"هذا الشخص ليس باراك أوباما".. هكذا أطلق نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، والمرشح المحتمل عن الحزب الديمقراطى في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، حملته الساخرة من المرشح الصاعد بيت بوتجيج، والذى تصدر نتائج الجولة التمهيدية في ولاية أيوا، بفارق ضئيل عن المرشح بيرنى ساندرز، والذى يحظى بقاعدة شبابية كبيرة داخل الحزب، منذ الانتخابات الأخيرة، وهو ما بدا في حالة الصراع التي هيمنت على السطح منذ الخسارة التي لحقت بمرشحة الحزب هيلارى كلينتون في 2016، في صفعة قوية وغير متوقعة، في ظل خبراتها السياسية الكبيرة، على حساب منافسها آنذاك دونالد ترامب، حيث رأوا أن ساندرز كان بإمكانه الانتصار لو سمح له الديمقراطيون بالمنافسة في تلك الانتخابات.
إلا أن مقارنة بايدن بين المرشح الديمقراطى الشاب، والرئيس السابق باراك أوباما، والذى كان يشغل منصب نائبه لمدة ثمانية أعوام تعكس استمرارا لحالة العجز لدى الديمقراطيين في تقديم نماذج سياسية جديدة، يمكنها مجابهة ترامب، والذى تتزايد أسهمه يوما بعد يوم، خاصة بعد الفشل الذريع الذى لحق بالحملة التي قادتها رئيسة مجلس النواب، ذو الأغلبية الديمقراطية، لعزله من منصبه، في انتصار يمثل نقطة تحول كبيرة، ليس فقط فيما يتعلق بالصراع المرحلى مع الديمقراطيين، والذى بدأ منذ اعتلائه الرئاسة في الولايات المتحدة، ولكنه يمتد ليترك تداعيات كبيرة متوقعة على المعترك الرئاسي، والمقرر في شهر نوفمبر المقبل.
الطريق الوسط.. بوتجيج حلقة الوصل بين بايدن وساندرز
ولعل تصعيد المرشح الشاب، والذى يبقى أحد المغمورين سياسيا، في الجولة الأولى من الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطى، هو بمثابة محاولة صريحة لاحتواء الانقسام داخل الحزب في المرحلة الراهنة، باعتباره يمثل الطريق الوسط، بين أنصار الاتجاه التقليدي، والذى يمثله بايدن، والتيار الجديد، والمدعوم من شباب الحزب، والذى يمثله ساندرز، خاصة وأن بوتجيج ليس محسوبا، على الأقل في العلن، لأي منهما، وبالتالي فيمكنه أن يحظى بإجماع بين الأجيال المتناحرة داخل الحزب، في المرحلة الراهنة، والتي تبدو حرجة للغاية، في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية، عبر إقصاء المرشحين محل الجدل عن "حلبة" المنافسة، خاصة مع ما يمكننا تسميته بـ"احتراق" الوجوه الأخرى، سواء بسبب استنزافهم سياسيا، على غرار بايدن، أو انغماسهم في الصراع داخل أروقة الحزب، كما هو الحال مع ساندرز، والذى تقتصر شعبيته على "شباب" الحزب، في الوقت الذى تلفظه الأجيال الأكبر سنا.
بايدن وساندرز
ويعد الدفع بالشاب الأمريكي المغمور بمثابة بالونة اختبار، في ظل حاجة الحزب إلى وجوه جديدة، خاصة وأن اختياره يمثل انتصارا لقطاعات مناهضة لرؤى ترامب، وبالتالي يصبح انتصاره في أيوا، على حساب المخضرمين خطوة مهمة لمعرفة رؤية أعضاء الحزب، في ظل إدراك قطاع كبير منهم لحقيقة مفادها أن الوجوه التقليدية لا يمكنها الانتصار على ترامب، في ظل نجاحه المنقطع النظير، ليس فقط في إقناع المواطن الأمريكي برؤيته التي تعطى الأولوية للمواطنين، وإنما في قيادة حملة لتجديد الرؤى التي يتبناها الحزب الجمهورى، سواء عبر تحييد الصقور، أو استحداث نظريات جديدة، في العديد من القضايا سواء في الداخل الأمريكي، كمسألة الإجهاض أو المثلية الجنسية، والتي تبنى ترامب مواقف مناهضة لها، أو فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وهو الأمر الذى يمثل طفرة كبيرة داخل الحزب.
