لم تكن نادية لطفى مجرد فنانة شاركت فى صناعة تاريخ الفن المصرى، أو ممثلة أدركت أن ما أعطته للساحة الفنية كفيلا أن يضع اسمها على شوارع وميادين، أو أن ما قدمته للسينما المصرية والعربية منذ أن أطلت عليها قادرا أن يُخلد اسمها، بل إنها كانت إنسانة نعم أريد أن أضع تحت هذه الكلمة 100 خط، لأنها وصلت بها إلى أرقى وأسمى معانى الإنسانية، وهبت حياتها لكل المحيطين بها تسأل عن هذا وتطمئن على ذاك، رغم إن حالتها الصحية فى كثير من الأحيان لم تكن تستوعب كل هذه الأحداث السيئة المتلاحقة أحيانا، والموجعة فى أحيان أخرى.
عمرو صحصاح
نادية لطفى رغم تركها للتمثيل وامتناعها عن تجسيد الشخصيات أمام الشاشة منذ 27 عاما، إلا أنها لم تترك أحد عاصرها فى مشوارها أو مٌهمش فى الوسط الفنى قست عليه الحياة، إلا وكانت تسأل عنه، حتى آخر أيام العمر، وقبل أزمتها المرضية الأخيرة، قدمت العزاء فى رفيقة مشوارها الفنى ماجدة الصباحى، فلم تكن تختبئ من مواجهة مآسى الحياة التى تصيب زملائها فى الوسط الفنى، بل كانت من أوائل السائلين عنهم، ولنا فى الفنان القدير جورج سيدهم مثالا، فمنذ وعكته الصحية التى بدأت قبل سنوات من الآن وسؤالها لم يتوقف عنه، خاصة وأنها جمعتها به العديد من الحفلات الخيرية التى كان ينظمها جورج، وكانت نادية من أوائل الحضور لتتبرع وتساهم بقدر المستطاع، وكانت تفعل ذلك باستمرار وسرا دون إظهاره لأيا من وسائل الإعلام.
هنا أتحدث عن إنسانية نادية لطفى وليس عن فنها الذى ملأ العالم بهجة، فهى واحدة من الفنانات القلائل للغاية اللاتى جمعن بين الثقافة والموهبة، والجمال شكلا وروحا، لم تتوقف إنسانية نادية لطفى عند موقف بعينه أو حدث معين، فمثلا لا ينسى لها من تابعوها أنها شاركت فى عودة الحياة النفسية لفتاة العتبة، ففى عام 1992 تعرضت فتاة للتحرش فى منطقة وسط البلد، وعُرفت وقتها إعلامياً بفتاة العتبة، هذا التحرش وصفته بعض الصحف وقتها بالاغتصاب الجماعى ، ولزمت البنت بيتها خوفا من "الوصمة الاجتماعية"، وفى واحدة من حالات الدعم النفسى للفتاة ذهبت جميلة الجميلات نادية لطفى ومعها الفنانة أمينة رزق لبيت البنت، وقدمتا الفتاة للمجتمع كبطلة وضحية، ونشرت الصحف وقتها صور زيارة النجمتين الكبيرتين تحت عنوان "مظاهرة حب لشاهيناز.. أمينة رزق ونادية لطفى فى زيارة لمنزل فتاة العتبة" ضحية الواقع.
كنت واحدا من الصحفيين الطامعين فى إنسانيتها المعهودة، وطيبتها الاستثنائية فعندما أحتاج أن أسألها فى بعض التفاصيل الفنية التى عاصرتها كانت لا تكل ولا تمل، بل كانت تجيب وتكشف وتحكى بصدر رحب، ولا أنسى عندما انتشرت شائعات وفاتها فى الأيام الأخيرة من عام 2018 وهاتفتها وطلبت منها أن تطمئن جمهورها وأصدقائها ومحبيها من خلال اليوم السابع عبر رسالة نصية بصوتها، لم تتحجج بالمرض رغم أنه كان أمرا طبيعيا أن ترفض، خاصة وأنها كانت داخل مستشفى المعادى على فراش المرض، بل إنها رحبت بالفكرة وشكرتنى عليها، وشددت فى رسالتها الصوتية المنشورة بموقع "اليوم السابع"، على تقديم الشكر للممرضات اللاتى يرافقنها، حرصا منها على إعطاء كل ذى حقا حقه، وتقديم الشكر لمن يستحق.
بولا محمد مصطفى شفيق الشهيرة بنادية لطفى كانت ترى أن الموت حقيقة لا تستحق الخوف، حيث قالت نصا فى حوار سابق لها مع "اليوم السابع"، :"عمرى ما خفت من حاجة ، معنديش فكرة الخوف، وعمرها ما روادتنى، حتى الخوف من المرض أو الموت، ولى طريقة فى تناولى للأشياء بعيدا عن فكرة الخوف، وهى كيفية تناول الموضوع، أنا مدركة جدا إن الموت حق علينا، هتعب نفسى ليه وأخاف منه وأنا عايشة، وعندما أموت فلن أخاف منه أيضا لأنى لن أحس به، وهذا واقع ومن الأفضل أن نتقّبله".
نادية لطفى الإنسانة ابنة حى عابدين، منذ أن اكتشفها المخرج رمسيس نجيب، واختار لها اسم "نادية لطفى"، اقتباسا من شخصية فاتن حمامة" نادية" فى فيلم" لا أنام" للكاتب إحسان عبدالقدوس، وقدمت أول أعمالها فى السينما عام 1958 من خلال فيلم "سلطان "، وأصبحت واحدة من أهم النجمات اللاتى يلهث ورائهن المنتجين والمخرجين، ليس فقط لجمالها الآخاذ النادر وقتها، ولكن لجمعها بين الشكل والموهبة وهو شيئا قلما تواجد، ففى أفلامها ك_"السمان والخريف "، و" النظارة السوداء "، و" الناصر صلاح الدين "، و" الخائنة "، و" السبع بنات "، و" حب لا أنساه "، و" عدو المرأة " وغيرها ستجدها فى كل شخصية تترك علامة فى ذاكرتك وتتربع داخل قلبك، ليس فقط لقدرتها على اقناعك، ولكن لإلمامها بالتفاصيل الدقيقة حول كل شخصية، وهذا ليس نابعا من موهبة حقيقية فقط بل عقلية ثقافية تعى ما الذى يحتاجه كل دور حتى يقتنع به المشاهد.