوليس «أى مدير الأمن»، ومورلى بك، محافظ السجون «أى مدير المصلحة»، والمسيو جوانى، رئيس البوليس السرِّى، وطبيب البوليس الدكتور نجار، وسلطات السجن، وتضم القائم مقام «العقيد» عبدالفتاح صالح مأمور السجن، وضباطه، وطبيبه الدكتور عبدالله عزت، ومندوبى الصحف اليومية، والعربية والإفرنجية بالإسكندرية.
فى السابعة والنصف اصطفت هيئة التنفيذ أمام غرفة الإعدام، وجاء حراس السجن بـ«ريا»، وقال مندوب «الأهرام» إنها كانت ترتدى ملابس الإعدام الحمراء، وعلى رأسها طاقية بيضاء، تسير بقدمين ثابتتين، إلا أنها كان ممتقعة اللون، خائرة القوى، واستمعت بصمت إلى حكم الإعدام الذى تلاه عليها مأمور السجن، ثم سألها المحافظ إذا كانت تحتاج إلى شىء، فقالت إنها تريد أن ترى ابنتها بديعة، فالتفت إلى المأمور الذى قال إن ابنتها زارتها قبل يومين، فقالت:
- يعنى ما اشوفش بنتى؟! ثم أدخلت إلى غرفة الإعدام، وكانت آخر عبارة قالتها: «أودعتك يا بديعة يا بنتى بيد الله»، ثم نطقت الشهادتين، واستمر نبضها دقيقتين، وظلت معلقة لمدة نصف ساعة.
وبعد الثامنة بقليل، اقتيدت «سكينة» إلى ساحة التنفيذ، وقال مندوب «الأهرام» إنها أكثرت من الحركة والكلام، بينما كان المأمور يقرأ عليها نص الحكم، وكانت تتمتم بعبارات تعلق بها على ما تسمعه، فعندما ذكر الحكم أنها قتلت 17 امرأة، قالت: هو أنا قتلتهم بإيدى؟! ثم قالت بتحدٍّ: «أيوة قتلت واستغفلت بوليس اللبَّان، والشنق ما يهمنيش، أنا جدعة»، وعندما دخلت إلى غرفة المشنقة، قالت للجلاد وهو يوثق يديها خلف ظهرها: «هو أنا رايحة أهرب ولاّ َأمنع الشنق بإيدى؟ حاسب، أنا صحيح ولية، ولكن جدعة، والموت حق»، ولما كانت تحت الحبال قالت: «سامحونا.. يمكن عيبنا فيكم» ثم تلت الشهادتين.
وأضاف مندوب الأهرام: «كانت من أشجع الأشخاص الذين يقفون موقف الإعدام، ومن أثبتهم جنانا»، وقال تقرير الدكتور عبدالله عزت، طبيب السجن، الذى حرره على الأورنيك رقم 169 إن سكينة بنت على همَّام، دخلت السجن ووزنها 47 كيلوجراما، ارتفعت إلى 53 قبل إعدامها، ولم تكن تعانى من شىء، إلا من جرب فى أنحاء جسدها، وكانت عند التنفيذ جريئة ورابطة الجأش، وآخر عبارة فاهت بها هى: «أنا جدعة وح اتشنق محل الجدعان، وقتلت 17 وغفلت الحكومة.. ثم نطقت بالشهادتين».
وفى حوالى التاسعة، جاءوا بحسب الله سعيد، وكان رابط الجأش هو الآخر، لكنه علق على منطوق الحكم بإعدامه قائلا: «بتقولوا إنى قتلت 17، الحقيقة همَّ 15 بس، ولو عاوزين أعدهم واحدة واحدة.. وأسميهم، ولو كنت عشت سنة واحدة كمان، لكنت قطعت لكم دابر العواهر، وحرمتهم يمشوا فى الشوارع، دول يستغفلوا رجالتهم، ويبيعوا أعراضهم بربع ريال، تشنقونا عشان شوية عواهر؟ وقال للشنَّاق: شوف شغلك كويس.. شد واربط زى ما أنت عاوز.. كله موت».
يذكر «عيسى»: فى اليوم التالى، الخميس 22 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1921، نُفذ حكم الإعدام فى الباقين، وأولهم، عبدالرازق يوسف، الذى قاوم الحراس أثناء اقتيادهم له إلى ساحة التنفيذ، ثم إلى غرفة الإعدام مما اضطرهم إلى سحبه بالقوة على الأرض، ثم إلى تكبيل يديه بالحديد وراء ظهره، وظل أثناء تلاوة الحكم يتأوه ويصرخ معلنا أنه برىء، ويستشهد على ذلك بعبدالعال، وفى الثامنة جاءوا بمحمد عبدالعال..وكان طبقا لما ذكره مندوب الأهرام، رابط الجأش صلب العود، ولما تُلى عليه الحكم قال: «صلِّ ع النبى.. أنا قتلت سبعة مش سبعتاشر، وكان آخر ما قاله، قبل أن ينطق بالشهادتين: كتف.. شد حيلك».
وفى الثامنة و40 دقيقة جىء بالأخير، عرابى حسان، وأكثر، كما ذكر مندوب «الأهرام»، من التبرؤ من الجرم، وقال إنه سيلقى ربه طاهر اليدين، وكان - طبقا لما ورد فى الأورنيك 169 الخاص به- خائر القوى، وكان آخر ما طلبه شربة ماء، وآخر ما قاله قبل أن ينطق الشهادتين: «مظلوم».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة