لم يحدث في تاريخ تركيا من قبل أن يتم إهانة قواتها المسلحة وجيشها بهذا الشكل الذي حدث في مدينة إدلب السورية، حيث أسفر الهجوم الذي شنه الجيش السوري عن سقوط ما لا يقل عن 33 من أفراد القوات المسلحة التركية برتب ودرجات مختلفة، ليكون بذلك قد ارتفع إجمالي عدد العسكريين الأتراك الذين سقطوا في سوريا خلال الشهر الأخير فقط إلى 52 قتيلا، أما الجانب التركي فيزعم في كل تصريحاته وبياناته أنه أسقط 1079 من جنود قوات النظام السوري على مدار أحداث هذا الشهر.
وعلى الرغم من محاولات حكومة حزب العدالة والتنمية التستر على فضاحة الموقف إلا أن الأخبار بدأت تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي؛ الأمر الذي دفع الحكومة التركية لحجب منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وتبطئ سرعة الإنترنت في البلاد للحيلولة دون انتشار الأخبار.
بعدها تم الإعلان أن الحكومة التركية أصدرت تعليماتها وأوامرها لقوات خفر السواحل بفتح الحدود مع الاتحاد الأوروبي وعدم منع انتقال اللاجئين السوريين إلى الأراضي الأوروبية ودول الاتحاد الأوروبي سواء برًا أو جوًا أو بحرًا، بالتزامن مع ذلك التطور السريع، أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاويش اتصالًا هاتفًا مع الأمين العام لحلف الناتو جينس ستولتينبيرج، كما أجرى الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية التركية إبراهيم كالين اتصالًا هاتفيًا مع سفير مستشار الأمن القومي الأمريكي روبيرت أوبرين، وتناولا خلال اللقاءات الهاتفية التطورات الأخيرة، إلا أن استنجاد أردوغان وحكومته بالغرب لمواجهة روسيا وكلب الدعم منهم، والتلويح بورقة اللاجئين مرة أخرى لتهديد الغرب وأوروبا، لا تفسير له إلا أن حكومة حزب العدالة والتنمية وأردوغان فقدوا السيطرة على الأوضاع.
أما الجانب الأمريكي والأوروبي فقد أرسلا رسالة واضحة إلى أردوغان، قائلين: "إن تركيا سترى أننا حلفائها في الماضي والمستقبل". على الجانب الآخر أعلنت روسيا أنها لا تعلم شيئا عن الهجوم الذي تعرضت له القوات التركية، مؤكدة أنها مستعدة لتطبيق وقف إطلاف النار في سوريا. إلا أن التصريحات الروسية، لا أحد يعرف حتى الآن كيف سيكون تأثيرها وانعكاسها على الجيش التركي الذي تلقى ضربة موجعة وكسرت فيه عزته وافتخاره بقدراته.
أما أردوغان الذي أمهل قوات الجيش السوري حتى نهاية شهر فبراير للخروج من منطقة عدم الاشتباك في إدلب، فإنه إن وافق على دعوات وقف إطلاق النار فستكون مصداقيته الدبلوماسية قد انهارت.
وهبت الرياح في الأشهر الأخيرة بما لا تشتهيه سفن تركيا، وشهدت تقدمًا سريعًا لقوات الجيش العربي السوري في إدلب اعتبارًا من شهر ديسمبر الماضي، وسط اشتباكات عنيفة دامية، وتمكنت قوات النظام من السيطرة على مناطق استراتيجية وحيوية بالقرب من إدلب، من بينها معرت النعمان وسراقب.
أما تركيا فتقف مكتوفة الأيدي أمام تقدم قوات النظام، وبدأت في إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة إلى المنطقة في محاولة منها للوقوف أمام قوات النظام السوري والقوات الروسية.
وفي السياق ذاته يرى المحللون والخبراء العسكريون أن عدد الجنود الأتراك المرسلين إلى إدلب حتى الآن تجاوز عشرة آلاف من رتب ودرجات عسكرية مختلفة، بينما تجاوز عدد المدرعات والمركبات العسكرية أكثر من ألفين مدرعة ومركبة عسكرية.
كما يرون أن إرسال المعدات العسكرية والجنود إلى إدلب، وتعريضهم للقصف الجوي دون أي غطاء جوي، هي وضع الجنود على طاولة طعام في وجبة عشاء ساخنة أمام الهجمات الروسية السورية، مشيرين إلى أن تركيا لم تتمكن من الحصول على ما تريده من تنازلات روسية على الساحة الدبلوماسية، فروسيا لم تقدم أي تنازلات أرادتها تركيا، خلال المفاوضات والمحادثات التي أجريت بين البلدين سواء في موسكو أو في أنقرة.
أنقرة طلبت من موسكو الوقف العاجل للاشتباكات، وفتح المجال الجوي أمام المقاتلات التركية في الشمال السوري. أما موسكو فترى أن تقديم الدعم للتنظيمات المسلحة والعناصر الإرهابية الموالية لتنظيم القاعدة من خلال التعزيزات التي ترسلها إلى المنطقة، معلنة انزعاجها من السياسات التي تتبعها تركيا تجاه سوريا.