كشف المستشار منصف نجيب سليمان الممثل القانوني للكنيسة القبطية أمام المحاكم تفاصيل حكم محكمة القضاء الإداري الذى صدر أمس ضد الكنيسة والذى يقضى بإلغاء قرار كنسي يحرم سيدة من ممارسة الأسرار المقدسة.
المستشار منصف سليمان قال لليوم السابع، إن القضية تعود إلى سنوات بعيدة وتحديدا في "فترة حكم" البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية الراحل، حين حدث نزاع بين مكرستين (راهبتين تعمل بخدمة المجتمع) بسبب اتهامات في ذمة إحداهما المالية فما كان من الكنيسة القبطية إلا أن حققت في الواقعة وحرمت إحداهما من ممارسة الأسرار المقدسة لفترة محددة زمنيًا، ومنحت الثانية شهادة تفيد ارتكاب المكرسة الأولى مخالفات مالية ومصرفية تحت بند "خيانة الأمانة"
سليمان أوضح إن إحدى المكرستين استخدمت الشهادة التي تسلمتها من الكاتدرائية لتحرر بها جنحة في محكمة الجنح وبالفعل حصلت على حكم أول درجة ضد زميلتها، مضيفا : توقفت عن متابعة تلك القضية منذ سنوات ولكن اسمي في القضية يظهر بصفتي ممثل الإدعاء.
وشدد محامي الكاتدرائية على كامل تقديره لأحكام القانون والقضاء المصري مع عدم التعليق عليه مكتفيا بسرد ما تذكره من تلك الوقائع.
تفاصيل القضية التي لفتت نظر الرأي العام المصري، تعود إلى سبتمبر عام 2008 إذ نشرتها اليوم السابع في حينها، واستمر النزاع القانوني في المحاكم بين المكرستين حتى صدر حكما نهائيا من مجلس الدولة أمس فتح دفاتر القضية القديمة.
ففي أكتوبر من العام 2008 أصدر الأنبا يؤانس الأسقف العام وسكرتير البابا شنودة آنذاك شهادة موقعة منه جاء فيها "تشهد بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالقاهرة بأن الدكتورة إيفيلين الفونس فهمى جرجس والمكرسة باسم تأسونى ايرينى ببيت الأم العذراء للعذارى المكرسات بالعمرانية ورئيس مجلس إدارة جمعية بنات يوسف للمسيحيات الأرثوذكسيات المقيدة برقم 1432 لسنة 2000 تم حرمانها فى سبتمبر 2008 من ممارسة الأسرار الكنسية وذلك لخيانتها الأمانة وارتكابها مخالفات قانونية ومصرفية".
المكرسة التي صدر ضدها هذا الجزاء كانت تدير وقتها جمعية بيت «العذراء للعذارى المكرسات» بالهرم ، وهو بيت تكريس تابع للكنيسة القبطية وقالت صاحبة الواقعة لليوم السابع آنذاك أن الانبا يؤانس أصدر تلك الشهادة دون محاكمتها أو الاستماع لأقوالها، ثم سلم نسخة منها إلى خصيمتها رغم إنه مستند خطير في النزاعات القانونية القائمة بينهما.
المكرسة الراهبة إيريني، حررت دعوى قضائية ضد الأنبا يؤانس بمجلس الدولة رقم 8382 لسنة 63 =لوقف تأثير تلك الشهادة أمام المحكمة، وهي القضية التي فصل فيها مجلس الدولة أمس بعد كل هذه السنوات.
حكم مجلس الدولة الذى يبطل قرار الكنيسة القبطية
قضت الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، برئاسة المستشار محمد حسام الدين، رئيس مجلس الدولة، حيثيات حكمها باعتبار القرارات التي تصدرها الكنيسة بحرمان بعض الأقباط من ممارسة الأسرار الكنسية، والتي تعرفها العقيدة المسيحية بأنها بعض الأعمال المقدسة والمنح الإلهية كسر التوبة والاعتراف وسر القربان والتناول، هي قرارات تجتمع فيها أركان القرار الإداري، ومن ثم تختص محاكم مجلس الدولة بنظر الطعن عليه.
كما رفضت المحكمة الطعن المقام من بابا الإسكندرية وبطرايرك الكرازة المرقسية بصفته، وأيدت الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ وإلغاء قرار بطريركية الأقباط الأرثوذكس بحرمان إحدى السيدات من ممارسة الأسرار الكنسية.
ورفضت المحكمة أيضا الدفوع المبداة من المستشار منصف نجيب سليمان، محامي الكنيسة، بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى، وعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري، حيث أكد سليمان أن الطلب المقدم من تلك السيدة يتعلق بأمر من أمور العقيدة المسيحية لطائفة الأقباط الأرثوذكس والتي لا تخضع لرقابة القضاء.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها، إن قضاء المحكمة الإدارية العليا جرى على أن بطريركية الأقباط الأرثوذكس تعتبر شخصاً من أشخاص القانون العام وما يتفرع عنها من هيئات إدارية، وتقوم على رعاية المرافق الدينية التابعة لها مستعينة في ذلك بقسط من اختصاصات السلطات العامة، وليس هناك ما يحول من حيث الأصل دون اعتبار قراراتها قرارات إدارية إذا ما استقامت لها مقومات وأركان القرار الإداري.
وأضافت المحكمة أنه لما كان قرار حرمان السيدة المشار إليها وهي مواطنة من أبناء الطائفة الأرثوذكسية من ممارسة الأسرار الكنسية يحول بينها وبين أداء شعائر ديانتها التي تؤمن بها ويشكل قيداً على ممارستها بالمخالفة للحريات العامة التي كفلها الدستور للمواطنين ومنها حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية مما يشكل مساساً بمكرزها الاقنوني، ومن ثم يكون قرار حرمانها من ممارسة الأسرار الكنسية قد استجمع مقومات وأركان القرار الإداري، وتكون الدفوع المشار إليها بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى قد وردت على غير محل مما يتعين معه رفضه.
وأشارت الحيثيات ، إلى أن الثابت من الأوراق أن الكنيسة أصدرت قراراها ضد هذه السيدة استناداً إلى خيانتها للأمانة وارتكابها مخالفات قانونية ومصرفية ضد سيدة أخرى، ومن ثم يكون هذا السبب خاضعاً لرقابة القضاء الإداري، مضيفة أنه لما كان قرار الحرمان ينطوي في حقيقته على قرار تأديبي، وبالتالي فإنه يتطلب أن تكون النتيجة التي ينتهي إليها مستخلصة استخلاصاً سائغاً من تحقيق تتوافر له كافة المقومات الأساسية للتحقيق القانوني السليم، وأول تلك المقومات ضرورة مواجهة المتهم او المخطئ لما هو منسوب إليه وأن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه تجاه ما أسند إليه من اتهامات.
ولفتت المحكمة الى أنه لما كانت أوراق الطعن قد جاءت خالية مما يفيد قيام الكنيسة بإجراء أي تحقيق مع السيدة المحرومة من ممارسة الأسرار الكنسية، لمواجهتها بالوقائع المنسوبة إليها والتي كانت سبباً لصدور القرار، خلت الأوراق أيضاً مما يفيد تمكين المطعون ضدها من الدفاع عن نفسها قبل إصدار القرار، ومن ثم تكون الكنسية قد أهدرت حقها في الدفاع عن نفسها والذي يعد حقاً أصيلاً من حقوق الأنسان الأساسية التي كفلها الدستور.
وأوضحت المحكمة أن البادي من ظاهر الأوراق صدور حكم من محكمة الجنح ببراءة السيدة المشار إليها مما أسند إليها من اتهامات متعلقة بخيانة الأمانة والمخالفات القانونية والمصرفية، ومن ثم تكون الوقائع التي استند إليها قرار حرمانها كسبب لإصداره غير صحيحة، مما ينهار معه ركن السبب بالنسبة لقرار حرمانها من ممارسة الأسرار الكنسية ويغدوا ذلك الحرمان صادراً بالمخالفة للقانون.