الرهان على "المغمور".. الديمقراطيون يستلهمون تجارب الماضى
وهنا يمكننا القول بأن الدفع بمرشح "مغمور" سياسيا، ليتصدر الانتخابات التمهيدية، تمثل انعكاسا لحالة من الخواء الفكرى، لدى الحزب الديمقراطى، حيث أنها تعد بمثابة محاولة استنساخ، ربما أعرب بايدن، عن جزء منها، في حملته الساخرة، عندما عقد مقاربة بينه وبين أوباما، إلا أنها تحمل العديد من الأبعاد الأخرى، التي تتجاوز الحزب الديمقراطى نفسه، من بينها تجربة الرئيس الجمهورى الحالي دونالد ترامب، والذى لا يحمل تاريخا سياسيا قبل صعوده للبيت الأبيض، وبالتالي كان انتصاره على سياسية مخضرمة بحجم هيلارى كلينتون كان بمثابة صاعقة مدوية، وهى التجربة التي تمثل انعكاسا صريحا على تمرد المجتمع الأمريكي على الساسة التقليديين، وبالتالي حاجتهم إلى رؤى جديدة، لمعالجة القضايا الاقتصادية والأمنية الملحة التي تطارد البلاد منذ سنوات طويلة، والتي فشلت الإدارات المتعاقبة في التعامل معها.
بيت بوتجيج
وبالإضافة إلى تجربة ترامب، فإن صعود بوتجيج يمثل استنساخا للعديد من النماذج الأخرى، التي صعدت بصورة كبيرة على قمة هرم السلطة في بلدانهم، خلال السنوات الماضية، في ظل حالة الاستقطاب والانقسام التي هيمنت على العديد من دول العالم، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذى كان خارج إطار المنافسة في الانتخابات الفرنسية الأخيرة في 2017، ولكنه نجح في الصعود إلى عرش "الإليزيه"، من بوابة الانقسام داخل المجتمع الفرنسي، خاصة بعد حالة الجدل التي أثيرت حول تورط المرشح، الذى اعتبره المتابعون بأنه الأوفر حظا، فرنسوا فيون، في قضايا فساد، ساهمت في انخفاض أسهمه بصورة كبيرة أمام المواطنين، والذين آثروا بدورها اختيار مرشح مغمور، على غرار ماكرون.
مرشح بدون تاريخ.. لإنهاء الانقسام واسترضاء الناخبين
محاولات الديمقراطيين تقديم وجه جديد عبر الجولة التمهيدية، هي بمثابة محاولة لضرب عصفورين بحجر واحد، عبر إنهاء الانقسام داخل أروقة الحزب، من جانب، بالإضافة إلى استرضاء الشارع الأمريكي، على طريقة ترامب، من خلال مرشح "بدون تاريخ سياسى"، يمكنه تكرار تجارب أخرى، ربما أبرزها تجربة خصمهم الأبرز دونالد ترامب، بالإضافة كذلك إلى كونها مغازلة قطاع من المجتمع الأمريكي يبدو غاضبا من التوجهات التي تتبناها الإدارة الحالية، خاصة فيما يتعلق بالإجهاض أو المثلية أو غيرها من القضايا الأخرى، التي تبنى ترامب موقفا مناوئا لها، في ظل رغبته في تقديم نفسه كـ"رئيس متدين".
ولكن يبقى التساؤل حول ما إذا كان تصعيد بوتجيج سوف يساهم في تغيير الخريطة الانتخابية في المرحلة المقبلة، أم أنها سوف تصطدم بصعود أسهم ترامب بصورة كبيرة، في ظل النجاحات الكبيرة التي حققها، خاصة على الصعيد الاقتصادى، بالإضافة إلى انتصاراته المتتالية على حساب خصومه الديمقراطين، أخرها في حملة عزله التي شنها عليه خصومه في الأشهر الماضية، ليخرجوا في النهاية بدون انتصار يذكر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة