سرت شائعة لم يتوصل أحد إلى مصدرها وهى، مد فترة التجنيد الإجبارى لجنود الأمن المركزى من 3 سنوات إلى 4 سنوات، وتخفيض مرتباتهم لصالح حملة تسديد ديون مصر، انتشرت الشائعة بسرعة رهيبة، ولأن أحدا لم يستطع وقفها، جاء رد الفعل دراميا فى أحداثه، ونتائجه، والأهم أنه مازال لغزا، وانضم إلى عدد من الألغاز الأخرى فى تاريخ مصر أشهرها «حريق القاهرة» عام 1952، وراح ضحيتها اللواء أحمد رشدى وزير الداخلية الذى كان فى ذروة شعبيته، بسبب مواجهاته الحاسمة ضد الفساد وتجار المخدرات.
فى يوم 24 فبراير 1986 مساء، بدأ التحرك من معسكر للأمن المركزى فى منطقة الأهرامات، حيث خرج أكثر من 8 آلاف فى مظاهرات احتجاجية، وتطورت الأحداث بعد ذلك فيما يشبه انتفاضة شاملة امتدت إلى 6 معسكرات مختلفة من الجمهورية يوم الثلاثاء 25 فبراير، مثل هذا اليوم، 1986، وبدأ الجنود فى تحطيم الفنادق الموجودة فى منطقة الأهرامات، وحطموا قسم شرطة الهرم، وواجهات بعض المحال التجارية، وأشعلوا النيران فى عشرات السيارات، حسبما يذكر الكاتب الصحفى، سيد عبد العاطى فى مقاله «عندما بكى أمامى وزير الداخلية – الوفد 24 ديسمبر 2014».
يكشف «عبدالعاطى» عن أسرار محاولته مع «رشدى» لتسجيل شهادته لقناة «الحياة» فى بداية عام 2009 وكان هو رئيس تحرير لأحد برامجها، وأدارت الإعلامية رولا خرسا الحوار، يذكر، أنه بعد التسجيل معه فوجئ باللواء حبيب العادلى وزير الداخلية يسوق كل رجاله للحصول على نسخة من شريط التسجيل قبل إذاعته، ولم يفلح، وتوقع «عبدالعاطى»، أن يكون سبب محاولة العادلى، هو الخوف من أن يكون الرجل كشف سر انتفاضة الأمن المركزى للتخلص منه.
يؤكد «عبدالعاطى»، أن ما كان يخشى منه «العادلى» لم يحدث فى الحوار، لكنه قال لهم بعد التسجيل: «كنت أريد أن أطهر مصر من الفساد والمفسدين.. وأعلنت صراحة تحت قبة البرلمان، أننى سأقضى على رؤوس الفساد وسأبدأ بالكبار، وأننى سأقضى على تجارة المخدرات، وبدأت بالفعل الحرب على رؤوس الفساد، وكان أولهم عبدالخالق المحجوب شقيق الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب، فى ذاك الوقت، ألقى القبض عليه وتمت محاكمته، واشتعلت الحرب ضد تجار المخدرات حتى صار البحث عن «قرش حشيش»، ضربا من ضروب الخيال، ووجد رجال الدولة من أعوان وحاشية مبارك أننى مصر على تنفيذ كل ما أقوله، وأننى أريد بالفعل تطهير البلد من الفساد، وعندما وجدوا أننى خطر عليهم، بدأوا تنفيذ مؤامرة قذرة ضدى، فجأة انفجرت انتفاضة الأمن المركزى يوم الثلاثاء 25 فبراير 1986 فى منطقة الأهرامات، وتطورت على نحو واسع، يكشف عبد العاطى أنه سأل رشدى: «من دبر مؤامرة انتفاضة جنود الأمن المركزى؟.. قال: «صفوت الشريف والدكتور زكريا عزمى والدكتور يوسف والى».
يكشف الدكتور كمال الجنزورى وكان وزيرا للتخطيط والتعاون الدولى وقتئذ فى مذكراته عن «دار الشروق – القاهرة»، أنه كان فى الساعة السادسة مساء، موجودا فى مع الدكتور يوسف والى وزير الزراعة وأمين الحزب الوطنى، فى مبنى الحزب المطل على كورنيش النيل «تمت إزالته بعد حريقه أثناء ثورة 25 يناير»، ودخل عليهما عبدالفتاح الدالى أمين الحزب الوطنى بمحافظة الجيزة، وقال فور دخوله إن جنود الأمن المركزى بدأوا بإضراب فى معسكرهم فى الطريق الصحراوى القاهرة – الإسكندرية، مطالبين بإلغاء قرار استمرار مدتهم بالتجنيد، أى عدم استمرار خدمتهم ضمن جنود الأمن المركزى، وكان محددا من قبل أن تنتهى بعد شهر تقريبا.
يضيف «الجنزورى»: بعد لحظات دخل علينا الدكتورعبدالحميد حسن محافظ الجيزة حينذاك، ورد وهو فى غاية الاضطراب والانزعاج، ما سبق أن قاله عبدالفتاح الدالى، وأضاف، أن الجنود بدأوا يخرجون إلى الطريق الصحراوی، ومعنى هذا أنهم ربما يتوجهون إلى منطقة الأهرامات وشارع الهرم.
يؤكد: «على الفور طلبت من الدكتور يوسف والى أن يطلب الرئيس مبارك لأن الأمر فى غاية الخطورة ولا يمكن الانتظار، فتردد، فقلت له أطلب المشير أبوغزالة وزير الدفاع، وأخبره بالأمر، فهذا ليس إضرابا من مواطنين وإنما فى صفوف الأمن، ووصلنا إلى الساعة السابعة، وتم الاتصال فعلا بالمشير، ولم أحاول أن أتدخل رغم أننى على علاقة جيدة بالمشير، ولكن تركت الأمور لممثل الشارع وهو الحزب».
يواصل «الجنزورى»: «بعد نصف ساعة بدأ القلق فى نفسى بعد أن توارد من أطراف عدة أن الجنود تحركوا بالفعل وقطعوا فى الطريق الصحراوى ما يزيد عن نصف كيلو متر، وطلبت المشير أبوغزالة، وقلت له إننى أتابع الموضوع لأنى مع يوسف والى وسمعته وهو يتحدث معك، سألته: هل طلبت من الرئيس نزول الجيش، لأن الأمر أصبح حتميا، والموقف صار فى غاية الخطورة، والمشير رغم أدبه الجم فإنه فى مثل هذه الحالات يتفوه بألفاظ شديدة مصدرها حرصه الدائم على هذا البلد، المهم، قال: طلبت الرئيس أكثر من مرة ولكنه مازال مترددا بالنسبة لنزول الجيش.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة