فى عام 1992 أبدع الكاتب الليبى إبراهيم الكونى روايته البديعة "المجوس" وذلك فى جزئين، واستطاعت هذه الرواية أن تدخل فى قائمة الروايات الأكثر أهمية فى القرن الماضى. وفى هذا العمل الملحمى ندخل عالمًا يأسرنا من الوهلة الأولى بغرابته وفرادته وجدّته، عالمًا تتقاطع فيه الأساطير الموروثة وتعاليم الأسلاف بتأملات الحكماء والشيوخ والعرّافين وأشواق الباحثى عن الله والحرية وصبوات الطامعين بامتلاك الذهب والسلطة.
لكن عالم الصحراء أوسع من أن يقتصر على الإنسان، فهو يمتد ليشمل عناصر الطبيعة الصحراوية القاسية وكائناتها الخفيّة وحيواناتها ونباتاتها. ففى هذا العالم حيث تطرف الطبيعة وقسوتها تندفع الأشياء والكائنات والأحداث والبشر حتى النهايات القصوى لتكتشف عن مضامينها وابعادها وحدودها، إذا لامجال هنا للتسويات والمساومات والمهادنات، فلا توسط بين الله والذهب، بين تطلب الحقيقة وشهوة السلطة، بين نبالة الروح وهوة التملك طالما أن المجوسى "يس من عبد الله فى الحر ولكن من أشرك فى حبه الذهب".
ما من وجه واحد للمجوسى هنا إذا يتجلى فى العديد من الشخصيات اللاهثة خلف الثروة والمال والسلطة والنفوذ، فالمجوسى قد يكون حاكمًا (السلطان أورغ) أو صوفيًا مزيفًا (شيخ الطريقة القادرية) أو تاجرًا (الحاج البكاى) أو عرّافًا (العجوز تيميط) أو باحثًا عن الانتقام (القاضى الشنقيطي) أو... بل لعل فى كل إنسان يكمن مجوسى يتحين غفلة من العقل والروح ليطل برأسه ويتلبسه.