لم يتقبل اليهود، بسهولة، وجود النبى محمد عليه الصلاة والسلام فى المدينة المنورة، لكن ما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك.
يقول كتاب "البداية والنهاية" لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "خبر يهود بنى قينقاع فى المدينة:
وقد زعم الواقدى أنها كانت فى يوم السبت النصف من شوال، سنة ثنتين من الهجرة، فالله أعلم، وهم المرادون بقوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الحشر: 11] .
قال ابن إسحاق: وقد كان فيما بين ذلك من غزو رسول الله ﷺ أمر بنى قينقاع.
قال وكان من حديثهم: أن رسول الله ﷺ جمعهم فى سوقهم ثم قال: يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا فإنكم قد عرفتم أنى نبى مرسل، تجدون ذلك فى كتابكم وعهد الله إليكم.
فقالوا: يا محمد إنك ترى أنا قومك، لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، أما والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس.
قال ابن إسحاق: فحدثنى مولى لزيد بن ثابت عن سعيد بن جبير، وعن عكرمة عن ابن عباس قال: ما نزلت هؤلاء الآيات إلا فيهم: { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِى فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا } [آل عمران: 12-13] يعنى أصحاب بدر من أصحاب رسول الله ﷺ وقريش.
"فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْى الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِى الْأَبْصَارِ} [آل عمران: 13]
قال ابن إسحاق: وحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة أن بنى قينقاع كانوا أول يهود نقضوا العهد، وحاربوا فيما بين بدر وأحد.
قال ابن هشام: فذكر عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، عن أبى عون قال: كان أمر بنى قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بنى قينقاع، وجلست إلى صائغ هناك منهم، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها.
فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديا، فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فأغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بنى قينقاع.
قال ابن إسحاق: فحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة قال: فحاصرهم رسول الله ﷺ حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبد الله بن أبى بن سلول حين أمكنه الله منهم فقال: يا محمد أحسن فى موالى وكانوا حلفاء الخزرج، قال: فأبطأ عليه رسول الله ﷺ فقال: يا محمد أحسن فى موالى فأعرض عنه.
قال: فأدخل يده فى جيب درع النبى ﷺ.
قال ابن هشام: وكان يقال لها ذات الفضول، فقال له رسول الله ﷺ: «أرسلني» وغضب رسول الله ﷺ حتى رأوا لوجهه ظللا، ثم قال: «ويحك أرسلني».
قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن فى موالى أربعمائة حاسر، وثلثمائة دراع قد منعونى من الأحمر والأسود، تحصدهم فى غداة واحدة، إنى والله أمرؤ أخشى الدوائر.
قال: فقال له رسول الله ﷺ: «هم لك».
قال ابن هشام: واستعمل رسول الله ﷺ فى محاصرته إياهم أبا لبابة - بشير بن عبد المنذر - وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليلة.
قال ابن إسحاق: وحدثنى أبى، عن عبادة بن الوليد، عن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله ﷺ تشبث بأمرهم عبد الله بن أبى وقام دونهم.
ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله ﷺ، وكان من بنى عوف له من حلفهم مثل الذى لهم من عبد الله بن أبي، فخلعهم إلى رسول الله ﷺ، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وقال: يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم.
قال: وفيه وفى عبد الله بن أبى نزلت الآيات من المائدة: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض.. } الآيات حتى قوله: { فترى الذين فى قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة } يعني: عبد الله ابن أبي، إلى قوله: { ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } يعني: عبادة بن الصامت، وقد تكلمنا على ذلك فى التفسير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة