"لي من الأبناء 5 وهم 3 ذكور وابنتين وهم ليسوا من أم واحدة، ولأجل ذلك تنشأ بينهم الخلافات بشكل دائم ومستمر، وأكاد أن أجزم أنهم لا يحبون بعضهم البعض، الأمر الذى أدى إلى اتفاقهم بأن أقوم بتقسيم التركة أو الميراث عليهم فى حياتى، ما جعلنى استفسر عن الأمر لدى أحد الشيوخ الذى أكد لى بأن الأمر غير جائز من الناحية الشرعية".. بهذه الكلمات بدأ الحاج "على. أ"، 60 سنة، من محافظة الجيزة، سرد مأساته لـ"اليوم السابع" فى محاولة لإيجاد حل للأزمة.
وتابع الحاج على: "بينما هناك أخرين أكدوا لى أن عملية تقسيم التركة فى حياتى جائزاَ من الناحية الشرعية وكذا القانونية، وذلك حتى لا تقع الكوارث بين أبنائى حال وفاتى كما نسمع فى الجرائد ليل مساء عن قتل الأخوة الأشقاء بعضهم بعضاَ بسبب المواريث، وذلك فى الوقت الذى تقع فيه العديد من المشكلات بين الأسر فى مسائل الإرث، وذلك لأن المورثين قبل وفاتهم يقومون بعمل قسمة تتم فيها عملية تقسيم الميراث وتوزيعه من مبانى وعقارات وأراضى وغيرها من الأملاك، ولكن يعانى الورثة عقب وفاة المورث من مشكلة عدم القدرة على تقسيم هذا الارث عليهم رغم أنهم جميعا متفقين على مبدأ القسمة العادلة لهذا الارث كل حسب نصيبه الشرعى.. فما هو الحل من الناحية القانونية؟
هل تجوز قسمة المورث لتركته كلها أو بعضها على ورثته أو بعضهم حال حياته؟
وللإجابة على السؤال يقول عبد العزيز عمار، الخبير القانوني والمحامي بالنقض، إن المشرع أجاز أحكام قسمة المورث لتركته كلها أو بعضها على ورثته أو بعضهم حال حياته حيث تنص المادة 908 مدني على ما يأتي: "تصح الوصية بقسمة أعيان التركة على ورثة الموصي، بحيث يعين لكل وارث أو لبعض الورثة قدر نصيبه، فإن زادت قيمة ما عين لأحدهم على استحقاقه في التركة كانت الزيادة وصية "، وتنص المادة 909 مدني على ما يأتي: " القسمة المضافة إلى ما بعد الموت يجوز الرجوع فيها دائماً، وتصبح لازمة بعد وفاة الموصي"، كما تنص المادة 912 مدني على ما يأتى" : تسرى فى القسمة المضافة إلى ما بعد الموت أحكام القسمة عامة، عدا أحكام الغبن .
هل يجوز للمورث أن يرجع الرجوع فى وصيته؟
وتعرض هذه النصوص لقسمة المورث، وهى القسمة التى يجريها المورث فى تركته بين ورثته حال حياته، وتكون في صورة وصية يجوز الرجوع فيها، ولو لم يجز الرجوع فيها لكانت تعاملاً في تركة مستقبلة وكانت باطلة، فجعلت وصية يجوز الرجوع فيها لأن الوصية مستثناة من حكم بطلان التعامل في التركة المستقبلة، والمادة 908 مدنى سالفة الذكر تقرر المبدأ العام في هذه المسألة، وهي منقولة من المادة 13 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 التي تجري على الوجه الآتي : "تصبح الوصية بقسمة أعيان التركة على ورثة الموصي، بحيث يعين لكل وارث أو لبعض الورثة قد نصيبه، وتكون لازمة بوفاة الموصي، فإن زادت قيمة ما عين لأحدهم عن استحقاقه في التركة ، كانت الزيادة وصية" – وفقا لـ"عمار".
وتقول المذكرة الإيضاحية لقانون الوصية فى صدد هذا النص: "مادة جديدة وضعت لتمكين المورث من تنظيم تركته وقسمتها بين الورثة على وجه المصلحة التي يراها، فيجوز للمورث أن يعين لكل وارث قدر نصيبه في التركة، وأن يوصى بأن يكن لكل وارث ما عينه لهن ووصيته بذلك صحيحة نافذة - قال بذلك بعض فقهاء الشافعية والحنابلة - وبناء على ما جاء بالمادة 38 من جواز الوصية للوارث بالثلث بدون توقف على إجازة الورثة، يجوز للمورث أن يزيد في بعض الأنصباء ما يراه بحيث لا يتجاوز مجموع الزيادة ثلث التركة، فإن كان أكثر من الثلث ولم يجز الورثة الزائد، قسم الثلث بين أصحاب الأنصباء المزايدة بنسبة ما زاده لكل منهم، ورد الباقي إلى التركة، حسبما أكد الخبير القانونى.
هل من الضرورى أن يقسم المورث تركته على جميع ورثته؟
ليس من الضرورى أن يقسم المورث تركته على جميع ورثته، بل يصح أن يفرز نصيب بعض الورثة دون غيرهم، ويكون باقى التركة للباقى من الورثة شائعاً بينهم، ومن أفرز المورث نصيبه في التركة لا يجوز أن يزيد قيمة نصيبه على استحقاقه فى الإرث إلا بقدر ثلث التركة، إذ تعتبر هذه الزيادة وصية .
وقسمة المورث هى وصية من ناحية، وقسمة من ناحية أخرى، فمن حيث إنها وصية، يجوز للمورث الرجوع فيها دائماً حال حياته، ولا تصبح لازمة إلا بوفاته - المادة 909 مدنى سالفة الذكر - ومن حيث إنها قسمة، تسري عليها أحكام القسمة، وبخاصة أحكام ضمان التعرض والاستحقاق وأحكام امتياز المتقاسم، ويستثنى من ذلك أحكام الغبن فهى لا تسري على قسمة المورث، وقد قدمنا أنه يجوز للمورث أن يعطي أحد الورثة أكثر من استحقاقه، وتكون الزيادة وصية، فالزيادة إذن لا تكون غبناً بل تعتبر وصية وتنفذ دون إجازة الورثة ما دامت في حدود ثلث التركة، وعلى ذلك وجب استبعاد أحكام الغبن".
رد مركز الأزهر العالمى للفتوى فى الإشكالية
يأتي ذلك فى الوقت الذى سبق فيه ورود سؤال لمركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، بهل يجوز توزيع تركة الرجل الحى على أولاده قبل مماته؟.. وجاء الرد كالتالى:
"إن توزيع الرجل تركته قبل موته غير جائز شرعًا؛ وذلك لأن موت المورث شرط أساسى من الشروط التى وضعها الإسلام للإرث، ويقول الإمام شمس الدين الخطيب الشربيني- رحمه الله: وأما شروط الإرث فهي أربعة: أولها: تحقق موت المورث، أو إلحاقه بالموتى تقديرًا كجنين انفصل ميتًا في حياة أمه..، أو إلحاق المورث بالموتى حكمًا كما في حكم القاضي بموت المفقود اجتهادًا، وإذا وزع الرجل تركته حال حياته قد يأخذ الورثة التركة كلها ثم يتركوا صاحب المال بلا رعاية ولا مأوى، وفي هذه الحالة يقع ما لا يُحمد عقباه".
وتابع المركز فى فتواه: "وقد يولد لهذا الرجل بعد التوزيع ولد آخر، وفى هذه الحالة يكون قد ظلم هذا الولد فى الوقت الذى يؤمر فيه بالتسوية بين أولاده، وبهذا الحكم أخذ القانون المصرى، حيث جاء فى المادة الأولى من القانون رقم77 لسنة 1943 بشأن المواريث: يستحق الإرث بموت المورث أو باعتباره ميتًا بحكم القاضى، مع العلم بأنه يجوز للرجل أن يوزع أمواله على أولاده حال حياته، ولكن هذا يُعد من قبيل الهبة لا من قبيل الميراث، وفى هذه الحالة لا بد من التسوية بين أولاده جميعًا، ولا بد أن يكون ذلك فى حال صحته وليس مرض موته، وبناءً عليه: فإن توزيع الرجل تركته حال حياته غير جائز شرعًا.