كنت أراه هادئا سارحا أينما وجِد فى مكان، أراقبه أحيانا وكأنى أبحث عن سبب شرود ذهنه الدائم، حتى اكتشفت أنه يذهب بعيدا بخياله، نعم لينين الرملى الكاتب المبدع، كلما رأيته جالسا فى مكان (الأوبرا أو أيا من مسارح الدولة) أراه وكأنه فى عالم آخر أجمل من الذى نتواجد فيه، كان دائم التفكير باحثا عن الفكرة التى يبلورها فى عملا يقدمه للسينما التى خاصمها سنوات طويلة أو هى التى خاصمته، لكن فى الغالب كانت أفكاره للمسرح الذى أخذ حيزا كبيرا من تفكيره وطاقته، هذا الحيز جعله بالفعل احتل مكانة مهمة ومساحة أهم فى تاريخ الحركة المسرحية المصرية، خاصة أنه أعطى له كل ما يملك من طاقات إبداعية تأليفاً وإنتاجاً وإخراجاً.
كان لينين الرملى شديد البساطة لدرجة أننى قابلته فى أحد المواقع الإخبارية منذ 11 عاما، وأنا أعمل محررا تحت التدريب، فى ساحة استقبال الضيوف ينتظر زميلا صحفيا ليجرى معه حوارا، بعدما أبلغه الزميل المهتم بشئون الحركة المسرحية أنه يسعى منذ فترة لمحاورته، لدرجة أننى تخيلته رجلا يشبه لينين الرملى.
لينين الرملى قد يكون من المؤلفين الذين لم تعطيهم الساحة السينمائية قدر ما يستحقون، خاصة وأن كل عملا قدمه للشاشة الفضية من الـ11 فيلما وهو إجمالى ما قدمه، أحدث بالفعل ضجة كبرى، على سبيل المثال فيلم "الإرهابى"، للنجم الكبير عادل إمام، والذى تم إنتاجه عام 1994 وأخرجه نادر جلال، حيث كانت القاهرة الكبرى مع بداية عام 1990 على موعد مع جماعات تكفيرية ظلامية كالحة الوجه، تلبس زياً موحداً، وتعيش في أماكن مهجورة تخيّم عليها الكآبة وروح الشر تسعى لقتل وإفساد وتدمير كل ما هو جميل، فاغتالت رفعت المحجوب رئيس البرلمان المصرى آنذاك هو وحارسه الشخصى، وبعدها بعامين تعرض المفكر فرج فودة إلى هجمة متطرفة وتم تكفيره حتى تم اغتياله عام 92 أثناء خروجه من مكتبه، حيث أطلق شخصان النار عليه، وفى 26 فبراير عام 93 شهدت منطقة وسط القاهرة على يد متشدّدين ينتمون إلى الجماعة التكفيرية، وبالتحديد مقهى وادى النيل بميدان التحرير تفجيرا راح ضحيته مصريين وأجانب.
هذه الجماعات لم يرى لينين الرملى أمامه سوى تناول ضلالهم فى عمل سينمائى يكشف وجههم القبيح، والعته الذى يعيشون فيه، ليقدم عملا اعتبره أحد أفضل وأهم أعمال الزعيم عادل إمام، حيث تناول من خلاله "الرملى"، صورة طبق الأصل من الضلال الذى يعيشه هؤلاء.
لم تتوقف إبداعات الرملى السينمائية عند هذا الفيلم، بل امتد تعاونه مع الزعيم عادل إمام فى العام الذى يليه ليقدم له بعدها ثلاثية فيلم "بخيت وعديلة"، مع نفس المخرج نادر جلال، لكن قبل وبعد هذا التعاون كان الشغل الشاغل للرملى هو المسرح، الذى تميز فيه بل استحوذ على قلبه وعقله، خاصة وأن الرملى كان يملتك حسا كوميديا مريرا قد يضحكك ويبكيك فى نفس اللحظة، يتناول الحدث دراميا وتتطور أحداثه وفى نفس الوقت يقدم وجهة نظره الكوميدية بين طيات هذه الأحداث.
والحق يقال إن انشغال لينين الرملى بالمسرح على حساب السينما لم يذهب هباء فهو الذى أعاد لأستاذ المسرح فؤاد المهندس توهجه مرة أخرى بمسرحية "سك على بناتك"، وهو الذى ساهم بل وصنع نجومية الفنان الكبير محمد صبحى فى المسرح بعدة مسرحيات بدأت من مسرحية "انتهى الدرس يا غبى"، حيث كان وقتها صبحى من الوجوه الصاعدة، مرورا بمسرحيات "وجهة نظر" و"الهمجى" و"سكة السلامة" وغيرها، وكان من أوائل المسرحيين فى العصر الحديث الذين تناولوا أحوال الفساد فى المؤسسات الحكومية من خلال مسرحية "عفريت لكل مواطن"، من بطولة نبيل الحلفاوى وعبلة كامل، والتى أنتجت عام 1988، وهو الذى جعل الفنان الكبير السينمائى التليفزيونى يحيى الفخرانى يرفع لافتة كامل العدد بمسرحية "سعدون المجنون"، والتى عرضت عام 1992، نهاية لم يكن لينين الرملى، الذى رحل عن دنيانا أمس الجمعة، كاتبا ومؤلفا عاديا بل كان مبدعا من نوع خاص، تكراره ليس مستحيلا لكنه صعبا للغاية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة