وقف اللواء محمد نجيب فى شرفة قصر عابدين يخطب فى الجماهير المحتشدة التى جاءت بعد أن خرجت صحف الصباح تحمل نبأ عودته إلى منصبه رئيسا للجمهورية ولمجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952، وذلك بعد أن كتب استقالته يوم 22 فبراير وناقشها مجلس قيادة الثورة يوم 23 من فبراير، وتم قبولها والإعلان عنها يوم 25، وأثناء ذلك حدثت احتجاجات وتمرد فى سلاح الفرسان مما حمل نذيرا بانقسام خطير فى الجيش المصرى.
خطب نجيب من شرفة القصر فى الساعة التاسعة والنصف صباح يوم 28 فبراير، مثل هذا اليوم، عام 1954، وحسب مذكراته «كنت رئيسا»، فإنه حاول أن يخفف من حدة الأزمة التى وقعت بسبب استقالته، قائلا إنه قال فى خطابه: «كانت الأزمة سحابة صيف سرعان ما تنقشع».
يضيف: «طلبت منهم أن يحافظوا على الوحدة وأن يساعدوا إخوانهم أعضاء مجلس قيادة الثورة».. يتحدث عن المظاهرات التى خرجت فى هذا اليوم بعضها قاصدا بيته، وأخرى من جامعة القاهرة قاصدة ميدان الجمهورية.. يذكر: «كان المتظاهرون يهتفون بحياتى وحياة الديمقراطية،وردد بعض المتظاهرين هتافات معادية ضد مجلس قيادة الثورة».
يتحدث على عشماوى آخر قادة التنظيم السرى لجماعة الإخوان عن أن الجماعة هى التى حشدت المظاهرات فى هذا اليوم، وبدت وكأن السلطة فى يدها وأنها كانت إلى جانب «نجيب».
يذكر عشماوى فى مذكراته الصادرة عن، مركز ابن خلدون– القاهرة، أن الجماعة رتبت هذه المظاهرات، وأنها بدأت من جامعة القاهرة حيث تجمع طلبة مدرسة السعيدية الثانوية مع طلبة الجامعة، وكان مرتبا أن يكون التلاقى فى ميدان عابدين حيث تخرج جامعات ومدارس الجيزة، ويتجهون إلى مكان التجمع، ويقابلهم باقى طلبة الجامعات والمدارس الثانوية والأزهر.
يكشف عشماوى: حدثت بعض الاشتباكات حول الجامعة، وسارت المظاهرات حتى وصلت إلى كوبرى قصر النيل، وهناك حدثت مواجهة مع البوليس الحربي، يضيف عشماوى، أنه بسبب ضغط الجماهير المحتشدة فى المظاهرات سقط من الإخوان فى الصفوف الأولى قتلى وجرحى، وحدثت اشتباكات كان يقودها من قيادات لجماعة «فتحى البوز» و«على صديق»، وانتشر الخبر على الفور، فجاء عبدالقادر عودة القيادى بالجماعة داخل سيارة جيب، وأخذ قميص أحد الأخوة الجرحى وهو مضرج بالدماء، واتجه إلى ميدان عابدين يندد بما حدث، فى الوقت نفسه كان قد وصل إلى الميدان باقى الجامعات والمدارس واستمرت المسيرة.
يواصل «عشماوى»، سرد ما حدث قائلا: «حاول محمد نجيب أن يهدئ الجماهير وأن يتحدث إليهم، ولكن دون جدوى، وبذكاء شديد لمح عبد القادر عودة داخل سيارته الجيب وهو يلوح بالقميص المخضب بالدماء، وناداه أن يصعد إلى جانبه، وبالفعل دخل وخلفه الحاج إبراهيم كروم وهو يمتطى فرسه وكأنه يحرسه، وصعد عبد القادر إلى الشرفة وبإشارة واحدة من يده، سكت جميع من فى الميدان، وخيم صمت عميق وتحدث «عودة» إلى الجماهير وقدم لهم اللواء محمد نجيب ليستمعوا إليه فوعد بإطلاق الحريات واحترام المواطنين .
فى وقائع مظاهرات اليوم يقفز اسم «إبراهيم كروم» الذى دخل ميدان عابدين على فرسه، فهو شخصية درامية حسب ما يذكر عنه يوسف الشريف فى كتابه «مما جرى فى بر مصر» الصادر عن دار الشروق – القاهرة، قائلا: كان فتوة بولاق الذى يمكنه مصارعة عشرة رجال أشداء، والضعيف الباكى أمام المريض والمظلوم وفنان التحطيب والرقص البلدى، وانضم إلى الإخوان فى نهاية الأربعينيات، وعندما قامت ثورة يوليو ارتبط بعلاقة صداقة مع نجيب وعبد الناصر وأنور السادات، وكان يعرف أن عبدالناصر هو القائد الحقيقى للثورة فكتب يافطة كبيرة: إبراهيم كروم فتوة بولاق يحيى جمال عبد الناصر فتوة مصر.
غير أن ما يستوجب التوقف عنه حسب رواية عشماوى «أن مظاهرات هذا اليوم كانت الجماعة هى من تحشد لها وتنظمها وتتحكم فيها، ووصل الأمر إلى حد استعانة نجيب بعبد القادر عودة كى يهدئ المتظاهرين ونجح فى ذلك، ويذكر «عشماوى»: «كان هذا اليوم شاهدا على انتهاء العلاقة الطيبة بين رجال الثورة والإخوان، وقد حاول الإخوان فى هذا اليوم أن يستعرضوا قوتهم فى الشارع المصرى أمام رجال الثورة الذين كانوا محاصرين داخل قصر عابدين».
يضيف «عشماوى» نادما، ومتمنيا: لو أن الإخوان معززين بهذه الجموع الغفيرة اقتحموا القصر وقبضوا على رجال الثورة، لو أنهم فعلوا ذلك لانتهى الأمر منذ ذلك التاريخ.. يؤكد: كان هذا أحد الحوارات الكثيرة التى دارت بين الإخوان بعد ذلك، وقيل إن إعدام عبد القادر عودة تم لما وقع ذلك اليوم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة