لم يتوقع أحد أن المقال الصغير الذى سمح إبراهيم سعدة رئيس تحرير «أخبار اليوم»، بنشره ضد فيلم «ناجى العلى» يوم 7 ديسمبر 1991، سيكون نقطة البدء فى الحملة الصحفية الشعواء ضد الفيلم، وبطله نور الشريف، ومؤلفه السيناريست بشير الديك، ومخرجه عاطف الطيب.. «راجع، ذات يوم، 7 ديسمبر 1991».
غير أن الملاحظة الجديرة بالانتباه أن الإشادات بالفيلم كانت هى الحالة السائدة فى الصحافة المصرية، بعد عرضه فى افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى يوم 2 ديسمبر 1991، وتبارى نقاد وصحفيون من مشارب سياسية مختلفة فى إبداء الإعجاب به، واستمر ذلك حتى قبل 48 ساعة من عرضه فى دور السينما المصرية يوم 20 يناير 1992، حيث بدأت الحملة العنيفة ضده، وضد ناجى العلى ذاته بعد وفاته بخمس سنوات، حسبما يذكر سمير فريد فى كتابه «تاريخ الرقابة على السينما المصرية».
يتتبع «فريد» فى كتابه ردود الفعل اليومية إشادة وهجوما حتى يوم 27 فبراير 1992، بما يعنى أن الجدل حول الفيلم استمر نحو 3 أشهر، وأنه كان هناك تصميم من البعض على إسقاطه جماهيريا بشيطنة «العلى» سياسيا وإنسانيا.. يذكر أنه فى 4 ديسمبر نشرت نعمة الله حسين فى «آخر ساعة» أن مهرجان القاهرة نجح فى اختيار فيلم «ناجى العلى» أحد عباقرة الكاريكاتير فى عالمنا العربى، وهو صاحب موقف ورؤية وطنية خالصة، وكانت كلماته تؤرق الكثير من الأنظمة، وقالت سكينة فؤاد، رئيسة تحرير مجلة «الإذاعة والتليفزيون»، إنه لا يوجد توفيق أكثر من افتتاح المهرجان بفيلم «ناجى العلى»، ونور الشريف يبلغ ذروة النضج فى الفيلم، ومحمود الجندى فى عشر دقائق قدم دورا لن ينسى فى تاريخ السينما.
فى يوم 5 ديسمبر، نشر رمسيس فى «صباح الخير» كاريكاتيرا يقول لرئيس المهرجان «عليك نور»، فى إشارة إلى قيام نور الشريف بدور ناجى العلى، وقالت ماجدة موريس فى الجمهورية إنه مما يشرف مصر أن يكون أول عرض لهذا الفيلم بها، كما يستحق هذا الفيلم أن يتشرف بعرضه فى مصر أولا، وقالت ماجدة خيرالله فى الوفد إن بداية المهرجان بفيلم ناجى العلى بداية طيبة ومحترمة، وأنه أنضج وأرق مستوى فنى للمخرج عاطف الطيب.
فى يوم 6 ديسمبر، نشر أمين الرفاعى فى جريدة المساء، أن الفيلم قوبل بحماسة جماهيرية كبيرة لأنه جاء مثل رسوم ناجى العلى بالضبط من دون تزييف للحقائق، وفى 7 ديسمبر نشر هشام يحيى فى «أخبار اليوم» أن الفيلم لم يكن غير وسيلة لنقد الأوضاع العربية المتردية فى الوطن العربى، خاصة أن «العلى» دفع حياته ثمنا لنقده هذه الأوضاع.
فى 8 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1991 نشر باهى التهامى فى مجلة أكتوبر، كاريكاتير ناجى العلى المشهور «لا لكاتم الصوت»، وقال إن اختيار فيلم ناجى العلى لافتتاح المهرجان اختيار صائب بكل المقاييس، وأن رسوم ناجى العلى كانت موضوعية إلى درجة النقد الذاتى، وفى 9 ديسمبر نشر هشام لاشين فى «الأحرار» أن الناقد أمام عمل ملحمى رائع وخطير مثل فيلم ناجى العلى، يجد نفسه فى مأزق، فأى كلمات تقال ضئيلة وقاصرة على أن توفيه حقه، ويؤخذ على الفيلم عدم الإشارة إلى حرب أكتوبر 1973 التى جمعت العرب، وهو نفس المأخذ للناقد والممثل سعيد عبدالغنى فى جريدة الأهرام، لكنه أشاد بالفيلم قائلا: «جاء على مستوى فنى عال جعلنا نصفق بشدة».
فى 12 ديسمبر، كتب رؤوف توفيق فى مجلة «صباح الخير»: «لا أنكر امتنانى وحماستى للفيلم فهو عمل ضخم تحمله عاطف الطيب بإتقان فنى وبروح شعرية تفيض بالشجن والمعانى التى تزلزلنا من الأعماق، وأعترف أننى بكيت فى أكثر من مشهد»، وفى 16 ديسمبر انتقد مصطفى عبدالوهاب فى «العمال» ما جاء فى «أخبار اليوم» قائلا: «لسنا فى مناظرة حول من يكون الأفضل، رخا أم ناجى العلى، لأن ناجى العلى ليس مجرد رسام، ولكنه يمثل محنة القضية الفلسطينية»، ونشر رسام الكاريكاتير بهجت عثمان فى جريدة «مصر الفتاة» رسالة إلى ناجى العلى، يذكر فيها يوم جاء إلى القاهرة بعد زواجه ليقضى أسبوع عسل، ويوم منح اسم ناجى العلى جائزة القلم الذهبى للحرية من اتحاد ناشرى الصحف الأوروبية كان بذلك أول عربى ينال هذا الشرف.
تواصلت كتابات الإشادة فى الأيام التالية من نعم الباز فى «الأخبار»، وأبوالعباس محمد فى «الشعب»، وغنيم عبده فى «الكواكب»، ومحمود سعد فى «الأهالى»، حتى شن «سعدة» حملته العنيفة ضد الفيلم من 18 ديسمبر 1991، ودخلها آخرون، وتنوعت أشكالها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة