الدكتور عادل أحمد رئيس قطاع الصحة بالمؤسسة: نجرى جلسات تأهيل نفسى للضحية وأهلها والفريق الطبى المعالج لشدة ما يتعرضون له من ألم نفسى
قادها عملها التطوعى لخدمة مصابى ثورة الخامس والعشرين من يناير، لإطلاق أول مؤسسة معنية بالعلاج والوقاية من الحوادث والحروق فى مصر والشرق الأوسط، وقتها رأت الجرحى يتساقطون أمام عينيها دون منقذ، فأدركت أن هناك مشكلة تتعلق بعلاج مصابى الحروق، خاصة بعدما انهالت عليها اتصالات الأهالى يطلبون مساعدتها لإنقاذ أرواح ذويهم.
هبة السويدى، مؤسس ورئيس مجلس أمناء مؤسسة أهل مصر، أول جهة تنموية غير هادفة للربح معنية بالعلاج والوقاية من حوادث الحروق فى مصر والشرق الأوسط، تحكى عن التحديات التى واجهتها منذ إطلاق المؤسسة وحتى وقتنا هذا، والممثلة فى صعوبة توفير أسرة وغرف عناية مركزة لضحايا الحروق فى المستشفيات، بالإضافة لقلة وعى المواطنين بمسببات الحروق خاصة فى المناطق الفقيرة، وطرق مؤسستها للتغلب على تلك الصعاب وسبل التوعية بمسببات الحروق فى مختلف محافظات مصر.
وخلال الندوة التى عقدتها «اليوم السابع»، فى حضور وفد من مؤسسة أهل مصر، كشفت السويدى عن آخر المستجدات الخاصة بمشروع مستشفى أهل مصر المعنى بعلاج ضحايا الحروق بالمجان، وتطرقت أيضا للإنجازات التى حققتها المؤسسة منذ أن قررت العمل فى هذا الملف مع أواخر 2014 وحتى وقتنا هذا، وما الذى تحتاجه المؤسسة من دعم مجتمعى خلال الفترة المقبلة.. وإلى تفاصيل الندوة:
كيف جاءت فكرة المؤسسة؟
الدكتورة هبة السويدى: هذه هى المؤسسة الوحيدة المعنية بعلاج الحروق، بدأت فى أول 2013 وتخصصنا فى علاج ضحايا الحروق أواخر 2014، والدافع الأول لإنشائها هوعملى التطوعى لخدمة مصابى الثورة بسبب قنابل المولوتوف، وقتها عانينا كثيرا لإنقاذ الحالات، أما الدافع الثانى فهو إصابة طفلة رضيعة بحروق يوم «سبوعها»، عندما نسيت الأم الشمعة مشتعلة بجوار رضيعتها فسقطت وأحرقتها فى الحال، بحثنا كثيرًا فى المستشفيات لإيجاد مكان داخل العناية المركزة لهذه الحالة، فلم نجد مطلقًا وللأسف فارقت الطفلة الحياة.
وضمن كل ألف مريض فى مصر لا يوجد سوى سرير واحد فقط داخل العناية المركزة، هذا علمًا بأن مريض الحروق يحتاج إلى سرير داخل العناية المركزة بمواصفات خاصة، بالإضافة إلى أن الأطباء والممرضين لا بد وأن يكون لديهم الوعى الكافى للتعامل مع تلك الحالات المرضية، خاصة أن 37% من الحالات المصابة بالحرق تتوفى خلال أول 6 ساعات، إذا لم يتم إسعافها فورا خلال الفترة الزمنية المحددة، وقتها أدركنا أن هناك أزمة.
بعد تلك الحادثة قررنا إنشاء مستشفى أهل مصر لعلاج الحروق، حيث بدأنا فى عمل دراسات كثيرة لبحث هذا المشروع والمشكلات التى تعوقه، ومعرفة أهمية هذا التخصص فى مصر، وهل النسبة المصابة تسمح بإنشاء مستشفى كهذه أم لا، وما هى الأسباب التى تؤدى إلى الحروق فى مصر، وما عدد الحالات المصابة بالحروق فى مصر سنويًا، وما هى جوانب التوعية والوقاية؟ فكانت النتيجة أكبر من التوقع، حيث أثبتت الدراسات أن نسبة المصابين بالحروق فى مصر 250 ألف حالة حرق كل عام، نسبة لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية عن مرضى الحروق فى مصر، وهذا ما استطعنا فقط حصره، وأتوقع أن العدد أكثر من ذلك بكثير، خاصة أن غالبية الحالات المتوفية يتم تسجيل سبب الوفاة «هبوط فى الدورة الدموية» حتى لا يتعرض الأهالى للمساءلة القانونية.
هذا واقع نعيش فيه، فضحية الحرق لا يجوز أن نضعه على قائمة انتظار، لأن الوقت يعرض المريض إلى حالات جفاف أوعدوى، والمحزن أن 250 ألف حالة المصابة بالحروق يتوفى منهم 190 ألف حالة كل عام لعدم وجود أماكن مجهزة، فطبيعة مرضى الحروق يتعرضون لحادثة وليست حالة مرضية عادية، ولهذا تكون الأعداد كبيرة تحتاج لأماكن كثيرة مثلما حدث فى واقعة قطار محطة مصر وغيرها.
ملف علاج الحروق فى مصر يمس قضايا كثيرة داخل مجتمعنا، كالعنف ضد المرأة والتسرب من التعليم والإعاقة والتنمر، ورغم ذلك لم يسلط أحد الضوء عليها، لذلك قررت إنشاء مستشفى لعلاج الحروق وتوجهت إلى رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى على الفور وشرحت له القضية كاملة، وطلبت منه قطعة أرض لإنشاء المستشفى، فطلب مهلة يومين، وبعدها مباشرة بشرنى بمنحى قطعة أرض فى منطقة التجمع الخامس، وهذا الموقع كنت أتمناه، لأن هذه المنطقة قريبة من العاصمة الإدارية الجديدة، وسهل الوصول إليها فى أسرع وقت ممكن، وبالفعل وضع رئيس الوزراء حجر أساس المستشفى بنفسه، والآن انتهينا من البناء الخرسانى الخاص به وبناء الغرف، وفى انتظار التشطيبات والتجهيزات، ومن المقرر أن يتم افتتاح المستشفى عام 2021، وستعمل المستشفى على محورين، العلاج من الحروق وباقى إصابات حوادث الطرق لتقديم خدمات علاجية تحاكى مراكز ومستشفيات الدول المتقدمة فى الخارج، ونحن الآن نستقبل مكالمات الحالات على الخط الساخن 16863.
وما الذى حققته المؤسسة على أرض الواقع من تاريخ تأسيسها وحتى الآن؟
الدكتورة هبة السويدى: العمل داخل المؤسسة يتم على عدة محاور مهمة، منها العلاج، حيث تم علاج 4000 حالة حروق، وقد تصل الجراحات فى الحالة الواحدة إلى 20 أو30 عملية جراحية، فمشكلة الحروق أننا نعيش سنين طويلة مع الحالة المرضية فقط لتحسين حالتها، وبالإضافة لذلك نعمل على برنامج التوعية والوقاية على مستوى الجمهورية كاملة، كما أنه لدينا برنامج مهم جدا هو القرية الآمنة، فمن خلال فرق المؤسسة ننتقل للقرى، ونقوم بشرح طرق الوقاية للأهالى هناك، ونبحث عن مسببات الحروق فيها، فمثلا نعيد بناء الأسقف لنقلل من نسب الحريق داخل القرى، وأيضًا لدينا محور مهم للغاية وهو مبادرة «إنسانية بلا حدود»، وهدفها إعادة دمج مرضى الحروق داخل المجتمع مرة أخرى، حيث إنهم يتعرضون إلى أشكال مختلفة من التنمر الشرس، وكثيرًا منهم يحُرمون من التعليم والبعض يفقد وظيفته، إلى جانب أنهم لا يستطيعون الخروج من منازلهم ويفقدون القدرة على السير فى الشارع مثل الآخرين، فيحرموا أنفسهم من ملذات الدنيا لمجرد أنهم تعرضوا للحروق دون إرادتهم.
وما الذى تحتاجه مؤسسة أهل مصر خلال الفترة المقبلة لإتمام رسالتها؟
الدكتورة هبة السويدى: الشعب المصرى شعب خير، وكل ما نحتاجه هو الدعم والمساعدة لإتمام بناء المستشفى، وأطلب من كل مواطن إذا رأى ضحية حروق لا يتردد فى التواصل معنا، وسنوفر لها كل الإمكانيات المتاحة، وإذا رأيت أيضا أى سلوك خاطئ فى الشارع كمحولات الكهرباء والأسلاك المكشوفة، بلغنا فورا لنتدخل قبل فوات الآوان، وأخيرا أريد أن أقول إن قضية الحروق فى مصر والتوعية بها هى بالنسبة لى تحدٍ لن نخسره.
وما شكل الدعم الطبى الذى يتم تقديمه للحالات؟
الدكتور عادل أحمد، مسؤول قطاع الصحة بمؤسسة أهل مصر يقول: نحن ندعو لدور مختلف تقدمه المستشفيات بواسطة القطاع الطبى داخلها، فلا بد أن يفكر الجميع بشكل وتصور مختلف للأهداف التى يبحثون عنها، سابقًا كان هدفنا هو العلاج فقط، ولكن الآن نحن نهدف إلى أن ضحية الحرق يعود مرة أخرى للمجتمع مثلما كان، كى يكون عضوا فعالا يعمل بكفاءته السابقة، ولتحقيق هذا الهدف، لا بد من توفير طرق سريعة لتوصيل هذه الضحية إلى أقرب مكان للعلاج.
لدينا علاقات قوية جدًا بكل المستشفيات التى تقدم هذا الدعم، وبدورها أتاحت لنا الفرصة كى نقوم بنقل المريض فى الحال، كما لدينا فرق عمل لوجستية تقوم بنقل المرضى لأقرب مكان للعلاج، وهناك أيضا فرق أخرى مسؤولة عن التأكد من توافر كل المستلزمات الضرورية لمرحلة العلاج، بخلاف فريق آخر معنى بمتابعة المريض داخل المستشفى، أما الباحث الاجتماعى فيظل مع الحالة المصابة، ويقدم الدعم النفسى والمادى اللازم لأسرتها.
البعض ينظر لمثل تلك العمليات على اعتبار أنها عمليات تجميلية وبالتالى فهى رفاهية.. فما رأيك؟
الدكتور عادل أحمد: ما نود التأكيد عليه هو أن الجلد أكبر عضو بجسم الإنسان، وله كمية وظائف لا تعد ولا تحصى، وفقدان الإنسان لهذا الجلد يعرض حياته للخطر حتى لو كانت مساحة صغيرة، فمثلًا له وظائف تتعلق بالتنفس واختلال الأكسجين فى جسمه، وله أيضًا وظائف تتعلق بالإخراج كالسموم وغيرها، فكل الأجهزة داخل الجسم تتأثر سلبيًا بالحرق، ولذلك يتابع المريض مجموعة من الأطباء المتنوعين وليس طبيبا واحدا فقط، فبعد تحقيق هدفنا بخروج المريض من المرحلة الحرجة نبدأ فى تقديم الدعم النفسى والتأهيلى ليكون هذا الشخص ذو دور فعال داخل مجتمعه، خاصة أن هناك حالات تستعدى تركيب بدائل لبعض أعضاء الجسم كالأطراف والأذن والأعين الصناعية كى يستطيعوا التعايش داخل المجتمع، وهذه ليست عمليات تجميل يتم إجراؤها رفاهية، ولكنها عمليات تكميلية ضرورية لتستطيع تلك الحالات ممارسة حياتها بشكل طبيعى.
والدعم لا يقدم للمريض فقط، ولكن يُقدم لأهله أيضًا، كى يتقبلوا ضحية الحرق ويتعلموا كيفية التعامل معه، وهناك أيضا من يحتاج للدعم كالمريض بالضبط، وهو الفريق الطبى الذى يقدم الدعم للحالات المرضية، فهذا الفريق يعيش وسط الحياة والموت، وللأسف احتمالية الموت أكثر من الحياة، ويعيش وسط التأوهات والألم والشكوى لذلك يحتاج إلى دعم نفسى كى يستطيع أن يؤدى رسالته.
وهل نجحت المؤسسة فى إعادة دمج ضحايا الحروق أم أن هناك صعوبات مجتمعية تحول دون ذلك؟
الدكتورة هبة السويدى: مازلنا نواجه مشكلة تتعلق بعدم قدرة ضحايا الحروق على السير فى الشارع، حيث إن هناك 18% من الحالات تعانى من الإعاقة الدائمة، ومن أصعب الأشياء أن الضحية التى تتعرض لتشوه فى الوجه مثلا تعانى من التنمر بشكل أكبر من المصاب بإعاقة عادية، وفى رأيى قضية مرضى الحروق فى مصر هى قضية أمن قومى تمس عصب مجتمعنا، فبسهولة كبيرة يمكن استقطاب هؤلاء المرضى الذين يعانون من رفض مجتمعى بسبب شكلهم الخارجى من قبل الجماعات المتطرفة، والسيطرة على عقولهم وتجنيدهم لخدمتهم فيتحولوا لإرهابين، لذلك نحن نطالب بإعادة دمج ضحايا الحروق داخل المجتمع مرة أخرى وتقبل الظروف القدرية التى حلت بهم.
وما الفئات العمرية الأكثر عرضة لمثل تلك الحوادث وفقا لما تم رصده على أرض الواقع؟
الدكتورة هبة السويدى: 60% من حالات المرضى المصابين بالحروق أطفال، و36% أيضًا من حالات العنف ضد المرأة والطفل سببها الحروق، وهذه نسب قدمها المجلس الأعلى للأمومة والطفولة فى إحدى بياناته مؤخرًا، وللأسف لا يوجد رادع لهذا العنف، فحالات الحروق كثيرة ومتنوعة منها إهمال بعض الهيئات الحكومية كوزارة الكهرباء، وترك أبواب المحولات الكهربائية مفتوحة لتصعق المارة، وكان آخرهم الطفل عبدالرحمن، وهذه الحادثة كانت من وقت قريب فى إحدى قرى محافظة الفيوم، وكانت نتيجتها بتر كف الطفل صاحب التسع سنوات كمرحلة أولية، ومن المتوقع أن يتم بتر ذراعه بالكامل.
الدكتور عادل أحمد: بالرغم من أن هناك العديد من الحالات التى يصعب علاجها، فإن هناك أيضًا العديد من الحالات تم شفاؤها تماما وإعادة دمجها داخل المجتمع، ومن ضمن تلك الحالات حالة الفتاة «سامية» وهى إحدى ضحايا الحروق، ومرت بما يقرب من 12 عملية جراحية، وتم علاجها تمامًا وتأهيلها ودمجها داخل المجتمع وهى الآن تحضر لرسالة الدكتوراه من سويسرا.
وما آخر المستجدات فيما يتعلق بمستشفى أهل مصر لعلاج ضحايا الحروق بالمجان؟
الدكتور عادل أحمد: خطوة المستشفى جاءت بعد جولات عديدة أجريناها داخل مصر وخارجها للوقوف على كل جديد ومتميز فى المجال الطبى المتعلق بقضايا الحروق، وبالفعل حرصنا فى المستشفى الذى يتم تجهيزه الآن على أعلى مستوى، بتوفير مركز بحثى للأطباء وتخصيص الدور الأرضى بالكامل لاستقبال حالات الطوارئ، خاصة فى حالة الحوادث الكبيرة التى تشهدها البلاد مثل حادث محطة رمسيس على سبيل المثال، بالإضافة إلى أننا نتمنى أن يكون لهذا المستشفى ثمانى أفرع فى مختلف المحافظات لاستقبال حالات الحروق.
وبخلاف هذا كله، سيتم من خلال المستشفى أيضا تقديم الدعم النفسى للمرضى والأهالى والطاقم المعالج، ليكون هناك سرعة فى العلاج تتيح لنا إضافة حالات مرضية أكثر، هذا بخلاف عقد شراكات مع مراكز طبية مختلفة، هذا بالإضافة لتزويدها أيضا بمهبط طائرات لتقديم خدمة الإسعاف الطائر، التى ستسهل علينا كثيرا نقل الحالات خاصة من المحافظات البعيدة فى أسرع وقت ممكن لإنقاذ حياتهم.
والمستشفى الآن تستوعب عدد 200 سرير وهذا يعد أربع أضعاف مستشفيات الحروق فى الدول الكبرى، وبما أن غالبية حوادث الحروق تقع فى المناطق الأكثر فقرا، وبما أن هناك كثيرا من أطباء التجميل عزفوا عن إجراء مثل تلك العمليات لضحايا الحروق فى الفترة الأخيرة، أتصور أن هذا المستشفى سيساعد ضحايا الحروق بشكل كبير فى إتمام رحلتهم العلاجية، وتفتح لهم طريقًا جديدا داخل المجتمع.
وسيقوم المستشفى بفتح منصة كبيرة للبحث العلمى فى هذا المجال، وسيكون هناك مركز طبى متخصص فى علاج الحروق على مستويات عالية عالميا، وبالتالى ستخلق مجال جذب لأطباء التجميل داخل المستشفى لخلق مستوى تعليمى مختلف، وخلق تعاون مثمر مع أطباء وزارة الصحة، كى يكون هناك شكل من أشكال التمكين لمرضى الحروق فى مصر.
وما الإرشادات الوقائية التى تقومون بنقلها للمواطنين لتجنب وقوع المزيد من الحوادث؟
الدكتور عادل أحمد: يجب الاعتراف بأن المنزل ليس مكانا آمنا على الإطلاق وبالتحديد المطبخ، لذلك علينا أن نتجنب دخول الأطفال أثناء الطهى، خاصة فى وجود قلايات الزيت، والحرص على توفير طفايات الحريق فى المنزل، وأن يكون لدينا معرفة جيدة باستخدامها والتأكد من أنها مطابقة للمواصفات القياسية، الاتصال برقم التواصل 16863 للاستفسار، وطلب التدخل الابتعاد عن الوصفات المنزلية عند حدوث أى نوع من الحروق واللجوء للطبيب، ضبط الأحمال الكهربائية والابتعاد عن مناقد النار للتدفئة فى فصل الشتاء داخل القرى المصرية.