قبل نحو أربع سنوات من الآن، كانت قضية التدخل الروسى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2016 لا تزال تختمر قبل أن تزداد اتساعا يوما بعد يوم حتى موعد الانتخابات وبعدها، وظلت تلاحق دونالد ترامب بعد دخوله البيت الأبيض. وكانت نقطة الصدام الرئيسية بين الرئيس الذى ينكر وجود هذا التدخل ويصفه بالخدعة الكبرى، وبين مجتمع الاستخبارات الأمريكية الذى عارض الرئيس فى رؤيته وأقر هذا التدخل وحذر من استمراره.
والآن يكاد نفس السيناريو يتكرر مرة أخرى، لكن الفارق أن ترامب فى موضع أكثر رسوخا فى البيت الأبيض، أقوى سياسيا أمام خصومه الديمقراطيين بعد نجاته من محاولة الإطاحة به فى معركة العزل بالكونجرس، لا يتوانى عن استخدام سلطاته لمنع الحديث عن أى تدخل أجنبى لصالحه فى الانتخابات.
وتجلى هذا بقرار الرئيس الإطاحة بتعيين القائم بأعمال مدير الاستخبارات الوطنية جوزيف ماجواير واستبداله بحليف له بعد تسريب ما ورد فى إحاطة استخباراتية تتحدث عن تدخل روسى فى الانتخابات لصالح ترامب وبيرنى ساندرز الديمقراطى.
وتقول صحيفة "واشنطن بوست" إن الطريقة التى تعامل بها الرئيس دونالد ترامب مع الكشف عن أنباء التدخل الروسى فى الانتخابات قد بعثت برسالة مخيفة لمجتمع الاستخبارات الأمريكي.
فبالإطاحة بجوزيف ماجوير، القائم بأعمال مدير الاستخبارات الوطنية بعدما كشف الأخير عن إحاطة تتناول التدخل الخارجى فى الانتخابات، ذكّر ترامب أعضاء مجتمع الاستخبارات أنه يرى المعلومات التى يقدموها له بمنظور شخصى للغاية.
ولفتت الصحيفة إلى أن ترامب وبخ ماجواير فى المكتب البيضاوى فى 14 فبراير، وقال إن مجتمع الاستخبارات سلم الديمقراطيين سلاحا سياسيا خلال إحاطة غير حزبية قبل يوم حول الجهود المبذولة لتأمين انتخابات 2020. وقالت مسئولة استخباراتية بارزة عملت مع ماجواير إن روسيا تفضل ترامب، ووصفت خطوات أخرى تقوم بها روسيا منها مساعدة الحملة الرئاسية لبيرنى ساندرز.
لكن ترامب لم يرد برفض التدخل الروسى أو الضغط على مسئوليه للعمل بجد أمبر لردعه، وإنما قال لماجواير ومسئول استخباراتى آخر كان حاضرا أنهما يتم التلاعب بهما، وفقا لما ذكره مسئول رفيع المستوى بالبيت الأبيض.
وبعد خمسة أيام، أعلن ترامب أن السفير الامريكى فى ألمانيا، ريتشارد جرينل، والموالى للرئيسم سيقوم بدور المدير الجديد للاستخبارات الوطنية. وطلب من ماجواير أن يخلى مكتبه فى مقر الاستخبارات الوطنية فى فرجينيا بحلول العاشرة صباح اليوم التالى، وفقا لشخص مطلع على الأمر.
وتقول واشنطن بوست، إن مسئولى الأمن الوطنى السابقين والحاليين أصابهم الفزع، وإن كانوا غير متفاجئين، بإبعاد ماجواير غير الرسمي. وقال ويليام مارافين، الذى قاد الغارة التى أدت إلى مقتل أسامة بن لادن، وأحد الأصدقاء المقربين لماجواير إنه فى هذه الإدارة، لا يستمر الرجال والنساء الصالحون طويلا، وأضاف أنه تم إبعاد ماجواير لقيامه بعمله وهو الإشراف على تقديم المعلومات الاستخباراتية للمسئولين المنتخبين الذين يحتاجون المعلومات للقيام بعملهم.
وأضافت واشنطن بوست، أن ضباط الاستخبارات اعتادو العمل مع رؤساء لا يؤيدونهم بحماس أو يتفقون معه دائما في تحليلاتهم. لكن ميل ترامب لإطلاق النار على حامل الرسالة يضع العاملين معه في وضع خطير.
وتقول كاترينا مولجان، المساعدة السابقة لمجلس الأمن الوطنى في إدارة أوباما، إنه منذ تولى ترامب المنصب، أصبح لدينا رئيس يوضح للجميع من حوله أنهم لو فعلوا أمور لا تعجبه، فسيكون هناك تداعيات سريعة وعامة. وأضافت أن على مجتمع الاستخبارات في هذه المرحلة أن يسير على خط رفيع، أن يقدموا له المعلومات، فهو المسئول عن حماية البلاد، لكن ربما سيبدأون في الشعور بأنهم بحاجة لإبقاء بعض الأمور بعيدة لتجنب غضبه، وهذا ليس بأمر جيد.
ويرى مسئول الاستخبارات أن تعيين جرينيل، الذى قال إنه سيستمر فقط لحين تأكيد اختيار مدير دائم للوكالة من قبل مجلس الشيوخ، هو إشارة على أن ترامب ينوى بسط سيطرته السياسية على مجتمع الاستخبارات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة