أكد الدكتور محمد بهاء أبو شقة المحامى وأستاذ القانون الجنائي، إن بيان النيابة العامة حول تحقيقات مقتل ريجينى "كاشف وشافى"، وتضمن سردا كاملا لهذه القضية فى إيجاز بليغ تضمن الكشف عن الكثير من الحقائق التى انتهت إليها التحقيقات على مدى 5 سنوات تقريبا، مؤكدا أن النيابة العامة تعاملت باحترافية وبمنتهى النزاهة والتجرد مع قضية الطالب الإيطالى ريجينى.
وأضاف خلال مداخلة هاتفية لبرنامج "مساء DMC"، مع الإعلامى رامى رضوان، أن البيان تتضمن العديد من المصطلحات الفنية التي قد لا يدرك مدلولها أصحاب التخصص، مردفا: "يكون حديثى يتضمن نوع من أنواع التبسيط التى تقرب المعانى، وخاصة فيما يتعلق بقضية شائكة تجاوزت حدود الوطن، وكانت محلا للتداول الأمين وغير الأمين، من بعض الأشخاص سواء المتخصصين وغير المتخصصين".
وتابع: "ينبغى أن نقف على مسألة هامة، وهو التحقيق الجنائى مجموعة إجراءات تباشرها السلطة القضائية التى أناط بها الدستور والقانون بلوغا إلى الحقيقة المنشودة، والتحقيق اسم مشتق من الحقيقة"، لافتا إلى أن الحقيقة ليس كما قدمتها الدراما السينمائية على أن دائما جهة التحقيق تستهدف الإفراط فى تقديم متهمين للمحاكمات، النيابة العامة تباشر هذا التحقيق وبمثابة قاضى، بل هى قاضى بالفعل، تريد أن ترى الحقيقة بعين مجردة سواء كانت إثباتا للواقعة أو نفيا لها".
ولفت إلى أن النيابة العامة حينما تباشر سلطة التحقيق، حيث إنها انتهت من تصرفها في القضية محل هذا البيان، والتصرف الذى تنتهى منه لا يخرج عن صورتين، إما تقديم المتهمين في الواقعة محل التحقيق للمحاكمة الجنائية، أو تنتهى التحقيقات وتتصرف النيابة - كما هو الحال في البيان – بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية.
وذكر أن النيابة رأت بعد التحقيقات أن الواقعة لا وجه لتقديمها للمحاكمة برفع الدعوى الجنائية، وأن العوام قد يستخدمون تعبير "القضية حفظت" ولكن التعبير الدقيق، القرار بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية.
وقال الدكتور محمد بهاء أبو شقة المحامى وأستاذ القانون الجنائى، إن التحقيق علم وفن، والنيابة العامة حينما تباشر هذا التحقيق يكون بأعضاء محترفين فى التحقيق الجنائى، وتسعى من خلاله أن تنتقل بتسلسل منطقى، وأن تجيب على أربعة أسئلة، وعندما تبلغ النيابة بأن هناك واقعة تفيد شبهة الجريمة مثل الواقعة، بأن شخص قائد حافلة ركاب فى طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى، وعندما أصاب الحافلة عطل، وأحد الركاب لفت نظره أن هناك جثة لشخص إلى جانب الطريق ومن هنا نقطة البداية، وتم مباشرة التحقيقات.
وأضاف أبو شقة، أن أى سلطة تحقيق تجيب على السؤال الأول، هل هذه الواقعة المبلغ عن محل التحقيق صحيحة أم غير صحيحة؟، ولو ثبت أن الواقعة حدثت، تنتقل للسؤال الثانى، وإذا لم تحدث تصدر قرارا بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية سببه عدم صحة الواقعة.
وأوضح أبو شقة، أنه لو ثبتت صحة الواقعة، ننتقل للمرحلة الثانية، هل هذه الواقعة تشكل جريمة جنائية وفقا للقوانين المصرية، لأنه قد تكون واقعة ثبت صحتها ولكنها نزاع مدنى وليست جريمة جنائية، ومن هنا إذا استقام لدى النيابة أن الواقعة تشكل جريمة تبدأ توجيه الاتهام، ولو لم تشكل جريمة تصدر قرارا بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم الجريمة.
وتابع: "وبعدها التساؤل الأهم، نسبة الواقعة لفاعل معلوم بذاته، من الذى ارتكب الجريمة؟، يعنى التحقيق بالسعى للكشف عن هوية الجانى أو الفاعل ولو تحددت يوجه الاتهام لهذا الشخص، وإذا لم تنجح للكشف عن شخص مرتكب الجريمة تصدر قرارا بعدم وجود إقامة الدعوى الجنائية لعدم معرفة الفاعل.
وواصل، أما السؤال الرابع، ما هو الدليل لمواجهة الشخص، إذا استقام أمر الدليل يقدم للمحاكمة، وإذا لم يستقم، يصدر قرارا بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم الجريمة لعدم كفاية الدليل، والدليل هو الجزء الأهم، ومسألة الدليل الجنائى ليست في المطلق ولكنها محكومة بضوابط دقيقة ومحددة بقانون وضوابط محكمة النقض.
واستطرد: "ما الذى حدث فى الواقعة المطروحة، قرأت كافة البيانات التى صدرت على مسيرة السنوات الخمس الماضية بشأن القضية المطروحة موضحا، نجد أن النيابة باشرت التحقيق وأثبتت، وانتهت بأمانة وتجرد بأن واقعة القتل المبلغ عنها صحيحة وحدثت، بأن ريجينى الذى كان متواجدا فى مصر تعرض لواقعة قتل، ثم بدأت النيابة العامة تسعى للإجابة عن التساؤل الثالث المتعلق بنسبة هذه الجريمة لفاعل معلوم بذاته، وبدأت التحقيقات وباشرت النيابة العامة هذه التحقيقات عبر كل الوسائل التي كانت متاحة أمامها على نحو ما تضمن البيان، بداية من ندب الطبيب الشرعى فور تلقيه البلاغ، وتكليفه باتخاذ ما يلزم من أصول مراعية في شأن استخلاص الأدلة الفنية.
وأكمل، "النيابة أجرت المعاينة وتم استخلاص الدلة المادية والبيولوجية التى خضعت لأدق وسائل الفحص المرئية للعالم أجمع، وانتهى تقرير الطب الشرعى إلى إثبات واقعة القتل وتحديد زمان القتل والملابسات والأسباب التي أدت لوفاة ريجينى، ثم عكفت النيابة للسعى لتجميع الأدلة، ولجأت لكل الوسائل التقنية والفنية المتاحة من خلال فحص الهواتف المحمولة.
وأوضح أن الأمر امتد لفحص جميع الشرائح المستخدمة في النطاقات الجغرافية التى تردد عليها المجنى عليه، وباشرت التحقيقات مع أعداد كبيرة من الشهود والأشخاص الذين تواجدوا ولو مصادفة، وكان هناك تعاون قضائى من الجانب الإيطالى وهو حق مشروع للجانب الإيطالى، ومشروع للجانب المصرى لو الواقعة عكسية".
وشدد أبو شقة، أن النيابة العامة بذلت كل الجهد بالوفاء بمتطلباتها في ظل الضوابط الدستورية والقانونية وهناك طلبات مساعدة قضائية قدمتها النيابة العامة المصرية للجانب الإيطالى استيفاء لبعض الأدلة والوقوف على حقيقة ما تكشف عنه الأ دلة فى شأن ملابسات الحادث، موضحا أن طلبات المساعدة القضائية محكومة باتفاقيات ثنائية للتعاون القضائية أو مظلة الاتفاقات الدولية التي تنظم هذه المسائل، وما أشار إليه بيان النيابة العامة له دلالة بالغة الأهمية بأن بعض الأدلة التي سعت النيابة للوصول إليها في كشف الحقيقة، وتحديد هوية القاتل لم تستطع النيابة أن تصل يدها لهذه الأدلة لاعتبارات خارجة عن إرادتها، وأن هذا الحاسوب أو الكمبيوتر الخاص بالمجنى عليه ليس تحت يد النيابة العامة المصرية، وإنما تحت يد الجانب الإيطالى فما تستطيع به النيابة.
وأوضح أن من وسائل المساعدة، أن يسلم لها الحاسوب حتى يمكن فحصه، لربما كشف عن دليل أو قرينة تفيد في بلوغ الحقيقة، وما لفت البيان إليه يكشف عن حقيقة بأن جميع الإجراءات التي كان من الممكن أن تتخذ في شأن التحقق اتخذتها النيابة العامة في ضوء كافة الوسائل المتاحة.
وأردف محمد أبو شقة: "أقول أن هذه القضية ليست قضية نمطية لأن الإجراءات التى اتخذت فيها بالنظر إلى ما حام حول القضية من ظروف وملابسات والنظر لشخصية المجنى عليه وظروف تردده على مصرو المهام العلمية، إلى أخر ما كشفت عنه التحقيقات أوجبت أن تمتد التحقيقات إلى إجراءات غير مالوفة في أقران قضايا القتل المألوفة، فمثلا مسألة التقصى في النطاقات الجغرافية التى تردد عليها المجنى عليه في الأيام السابقة لاختفائه وتحديد شرائح الهواتف المستخدمة ومحاولة الوصول لهم ومسائلة بعضهم مسألة غير مسبوقة تجعل من هذه التحقيقات صورة مضيئة للنيابة العامة المصرية.
وتساءل: "هل أن ريجينى وجد مقتولا في ذات الوقت في إيطاليا وباشرت النيابة العامة في روما التحقيقات وفقا للضوابط المرئية ومحكمة النقض الإيطالية، فإن قرار النيابة الإيطالية كان سينتهى إلى ذات القرار الصادر من النيابة العامة المصرية وهو حفظ التحقيقات".
وذكر أن ضوابط الاستدلال الجنائى، كيف يمكن أن نستخلص النتيجة من المقدمات المطروحة أمامنا، ذات الضوابط المراعية في القانون المصرى هي ذاتها في القانون الإيطالى، وأهمها أن الأحكام الجنائية لا تبنى على الشكوك والتخمين والظنون والافتراضات المجردة، وإنما تبنى بالجزم واليقين.
وأردف: "الفارق بين الدليل والقرينة والاستدلال والشبهة، حيث الدليل ما يستدل به دلالة مباشرة على المعنى المراد إثباته، وهو الاعتراف أو الشهادة، "واحد يجيى يعترف يقول أنا اللى قتلت"، أو "شاهد يقول شوفت فلان قتل فلان"، أما القرينة فهى عملية منطقية ينتقل بها من معلوم إلى مجهول، ولو وجدت بصمة فهذه قرينة أننى كنت متواجد في المكان، وليست دليلا على ارتكاب الجريمة، وهناك الأمارات أو الدلائل وهى عملية منطقية ينتقل بها من معلوم إلى مجهول وليس على سبيل الجزم ولكنه على سبيل الاحتمال، مثل تحريات الشرطة، كما قالت محكمة النقض الإيطالية، على أن مجرد معلومة لا تعبر إلا عن رأى قائلها ولا يصح أن يستند إليها، أما الشبهة، يعنى أنها ظنون ليس عليها أي قدر من التدقيق أو اليقين، أي مجرد هواجس وظنون وشكوك لا تستطيع أن تقيم عليها دليل أو قرينة أو أمارة، كما يستحيل أن توجه اتهامات أو تبنى إدانة استنادا لظنون أو شبهات، ولكن لا بد أن يرتكن لدليل يقينى لا يتطرق إليه الظن، وإذا قام أمر الشبهة سقط الاستدلال.
واستكمل محمد أبو شقة: "التحقيقات جاءت متضمنة لوقائع لم يكن فى حسبان أحد، حيث واقعة العثور على جثة ريجينى، لم تكن الواقعة المشمولة بالتحقيق، فهناك واقعة أخرى شاء الله أن تأتى سلسة بعد اكتشاف مقتل ريجينى بنحو شهر ونصف، ونجد أن واقعة مقتل ريجيني اكتشفت في فبراير 2016، وبعد ذلك بنحو شهر ونصف في سياق متصل في التجمع الخامس بدأ الإبلاغ عن وقائع سرقة بالإكراه يقوم بها تشكيل عصابى يستوقف المواطنين، وينتحل صفة ضباط شرطة ويستقل ميكروباص، ويزوروا أوراق كارنيهات تنسبهم لجهات أمنية، ويستوقفون المارة ومن ينخدع يدفعوا أموال، ومن يرفض يتم الإكراه بسرقة متعلقاته ويمتد لاحتجازه، وهذه الواقعة بُلغ عنها في التجمع الخامس، حيث يثبت من خلال عمل الشرطة ثم النيابة العامة أصدرت للشرطة الأذون القانونية بأن هذا التشكيل العصابى مكون من خمسة أشخاص دأب على ارتكاب جرائم النصب والسرقة بالإكراه وانتحال صفة ضباط، حيث إن المبلغين الذين تعرضوا لوقائع السرقة بالإكراه من التشكيل العصابى، أحدهم إيطالى الجنسية والأخر برتغالى والثالث نيجري وكل منهم حرر محضرا مستقلا برقم مستقل وكل في سياق زمنى مختلف.
واستطرد: "المحاضر أشارت إلى أن التشكيل العصابى تشكيلا واحدا، وبدأت النيابة التحقيق في الواقعة وأفضى للكشف عن هوية التشكيل العصابى، وبمناسبة أن الشرطة تتحرى للكشف عن التشكيل العصابى استوقفت الشرطة "ميكروباص" مشتبه به وأنه المعنى المشار إليه في البلاغات، وبدأوا في إطلاق أعيرة نارية على الشرطة وأفضى الأمر إلى مصرع هؤلاء الخمسة الذين كونوا التشكيل العصابى"، موضحا أنه بعد أن تم ذلك أصدرت النيابة العامة إذنها للشرطة بتفتيش مسكن هؤلاء الأشخاص وكانت المفاجأة، وبتفتيش منزلهم عثر على متعلقات ريجينى، حيث عثر على شريحة هاتف تليفونى خاص به الذى كان يستخدمها وعثر على بطاقة ائتمان خاصة به وعثر على بطاقات هويتها الخاصة بالجامعة التي كان يباشر بها بحثه وعثر على الحقيبة الخاصة به عليها علم إيطاليا، كما أن زوجة أحد المتهمين شهدت أمام النيابة العامة أن زوجها بمناسبة إجراء اتصال تليفونى مع آخر ممكن كانوا في التشكيل العصابى استمعت منه أنه يتحدث عن واقعة سرقتهم لشخص أجنبى واعتدائهم عليه بالضرب وفوق هذا قالت صراحة "ولما كنا قاعدين بنتفرج في التليفزيون وجه خبر مقتل ريجينى أصابه التوتر الشديد ومسك التليفون وكلم شريكه وقال الحق الولد اللى اعتدينا عليه بيتذاع أنه مات"، وكانت هي نقطة الربط بين الواقعة وتلك.
وتابع الدكتور محمد بهاء الدين أبو شقة المحامى بالنقض وأستاذ القانون، "ارتاح ضميرى عندما رأيت بيان النائب العام، بإسناد تهمة قتل ريجينى إلى مجهول، وهذا دليل على صفاء ونقاء التحقيقات التي أجريت، وأما ما يثار عن ضلوع قوات الأمن فما هى إلا عبارة عن إرهاصات وشكوك لا يوجد عليها دليل، ومن بين من أبلغوا جهات الأمن بالقلق من المعلومات التي يطلبها ريجينى وكانت التحريات قالت إن هناك ارتياب من تحركاته، ولكن التحريات قالت إن وجوده على أرض البلاد وجودا مشروعا وهو غادر مصر ثم عاد إليها فى 2016.
وأردف، لو أن الأمر متعلقا بجهات أمنية لمنعت دخوله البلاد أو منعته من المغادرة أصلا، والوضع ليس كما يريد أن يروج له البعض، وأنا سعيد لما انتهى إليه بيان النيابة العامة بأسلوب دقيق ومحترف.
وأضاف أن المفاجأة فى بيان النائب العام، تأكيد البيان إن القاتل لا يزال مجهولا، وهو ما يوضح عظمة القضاء المصرى، وقد تكون شهادتى مجروحة لأننى ابن من أبناء القضاء، ولكن الأمانة أوجبت على النيابة العامة، أن تأخذ بالقدر المتيقن، وقالت إنه الثابت هو سرقة المتعلقات، ولكن التحقيقات لم تثبت أنهم من قاموا بعملية القتل.
وعلق على من يتهمون الأمن بالضلوع فى القضية، ويشير إليهم بإصبع الاتهام، أن ما تضمنته التحقيقات قضايا بالغة الحساسية، وعليهم أن يتكلموا موطئ أقدامهم، ولو أن الأمر لا يحسب بميزان دقيق من العدالة لأسندت النيابة تهمة القتل إلى التشكيل العصابى ولانتهت القضية على ذلك، ولكن النيابة أسندت إليهم تهمة السرقة بالإكراه ولم تسند إليهم واقعة القتل، وأن من تلوك ألسنتهم أن أجهزة الأمن وراء مقتله وأن النيابة تقوم بحماية هذه الجهات لكان من الطبيعى أن توكل التهمة للتشكيل العصابى.
وأوضح، لو أن الجريمة قام بها جهاز أمنى لكان أمر يدعو إلى السخرية.. أى جهاز أمن يقوم بجريمة مثل هذه ويلقى بالجثة على الطريق؟، وأريد أن أسأل سؤالا لمن يرفعون لواء رأى آخر، أنتم تتهمون الدولة بإخفاء أفراد قسريا، لماذا لم تخفى أجهزة الأمن ريجينى قسريا؟، ولذلك أنا أقول أن هذا البيان كما طالعته والبيان الذى سبقه والذى تضمن تعاون الجانب المصرى مع الجانب الإيطالى تعاونا كبيرا وإن اختلفت وجهات النظر وهذا وارد وأمر مشروع ونتفهمه، ومالا أفهمه ان غير المتخصصين أو المتخصصين من أصحاب الهوى والميول يستخدمون الواقعة لمصالح أخرى .