ربما لم يحظ أحد من علماء الحديث بمثل ما حظى به الإمام البخارى من إثارة للجدل والاختلاف على ما قدمه بين مؤيد يرى أن الرجل استطاع أن يجمع أحاديث النبى محمد (ص) وهو مجهود عظيم، وبين آخرين شككوا في صحة عدد مما أخرجه الإمام صاحب الأصول الفارسية فى كتبه.
ويعد الإمام البخارى واحدًا من أهم علماء الحديث على مر التاريخ عند أهل السنة والجماعة، لكنه أيضًا أحد أكثر العلماء إثارة للجدل حتى الآن، رغم أن كتابه صحيح البخارى يعد فى رأى كثير من الفقهاء أصح كتاب بعد القرآن والسنة.
فلماذا يحاط البخارى دائمًا بالجدل والمعارك الفكرية والفقهية ولماذا تثار النقاش والجدل دائما حول البخارى وكتابه؟
اسمه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى، ولد فى بخارى إحدى مدن أوزبكستان الحالية عام 194 هجرية (الموافق 810م)، وحصل البخارى على مكانته بسبب جمعه للحديث النبوى، حيث صنفه فى النص المعروف بـ صحيح البخارى، والذى يعتمد عليه أهل السنة بصورة كبيرة مؤكدين أنه أصح كتاب إسلامى بعد القرآن الكريم.
والنظر إلى صحيح البخارى دائما على أنه أصح الكتب بعد القرآن يحمل الكثير من المبالغة خاصة أن هناك العديد من الكتب الجامعة الأخرى لم تحمل كل هذا الجدل، مثل مثل صحيح الإمام النسائى الذى يكاد يخلو من الأحاديث الضعيفة، وقال عنه الإمام السيوطى "كتاب السنن للنسائى أقل الكتب بعد الصحيحين من الأحاديث الضعيفة، وأقل فى الرجال المجروحين"، حيث سار الإمام النسائى على طريقة علمية دقيقة.
والكتب التراثية كانت تعرف جيدًا أن الصحيح من الحديث ليس قاصرا على صحيحى البخارى ومسلم، فيقول ابن الصلاح فى مقدمته: لم يستوعبا الصحيح فى صحيحيهما ولا التزما ذلك، فقد روينا عن البخارى أنه قال: ما أدخلت فى كتابى الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح لملال الطول. وروينا عن مسلم أنه قال: ليس كل شيء عندى صحيح وضعته ههنا يعنى فى كتابه الصحيح، إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه.
وفى كتاب "مغنى المريد الجامع لشروح كتاب التوحيد " لـ محمد بن عبد الوهاب يقول "نحن لا ننكر أن هناك أحاديث لم يذكرها البخارى ومسلم، لأنهما لم يستوعبا الصحيح كله، وهذا أمر واقع".
أما فيما يخص البعض مما يهاجمون في البخارى شخصه ويشككون فى مكانته، وقد تجمعت التهم الموجهة للإمام في بعض النقاط منها:
إنه لا يوجد ما يسمى بصحيح الإمام البخارة لعدم وجود نسخة أصلية من الكتاب مخطوط بخط اليد، ولا يوجد نسخة من عصره باقية حتى الآن، فيما يرد البعض على هذا الاتهام بأن أعمال البخارى بقيت ووصلت إلينا بالتواتر.
أن الوقت بين ميلاد البخارى ووفاة النبى محمد حوالي 200 سنة وهي مدة طويلة مات خلالها كل الصحابة، وبالتالي هناك شك كبير في مصدقية الأحاديث الذى قام بإخراجها، بينما يرد مؤيدى البخارى بأن الإمام الراحل اعتمد على معايير علمية للنقد، كما أن البخاري لم يكن أول من جمع الحديث ودوّنه حتى يُطرح مثل هذا الإشكال المُفتَعَل؛ فقد سبقه أئمة أعلام من أبرزهم مَعمر بن راشد (ت153هـ) ومالك بن أنس (ت179هـ)، يضاف إلى ذلك أن آخر الصحابة موتًا كان عامر بن واثلة الكِناني (ت102هـ وقيل 110هـ).
فيما يتهمه البعض أيضا بأنه رحلاته الذى قام بها إلى بغداد ومكة ومصر كانت قصيرة ولم تكن كافية للسماع من كل الرواة وتجميع تلك العدد الكبير من الأحاديث التي يتخطى النصف مليون حديث، فيما يرد هو نفسه على ذلك حسب ما ينسب له بعض الباحثين: "دخلت إلى الشام ومصر والجزيرة مرتين، وإلى البصرة أربع مرات، وأقمت بالحجاز ستة أعوام، ولا أُحصي كم دخلت إلى الكوفة وبغداد مع المحدثين".
ومن الاتهامات التي توجه للبخارى أيضًا أن الأحاديث التي قام بإخراجها تستند إلى 9 رواه بينه وبين النبى محمد (ص) وهو ما يوسع مجال النسيان والتدليس أو الكذب والتلفيق، وهنا يرد بعض الباحثين بأن أطول سند في البخاري هو سند تُساعي، وهو حديث “ويل للعرب من شر قد اقترب” الذي أخرجه البخاري في كتاب الفتن وفيه أربع صحابيات، في حين أن البخاري حين يَنزل في الإسناد يَصل إلى سداسي أو سباعي وذلك لمعنى أو فائدة استدعت الإفراد بالبحث والدراسة.
ومن الاتهامات أيضًا أن 16 سنة مدة وضعه لكتابه لا تكفي لتنقيح 600 ألف حديث للتحقق من شرطه وهو العدل والصدق وعدم التدليس، وبحسبة بسيطة يحتاج إلى أكثر من 200 سنة لكي ينقح 600 ألف أي 15 دقيقة لكل حديث وهي غير كافية للقاء الرواة وتطبيق المعايير!، لكن أهل السنة والجماعة يروا أن هذه الحسبة لا تقوم على أساس علميّ؛ لأنها مبنية على تصورات مغلوطة عن مفهوم الحديث وهو هنا الطريق (الإسناد) وليس المتن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة