رئاسة نموذجية ودور ريادى قدمته مصر على مدار عام كامل فى منصب رئيس الاتحاد الأفريقى، فما بين تقديم أفريقيا إلى العالم ومناقشة قضايا القارة فى المحافل الدولية، وما بين تقريب وجهات النظر بين دول القارة والمجتمع الدولى، كان للدولة المصرية أدوار أخرى أكثر أهمية من بينها حل المشكلات القائمة بين الدول الأفريقية وداخل تلك الدول نفسها، والتى طالما عانت من حروب أهلية ونزاعات كان لها عظيم الأثر فى تخلف القارة عن ركب التنمية، ومن ضمن تلك الأدوار أيضاً حماية دول القارة من التدخلات الخارجية ومحاولات استغلال ما تعانيه من مشكلات لنهب ثرواتها.
وبمبادرة من الرئيس عبد الفتاح السيسى استضافت القاهرة قمتين لبحث الأزمة السياسية فى كل من السودان وليبيا، هما القمة التشاورية لشركاء السودان بالقاهرة، وقمة الترويكا لمناقشة مستجدات الاوضاع على الساحة الليبية إبريل 2019.
وجاء هذا التحرك فى ظل رئاسة مصر للدورة الاتحاد الافريقي، حيث دعا الرئيس السيسى وبمبادرة منه إلى عقد قمة تشاورية لشركاء السودان الإقليميين للتباحث فى سبل تقديم الدعم والمساندة للأشقاء فى السودان.
كما عقدت أيضاً فى ذات الوقت قمة الترويكا التي جمعت قادة مصر وجنوبِ إفريقيا وروندا ورئاسةَ لجنة ليبيا في الاتحاد الإفريقي، لمناقشة مستجدات الأوضاع على الساحة الليبية، وأسفرت القمتان عن توحيد الرؤى بشأن الأوضاع والتطورات في كل من البلدين الشقيقين.
حرصت مصر على استكمال جهودها لتعزيز التعاون مع الأشقاء الأفارقة، والتأكيد على دور مصر الريادي في القارة، والذي تزامن مع عام الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي، حيث واصلت مصر التعاون على المستوى الثنائي مع كافة دول القارة الأفريقية، وتابعت وتفاعلت بإيجابية مع التطورات في القارة، الأمر الذي انعكس على حجم الزيارات المتبادلة واللقاءات رفيعة المستوى بين مصر والدول الأفريقية، حيث عقد وزير الخارجية لقاءات مع نظرائه من كل من كينيا، وجيبوتي، والصومال، وغينيا كوناكري، وإريتريا، ورواندا، والسنغال، وغانا، وناميبيا، وسيراليون، وموزمبيق.
كما شاركت وزارة الخارجية في إعداد وتنظيم الزيارات والمقابلات الثنائية بين كبار المسؤولين المصريين ونظرائهم الأفارقة بالتنسيق مع الجهات الوطنية المعنية، لتشمل لقاءات مع كل من رئيس الوزراء التنزاني، ووزيريّ داخلية الصومال وتنزانيا، ووزير الصحة الصومالي، ووزير الاقتصاد التشادي، ووزير العدل الصومالي، ووزير الكهرباء التنزاني، ووزير الثقافة الأنجولي، ووزير الاتصالات الإيفواري.
كما وقع وزير الخارجية سامح شكري، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، في11ديسمبر2019، اتفاقية استضافة مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات، والذي اقترحت مصر إنشاءه في فبراير 2019،وقال الرئيس السيسي عن المركز: "نهدف إلى أن يكون المركز بمثابة منصة تنسيق جامعة وعقل مفكر يعكف على إعداد برامج مخصصة للدول الخارجة من النزاعات، تراعي خصوصية كل دولة، وتحمي حقها في ملكية مسار إعادة الإعمار والتنمية "والمركز يختص بإعادة الإعمار والتنمية الأفريقية، وتحصين الدول الأفريقية الخارجة من النزاعات والصراعات ضد أخطار الانتكاس، إلى جانب بناء قُدرات مؤسسات الدول لأداء مهامها في حماية أوطانها ترسيخا للاستقرار والسلام.
وبجانب اسهامات الدولة المصرية فى إرساء السلام بين دول القارة بعضها البعض، ومكونات وقوي الدول واحدة كما هو الحال فى السودان، تصدت مصر كذلك لأطماع القوي الخارجية فى القارة السمراء، كما هو الحال مع تصديقها للمخطط التركي لغزو الأراضي الليبية.
وفى بداية العام الجاري، وبعد موافقة البرلمان التركي على إرسال قوات إلى الأراضي الليبية ، أدانت مصر الخطوة مؤكدة أنها جاءت على أساسل باطل ممثلاً فى مذكرة تفاهم وقعت فى إسطنبول بين فايز السراج رئيس ما يعرف بالمجلس الرئاسي الليبي وتركيا.
وأكدت الخارجية المصرية حينها على ما تُمثله خطوة البرلمان التركي من انتهاك لمقررات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن حول ليبيا بشكل صارخ، وبالأخص القرار (1970) لسنة 2011 الذي أنشأ لجنة عقوبات ليبيا وحظر توريد الأسلحة والتعاون العسكري معها إلا بموافقة لجنة العقوبات، مُجدداً اعتراض مصر على مذكرتيّ التفاهم الباطلتين الموقعتين مؤخراً بين الجانب التركي و"السراج"، وعدم الاعتراف بأي إجراءات أو تصرفات أو آثار قانونية قد تنشأ عنهما، نتيجة مخالفة إجراءات إبرامهما للاتفاق السياسي الليبي الموقع بالصخيرات في ديسمبر 2015، وبالأخص المادة الثامنة التي لم تخول "السراج" صلاحية توقيع الاتفاقيات بشكل منفرد، وخولت في ذلك المجلس الرئاسي مجتمعاً، واشترطت مصادقة مجلس النواب على الاتفاقيات التي يبرمها المجلس الرئاسي.
كما حذرت مصر من مغبة أى تدخل عسكرى تركى فى ليبيا وتداعياته، وتؤكد أن مثل هذا التدخل سيؤثر سلباً على استقرار منطقة البحر المتوسط، وأن تركيا ستتحمّل مسئولية ذلك كاملة.
وأكدت مصر فى هذا الصدد على وحدة الموقف العربى الرافض لأى تدخل خارجى فى ليبيا، والذى اعتمده مجلس جامعة الدول العربية فى اجتماعه يوم 31 ديسمبر 2019، وتذكر بالدور الخطير الذي تلعبه تركيا بدعمها للتنظيمات الإرهابية وقيامها بنقل عناصر متطرفة من سوريا إلى ليبيا، مما يُبرز الحاجة المُلحة لدعم استعادة منطق الدولة الوطنية ومؤسساتها في ليبيا مقابل منطق الميليشيات والجماعات المُسلحة الذي تدعمه تركيا ويعوق عودة الاستقرار فى هذا البلد العربى، فضلاً عن أى احتمال للتدخل العسكرى التركى فى ليبيا باعتبار أن هذا التطور إنما يهدد الأمن القومى العربى بصفة عامة، والأمن القومي المصرى بصفة خاصة، مما يستوجب اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بحماية المصالح العربية من جراء مثل هذه التهديدات.
ودعت مصر المجتمع الدولى للاضطلاع بمسئولياته بشكل عاجل فى التصدى لهذا التطور، المنذر بالتصعيد الإقليمى، وآثاره الوخيمة على جهود التوصل عبر عملية برلين لتسوية شاملة وقابلة للتنفيذ تقوم على معالجة كافة جوانب الأزمة الليبية من خلال المسار الأممي.
وقادت الدولة المصرية تحركات دولية جادة لإجهاض مخطط الغزو التركي لليبيا ولاتزال، واستضافت مصر قمة ثلاثية بحضور فرنسي وإيطالي ويوناني وقبرصي للرد على التحركات التركية ومحاولات التدخل فى الأراضي الليبية وتداعيات ذلك على دول البحر المتوسط.
وفى الثامن من يناير، استضافت مصر مؤتمراً عالمياً للتحذير من مخاطر التحركات التركية، دعا خلاله وزير الخارجية سامح شكري إلى وقف القتال فى ليبيا واحترام القانون الدولى ، مؤكدا على أن تركيا تدعم مجموعات ومليشيات مسلحة مدرجة على عقوبات مجلس الأمن
فيما قال وزير الخارجية الفرنسى جان إيف لودريان حينها إن اتفاق ترسيم الحدود بين تركيا والوفاق موضوع يثير القلق بشكل كبير، مشيرا إلى أن الاتفاق يؤثر مباشرة على دول الاتحاد الأوروبى لأنه اتفاق غير قانونى بشكل كامل ويخالف القانون الدولى.
وأشار لودريان، إلى أن تركيا يمكنها أن تكون لاعبا فى شرق المتوسط فى حال قبلت بقانون البحار، مشددا على أن مبادئ ثلاثة تحفظ استقرار سرق المتوسط هى احترام القانون الدولى والحوار واحترام سيادة الدول.
وشدد الوزير الفرنسى على أن الاستقرار فى ليبيا هام للغاية للمنطقة المغاربية، مؤكدا دعم الدول لاجتماع برلين الحوار ليبى برعاية الأمم المتحدة والاتفاق الأفريقي.
بينما قال وزير خارجية قبرص إن تركيا تمنع قبرص من القيام بأنشطة اقتصادية في منطقة شرق المتوسط، مؤكدا أن ممارسات تركيا امتدت فى المتوسط وتدخل أنقرة فى سوريا وليبيا وهو ما يمثل تهديدا للاستقرار الإقليمي والاتحاد الأوروبي.